ضياع حُلم الأمن الغذائي وسط صحراء العبدلي والوفرة

الكويت – النخبة:

أجمــع متخصصــون وزراعيون ومهتمون بالزراعة على محدودية نجاح مشروع الأمن الغذائي في العبدلي ومشروع المزرعة المتكاملة في الوفرة واللذين تم بموجبهما توزيع مئات القسائم الزراعية قبل نحو سنتين في كل من العبدلي والوفرة.

«الأنباء» وجهت لعدد من الفعاليات الزراعية المؤثرة في الساحة الزراعية ومن مختلف القطاعات الزراعية استفسارات: ما تقييمكم لقيام هيئة الزراعة منذ بضع سنين بتوزيع مئات القسائم الزراعية بمساحة (50) ألف متر مربع على المواطنين أفرادا وشركات تحت مسمى الأمن الغذائي والمزرعة المتكاملة؟ وهل ساهم هذا التوزيع الحكومي أو يساهم فعلا بتحقيق جزء من الأمن الغذائي المأمول في الكويت؟ مع ذكر السبب أو الأسباب سواء أكانت الإجابة بلا أو بنعم؟ ناهيك عن قيام هيئة الزراعة في السنوات الأخيرة بالموافقة على تجزئة الكثير من المزارع الشاسعة في العبدلي والوفرة إلى قسائم صغيرة، وتوزيع المئات بذات المنطقتين في غضون السنوات الأخيرة الماضية على العديد من المهندسين الزراعيين المتقاعدين ومربي الخيول العربية الأصيلة، وأصحاب المشاتل النيابية ونباتات الزينة وأصحاب المناحل وغيرهم كثير كثير بمساحات مختلفة تتراوح بين عشرة وعشرين إلى خمسين ألف متر مربع، وربما أكبر.. مذكرين بمشروع تربية الأغنام في كل من كبد والوفرة ومشروع تربية الإبل؟أول المتحدثين حول هذه القضية التي برزت بعد أزمة شح البصل ومن قبلها نقص الالبان والأجبان وارتفاع اسعار اللحوم الحمراء والعديد من الثمريات في الاسواق المحلية، وأشغلت العديد من المواطنين، عبر وسائل التواصل الالكتروني والصحف المحلية والإذاعة والتلفزيون هو المزارع عبدالرحمن الوقيان الذي زرنا مزرعته قبل نحو أسبوعين، الكائنة وسط مشروع المزارع المتكاملة، كي نرى واقع أو حقيقة العمل في هذا المشروع الكبير آخر شارع 500 من شوارع الوفرة الحديثة.

ورغم أن مزرعة «الوقيان» زاخرة نابضة بأكبر مشروع للزراعة المائية بدون تربة (هايدروبنك) في الكويت، إلا أن هذا المشروع ما كان ليكون لولا التضحية المالية التي بذلها «الوقيان» على أرض مزرعته.. فالطريق إلى هذه المزرعة وكل المزارع أو القسائم المجاورة لها طريق ترابي وعر وصعب ذهابا وإيابا لها.. بالإضافة إلى اضطراب التيار الكهربائي زيادة ونقصانا وأحيانا قطعا.. وبعد أقرب محطة مياه عذبة عن أقرب قسيمة في المشروع بنحو عشرين كيلو مترا، لذلك فإن العديد ممن كان لهم نصيب في حيازة قسيمة في هذا المشروع سلموها بأنفسهم أو اعادوها لهيئة الزراعة التي وزعتها بالقرعة المثيرة للجدل آنذاك، واستردوا مبلغ التأمين وقدره مائة ألف دينار، لإدراكهم بصعوبة استثمار الحيازة التي تسلموها قبل نحو سنتين، مجرد أربعة أعمدة حديدية لتحديد حدود المزرعة لا غير.. ثم ذهبت الهيئة وبعد حين قامت هيئة الزراعة أو ستقوم كما نسمع ونقرأ ـ والكلام للمزارع عبدالرحمن الوقيان ـ بسحب القسيمة لعدم استغلالها.

واستذكر الوقيان لدى حديثه عن نواقص الخدمات في مشروع الأمن الغذائي أو المزرعة المتكاملة في الوفرة، استذكر الآية الكريمة (فاذهب أنت وربّك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون)، ليقرب أو يوضح حقيقة ما يجري هناك أو حقيقة علاقة الحائزين للقسائم الزراعية بالجهات المعنية المسؤولة عن توفير الخدمات الحيوية للمشروع في القطعة (6) من الوفرة الحديثة بأقصى جنوب الكويت.

الزراعة من دون استراتيجية

وبقراءة بعض التغريدات حول هذه القضية قرأنا لمطلق خميس السعيدي قوله: اتقبل اننا لا نستطيع الاكتفاء الذاتي من الكثير من المحاصيل الزراعية.. لكن ما لا اتقبله ولا أسامح عليه أننا لا نستطيع الاكتفاء الذاتي لمحصول زراعي واحد، رغم وجود مزارع الأمن الغذائي المنتشرة في العبدلي والوفرة والصليبية.

وفي تغريدة أخرى باسم مفكر كويتي: الشارع الكويتي يسأل هيئة الزراعة حول وجود أكثر من 3000 مزرعة بمساحة (14) مليون متر مربع يتم دعمها من قبل الدولة سنويا وذلك لتأمين السوق الغذائي للكويت، ومع ظهور أول أزمة للبصل بانت هشاشة الأمن الغذائي بالكويت فليس هناك بعد استراتيجي بعيد المدى..!نائب المدير العام لشؤون الثروة السمكية سابقا وعضو مجلس ادارة هيئة الزراعة حاليا الدكتور حيدر مراد، رد على سؤالنا المطروح في أول هذا الاستطلاع بأن سؤالنا سؤال مستحق من دون تفصيل أو بيان يذكر هنا.

تجزئة المزارع.. خطأ فادح

من جهته دعا المزارع محمد الفلاح إلى سرعة ايقاف الموافقات الرسمية على تجزئة المزارع الكبيرة وخصوصا في منطقة العبدلي الزراعية الشهيرة بزراعة الاعلاف الخضراء الحيوية لتنمية الثروة الحيوانية، وتفاديا للمشاكل المستقبلية بين الشركاء، والأهم للحفاظ على الأراضي الزراعية من التفتيت وتحويلها كليا الى استراحات ومتنزهات وحدائق خاصة على حساب الزراعة الانتاجية المثمرة، كما هو حادث ويحدث الآن، مبينا أن الظروف التي كانت تسمح أو تستدعي التجزئة أو الشراكة في مزرعة مساحتها (50) ألف متر مربع إلى أربعة أجزاء باسم مواطن واحد بمعرفة هيئة الزراعة نفسها تغيرت، وأبرزها ارتفاع اسعار القسائم الزراعية.

وأذكر انني عندما اشتركت مع بعض اصدقائي ومعارفي في مزرعة واحدة مساحتها (50) ألف متر مربع قبل بضع سنوات كان سعر المتر المربع في العبدلي مرتفعا (حوالي خمسة دنانير) الآن الوضع اختلف فسعر المتر المربع انخفض إلى دينار أو دينارين في أحسن الأحوال.. وبهذا السعر المنخفض يمكن للواحد منا أن يشتري مزرعة كاملة بالمساحة المتعارف عليها أو المناسبة عمليا وعلميا للزراعة الحديثة أقصد بمساحة (50) ألف متر مربع في العبدلي والكلام للمزارع الفلاح من العبدلي.

ومن هذا المنطلق أدعو للعدول عن خطأ تجزئة المزارع إلى (12) ألفا و500 متر وأحيانا أقل إلى سبعة آلاف وخمسمائة متر.. خصوصا أن هذه الزيادة لم تواكبها زيادة في الخدمات ولا في دعم العلف.

وعدَّد المزارع محمد الفلاح، مشاكل التجزئة التي تفشت في العبدلي والوفرة خلال السنوات الأخيرة.

فذكر أبرزها المتمثل في الانقطاعات الكهربائية والازدحامات حول محطات المياه بل والحوادث على الطرق والعزوف عن زراعة العلف الأخضر بكثرة.. وتحديدا بعد غياب دعم العلف الأخضر.. عماد تنمية الثروة الحيوانية وتطويرها وقال: لو واكبت الزيادة في عدد المزارع في العبدلي زيادة في الخدمات الحيوية فيها لما دعونا إلى توقف تجزئة المزارع أو لما تحمّسنا ضدها كثيرا كما نحن متحمسون ضدها الآن!لكن بقيت معظم الخدمات كما هي رغم زيادة عدد المزارعين ورواد العبدلي وزوارها وضرب مثالا بمستوصف العبدلي الذي بقي كما هو مجموعة شبرات قديمة متهالكة منذ حوالي 40 عاما من دون تطوير وتحديث وتوسعة حتى الآن!وركَّز «أبو جاسم» في حديثه لـ «الأنباء» على أهمية وقف النزف الحادث في العبدلي والناجم عن تجزئة المزارع وتفتيت الأراضي الزراعية فيها معبرا عن خشيته من وجود عشوائيات أو ما يشبه العشوائيات في بعض ارجاء العبدلي، نيتجة عدم التنسيق مع الجهات المعنية بأمر الزراعة والشؤون العامة في منطقة العبدلي الزراعية وغياب خطة واضحة المعالم حول حاضر هذه المنطقة الحدودية النائية ومستقبلها..! مرجعا العديد من العشوائيات المخالفة سواء في المحلات أو الطرق أو التوسعات والتجزئات الى غياب هذا التنسيق وتقاعس جهة حكومية أو أكثر عن القيام بواجبها كاملا بالسرعة المطلوبة..!

نجاح محدود

وتحدثت «الأنباء» مع المزارع أحمد فاضل المطيري الحاصل على قسيمة أمن غذائي في منطقة العبدلي الزراعية فأقرَّ بأن مشروع الأمن الغذائي في هذه المنطقة الحدودية لم يعط اللحوم الحمراء المرجوة منه والسبب غياب الدعم الحكومي المجزي.. حتى دعم العلف الأخضر أوقفوه بعد أن قرروه وصرفوه عدة مواسم.

داعيا هيئة الزراعة لتفعيل قانون سحب القسيمة الزراعية غير المستغلة من حائزيها لأن الأراضي الزراعية في الكويت قليلة وليس من حق انسان ان يحصل على قسيمة أرض شاسعة ليزرعها موسما أو موسمين ثم يتوقف بحجة أنه يخسر من وراء زراعته فالمزارع ينبغي أن يتحلى بقوة الصمود والثبات ومن يخسر موسما يربح موسما آخر.. وفي حالة اصراره على عدم الزرع عليه أن يعيد الحيازة لتوزيعها على من يقدر على استغلالها.. وبالنسبة لي فإن الـ 50 ألف متر مربع لا تكفي لزراعتها بالعلف الأخضر بالقدر أو المساحة المطلوبة لتغذية أغنام مزرعتي المتزايدة بحمد الله ومثلي الكثير.

ولا يجد المزارع أحمد فاضل أي غضاضة في ان يقيم المزارع ديوانية خلابة مزودة ببركة اصطناعية أو حوض سباحة فاخر.

مادام يزرع أغلب مساحة مزرعته بالغرض المحدد في عقدها لدى إدارة املاك الدولة التابعة لوزارة المالية.

بالعكس؛ الديوانية المريحة والمتكاملة ومن حولها الماء والخضرة.. تشجع المزارع على المداومة في مزرعته لمتابعة العملية الانتاجية فيها.. وهذا ما نريده.. لكننا نرفض أن تتحول كل المزرعة الى حديقة أو منتزه يؤجر للغير كما هو حادث لدى البعض في الوفرة والعبدلي وكبد.. للأسف الشديد..!وأشار المزارع الشاب النشط أحمد فاضل إلى عدة مشاريع كلفت الدولة ملايين الملايين من الدنانير، ناهيك عن الجهود والأموال الخاصة التي بُذلت فيها في كل من العبدلي والوفرة والصليبية وكبد.. ورغم هذه المشاريع المليونيرية إلا أن أغلب ما نأكله من لحم أحمر ومن البان وأجبان وأسماك.. مستورد.. للأسف الشديد.. مع أن لدينا إمكانات مادية وبشرية كبيرة.. يمكن حال استثمارها جيدا أن تجعل أغلب منتجاتنا النباتية والحيوانية والسمكية من خيرات بلادنا.. طازجة.. نضرة.. وآمنة صحيا للإنسان وسلامة بيئته.. ولكن التمني شيء والواقع شيء آخر.. للأسف الشديد..!

القسائم للتنفيع..!

وتحدث حول القضية المطروحة هنا عضو مجلس إدارة الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكية الأسبق بكر البكر والحائز إحدى القسائم الجديدة في القطعة 6 الملاصقة لقسائم الأمن الغذائي في الوفرة فقال انا ممن حصلوا من الدولة على قسيمة أرض بمساحة 50 ألف متر مربع وتحديدا في عام 2014 نعم أعطونا الأرض وسط الصحراء ثم تركونا ضائعين تائهين فيها لأنهم لم يقدموا لنا أي مساعدات ولا حتى إرشادات وبعد جهد جهيد مني وبمالي الخاص توا استطعت أن أنتج بعض الثمريات.

وانتقد أبو وائل الانتقائية في تقديم الخدمات وغض البصر عن البعض ووضع آخرين تحت مجهر المراقبة والتفتيش مبينا أن بجانبه مزرعة جديدة تم تقسيمها لأربعة أجزاء مع أن مساحتها (50) ألف متر مربع فقط وقسيمة ثانية جديدة أخذ حائزها توسعة لها.. وظني أن هناك من باع حيازته للغير حتى قبل أن يزرعها وبعد سنة فقط من مطالبته بقسيمة ليزرعها ويسهم في تحقيق الأمن الغذائي في البلاد.. وكأننا في سوق للعقار وليس في هيئة عامة للزراعة.. بل إن هنك طرقا عبدت في حين بقيت باقي الطرق رملية وعرة.. ويؤسفني أن أقول ان الحصول على خدمات الدولة وتحديدا الكهرباء يتم غالبا بالمعرفة والواسطة والباقي يصطفل وينتظر.. ورغم هذا وغيره موجود يقولون أين مساهماتكم الموعودة بتحقيق جزء من الأمن الغذائي المنشود.

وأسمع أن بعض من خصصت لهم قسيمة هنا بالقرعة أعادوا تسليمها لهيئة الزراعة وهذا عين الصواب.. لأنهم حجزوا عندهم مائة ألف دينار التأمين حتى يزرع.. طيب اعطوه المائة ألف كي يزرع.. حلقة مفرغة.. والشق عود..