يسعى عشاق كويتيون لفن «الصوت»، إلى إحياء ذلك الفن الذي يعود إلى العصر الأموي، هرباً من صخب الحداثة، فأسسوا له مقراً في منطقة كبد.
ويلوذ «الامويون الجدد» بهذا الفن التراثي، متسلحين بأقدم آلتي موسيقى: العود والمرواس، صادحين بأعذب الأنغام لترجع سامعها إلى عبق التاريخ.
ولهذا الفن مكانة في دول الخليج العربي، لاسيما بين كبار السن.
وقد تطور «الصوت» من حيث الألحان والآلات. والتطور هذا ينسب الى الشاعر الشعبي الكويتي عبدالله الفرج، فنما وازدهر في الكويت وأحبه أهلها وأبدعوا في أدائه.
وقام عبدالله الفرج بإضافة بعض الألحان الجديدة إلى فن الصوت، وكذلك استخدم آلتي الناي والرق كما في (الأصوات الكويتية التي سجلها عبداللطيف الكويتي على أسطوانات حجرية)، أما الأصوات في البحرين وبقية دول الخليج، فلا تستعمل فيها آلتا الناي والرق.
وأبرز من أدى فن الصوت هم ملوك القصائد المغناة في فن الصوت، وهي القصائد الفصحى من شعر العرب، مثل المتنبي وعنترة العبسي وغيرهما من فطاحل الشعراء، وكذلك القصائد اليمنية الأصل وقصائد شعراء الخليج القدامى، كقصيدة «دمعي جرى بالخدود»، و«مر ظبي سباني»، و«نالت على يدها».
«الراي» زارت ديوانية أهل المرواس في منطقة كبد، التي تضم مقتنيات تراثية وصورا قديمة وقطعا أثرية، إلى جانب آلات موسيقية لفن الصوت وأشرطة غنائية تعود لزمن مضى.
وقال أحد مؤسسي ديوانية أهل المرواس عبدالله الجدة، إن «فن الصوت واحد ولا يوجد لديه شبيه، وإقبال الشباب عليه بكثرة، خصوصا في الفترة السابقة».
وبعد فتح الديوانية الجمعة الماضي، يتم استقبال الجمهور للاستماع في سمرة يحضرها مطربو فن الصوت من الكويت وخارجها، مثل خلف المسعود وحمد الحمد، تعلمنا منهم فن الصوت. وكذلك يغنى فن الصوت في السعودية وقطر والامارات وفي عُمان».
وأشار الجدة إلى أن «فن الصوت فن صعب الأداء يحتاج حنجرة قوية ومتمرسة وأبرع من أدى فن الصوت هو ضرب من الأغاني والألحان والإيقاعات، واشتهرت بها منطقة الخليج، حيث تغنى وتنشد على انغامها وألحانها القصائد، منذ العصر الأموي، إلا ان الازدهار الحقيقي للموسيقى، تزامن مع العصر العباسي، بفضل تشجيع الخلفاء للفنانين».
وأضاف ان «فن الصوت له ألحان كثيرة غني بها، ويمكن للمستمع أن يتعرف على أصل أي لحن من ألحان الأصوات، فكل ما غناه المطربون هو من الألحان القديمة، وأداء فن الصوت.. ليس بالشيء السهل.. ولهذا مطربو هذه الأيام يتحاشونه، واذا أدوه لم يحسنوا أداءه فقط مجرد أداء، والسبب يكمن في أن الصوت يحتاج خامة صوتية ذات نكهة خاصة جدا، ويحتاج أيضا نفساً وحنجرة قوية وسليمة ومتمكنة، وإلا فقد يظهر النشاز والضعف في الأداء».
من جانبه، قال أحد مؤسسي الديوانية فهد الاحمد إن «المقر يحوي مقتنيات قديمة من التراث متعلقة بالفن وتاريخه، كما أن المقر يقيم كل يوم جمعة جلسة لفن الصوت وغناء للشعر العربي الفصيح بالموشحات، ولكن بأوزان خاصة بشعراء اليمن القدامى وبألفاظهم المحلية. تنتهي معظم الأصوات العربية والشامية بقطعة تسمى توشيح أو توشيحة، وهي بداية نهاية الصوت، وقد تكون مغناة أو موسيقية فقط، وتحتوي التوشيحة أيضاً على تقاسيم مرتجلة، والبعض يختمها بلحن محدد لإنهاء الصوت».
فهد العسكر… و«الصوت»
داعب فن الصوت الاموي مخيلة شاعر الكويت الراحل فهد العسكر، حيث تغنى في قصيدته التي مطلعها (حي الصباح إذا تبسم) بهذه الانغام الشجية، مثنيا على أشهر رموزها في تلك الحقبة، حيث قال بفن الصوت: لا العود لا القيثار لا المزمار إذ يشدو بأرخم…
فاسمع لحون مخارق والموصلي إذا ترنم.
من الموصلي إلى الفارابي وصولاً إلى الفرج
قال عبدالله الجدة ان الكثير من الفنانين برزوا في فن الصوت، منهم إبراهيم الموصلي وابنه اسحاق الموصلي وغيرهما، كما ظهر علماء مختصون بالفنون الموسيقية، امثال ابن سينا والفارابي وغيرهما. وبعد سقوط الدولة العباسية، ظل هذا الفن في شبه الجزيرة العربية، وأخذ ينمو فيها، وكان «الصوت» هو الغناء المحبب لأهل هذه البلاد، وأضافوا عليه الشيء الكثير في مجال نظم الأشعار مع الاحتفاظ بالإيقاعات الزمنية للصوت القديم، إلى أن طوره الشاعر الشعبي الكويتي عبدالله الفرج.