#النخبة| الاعتداء على الأطباء.. مسلسل مستمر يحتاج إلى تشريع مشدد لإيقاف حلقاته
ما بين الفينة والأخرى تصطدم الساحة المحلية بأمور دخيلة وغريبة عليها ومنها الاعتداء على الأطباء والكوادر الطبية في المستشفيات والمستوصفات الأمر الذي يحتاج إلى وقفة جادة من كل المعنيين لإيجاد تشريع مشدد يكون الفيصل لأي خلاف بين المراجعين والأطباء ويوقف مسلسل هذه الاعتداءات.
وقد يكون أحد أسباب تكرار هذا السلوك العدائي عدم وجود تشريع حالي بالبلاد أو قانون يحمي الأطباء من هذه الجرائم أو يشدد على معاقبة مرتكبي مثل هذه الاعتداءات سوى قانون الجزاء الكويتي رقم (16) لسنة 1960 في حالة إذا ما كان الطبيب يعمل بالقطاع الحكومي فتتم معاملته معاملة الموظف العام.
وبالإضافة إلى ذلك هناك أسباب أخرى يتعلق بعضها بالدوافع النفسية والاجتماعية التي تتطلب أيضا دراسة من قبل المتخصصين للوقوف عليها وإيجاد العلاج الناجع لها قبل أن يستفحل الأمر ويصل بنا إلى ظاهرة لا تحمد عقباها لا سيما لجهة خلق بيئة طاردة للكوادر الطبية المتميزة.
وحول هذا الأمر استطلعت وكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الخميس آراء عدد من المتخصصين للوقوف على الأسباب الحقيقية للاعتداء على الكوادر الطبية وهم على رأس أعمالهم وتسليط الضوء على الحلول.
البداية كانت مع مدير إدارة الشؤون القانونية والتحقيقات في وزارة الصحة الدكتور علي الخضير الذي قال ل(كونا) إن الاعتداءات على الأطباء تعد “حالات فردية استثنائية وأغلبها لفظية ونادرا ما تتحول إلى جسدية”.
وأضاف الخضير أن حالات الاعتداء على الأطباء تتم معالجتها حاليا عبر إبلاغ الجهات المختصة ومنها الشؤون القانونية لإجراء التحقيقات اللازمة والتعامل معها.
وأوضح أن هذه الحالات يتم تحويلها إلى القضاء بناء على رغبة الأطباء الذين تعرضوا للاعتداء مستدركا بأن لكل حالة ظروفها الخاصة والتي غالبا ما تحدث إبان تلقي أحد أقارب المعتدي للعلاج أو عند تخطى الدور المحدد للخضوع للكشف الطبي أو طول مدة الانتظار نوعا ما.
من جهته قال الأمين العام للجمعية الطبية الكويتية سالم الكندري ل(كونا) إنه لوحظ في الآونة الأخيرة تكرار حدوث الاعتداء على الأطباء من بعض المراجعين “نظرا إلى عدم وجود تشريع يحمي الأطباء من مثل هذه الحوادث”.
وأضاف الكندري أن الطبيب في مقر عمله “في أمس الحاجة” إلى توفير عنصر الأمن والحماية بما يكفل له الطمأنينة في أداء رسالته دون قلق أو توتر لافتا إلى أن “الواقع المرير تعامل مع مهنة الطب كسائر المهن والوظائف الأخرى”.
وأوضح أنه لا يوجد تشريع يحمي الأطباء من جرائم الاعتداء عليهم أو يشدد على معاقبة مرتكبي مثل هذه الاعتداءات سوى قانون الجزاء الكويتي رقم (16) لسنة 1960 في حالة إذا ما كان الطبيب يعمل في القطاع الحكومي فتتم معاملته كمعاملة الموظف العام.
وتنص المادة ال134 من القانون المشار إليه بحسب الكندري على أن (كل من أهان بالقول أو بالإشارة موظفا أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديته لها يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تتجاوز ثلاثمائة روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين).
وأكد أن الجمعية الطبية الكويتية في هذا الصدد وفي إطار تبنيها لتحديث قانون مزاولة مهنة الطب رقم (25) لسنة 1981 بالتعاون مع وزارة الصحة تسعى جاهدة لتضمين القانون الحديث لمواد تحمي حقوق المريض والطبيب ضد الممارسات المخالفة بما يوفر للطبيب عنصر الأمن والأمان في أداء رسالته العلمية وللمريض تلقي أفضل الخدمات.
بدوره قال اختصاصي الأمراض الباطنية والغدد الصماء والسكري في مستشفى الصباح الدكتور عادل رضا ل(كونا) إن الاعتداءات اللفظية والجسدية على الطواقم الطبية في المستشفيات لا سيما التي تتعامل مع حالات دقيقة تصارع الوفاة أصبحت متكررة الأمر الذي يستدعي سن تشريعات تحمي الأطباء أثناء ممارستهم مهام عملهم.
وأشار رضا إلى ضرورة توفير عناصر شرطية لحماية الأطباء أسوة بالشرطة المجتمعية والبيئية لا سيما في نوبات العمل الليلية للحيلولة دون وقوع المزيد من الاعتداءات وحتى لا يكون المجال الطبي طاردا لكوادره.
ولفت إلى ضرورة تولي وزارة الصحة مسؤولية متابعة الشكوى القضائية التي قد يتقدم بها الطبيب حال الاعتداء عليه أثناء تأديته مهامه الوظيفية وأن تتضمن التشريعات ذات الصلة استمرار تنفيذ العقوبة بحق المعتدي حتى وإن تنازل صاحب الشكوى عن شكواه فضلا عن إجراء التحقيق في مقر عمل الطبيب.
وللحديث عن الأسباب النفسية والاجتماعية المؤدية لارتكاب مثل هذه الأفعال قالت الأستاذ المشارك في علم الأنثروبولوجيا (علم الإنسان) في جامعة الكويت رئيس تحرير مجلة العلوم الاجتماعية الدكتورة مها السجاري ل(كونا) إن ظاهرة الاعتداء على الأطباء أثناء ممارسة مهامهم تعود إلى عدة عوامل أهمها “ثقافة المجتمع وهيبة القانون”.
وأضافت السجاري التي تشغل أيضا منصب مدير مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية أن المعتدي عادة ما يقوم بهذا الفعل ظنا منه بأن الطبيب هو المسؤول أولا وأخيرا عن تعافي المريض مهما كان وضعه الصحي وأن غير ذلك يعتبره تقصيرا أو إهمالا.
وأشارت إلى أن السبب الثاني لارتكاب حالات الاعتداء على الأطباء هو أن بعض الأفراد يلجأون إلى العنف كأول وسيلة للتعبير عن غضبهم وعدم رضاهم عن الخدمات المقدمة دون مراعاة للمكان أو للمرضى الآخرين وظروفهم الصحية.
واستطردت قائلة إن “هذا الفعل المشين يعكس طبيعة التنشئة الاجتماعية والثقافة الأسرية التي تربى عليها المعتدي والتي غالبا ما تعتمد على العنف والاعتداء على الآخرين”.
وذكرت أن السبب الثالث للقيام بمثل هذه الأفعال هو “عدم احترام البعض للقانون وقناعته بأنه سيفلت من المساءلة بأقل العقوبات الممكنة نظرا للتعاطف معه لظروفه النفسية السيئة”.
من جانبه قال أستاذ الاجتماع والأنثروبولوجيا في جامعة الكويت الدكتور يعقوب الكندري ل(كونا) إن ظاهرة الاعتداء على الأطباء والتي “أصبحت ملحوظة” تأتي ضمن انعكاسات العنف المجتمعي الذي يشمل عدة أنواع منها اللفظي والنفسي والبدني.
وأضاف الكندري أنه ورغم الرفض التام للقيام بمثل هذه الأفعال إلا أن دوافعها قد تنجم عن ضغوطات نفسية يمر بها المعتدي أو لسوء الخدمة المقدمة وطول مدة الانتظار للحصول عليها وغيره من تردي الخدمات ما يؤدي في إلى عدم قيام الطبيب بواجبه على الوجه الأكمل لظروف خارجة عن إرادته.
وأشار إلى أن اعتماد البعض على الواسطة والمحسوبية في الحصول على الخدمة قد يتسبب في تأخير حصول أقرانهم عليها وبالتالي قد تتولد نزعة العنف والرفض لسوء الخدمة.
من ناحيته ذكر اختصاصي علم النفس التنظيمي في جامعة الكويت الدكتور عثمان الخضر ل(كونا) أن بيئة العمل ورغم أنها غالبا ما تكون آمنة من ممارسة العنف إلا أن هناك أربعة أشكال للعنف داخل أي مؤسسة.
وقال الخضر إن أشكال العنف المؤسسي تحدث مثلا عند اقتحام أحدهم مؤسسة بغرض السرقة أو من قبل مراجع بحق الموظف وكذلك الطلبة أو أولياء الأمور بحق المعلم أو عند مراجعة المؤسسة الصحية موضحا أن انعكاساتها قد تصل إلى وقوع ضحايا.
وأشار إلى وجود بعض المؤشرات التي تدل على أن الشخص يمتلك شخصية مثيرة للمشكلات في بيئة العمل منها الشعور بالأحقية الدائمة في السيطرة على الغير وهؤلاء يميلون عادة إلى تجميع القوة للسيطرة على الموقف التنظيمي داخل المؤسسة.
واستطرد قائلا أن البعض قد تمتلكه مشاعر بأنه ضحية لممارسات الآخرين وهؤلاء تجدهم دوما في صراع لتحقيق انتصارات وهمية أما البعض الأخر قد ينزلق نحو ممارسة بعض السلوكيات الأخلاقية غير المحمودة مثل سوء الظن والحسد والغيبة والنميمة لخوض معارك مع البعض.
من جانبها قالت المحامية ليلى الراشد ل(كونا) إن قضية الاعتداء على موظفي الدولة بصورة عامة والأطباء بصفة خاصة لا تقتصر على الكويت إذ أنها تنتشر في أنحاء العالم تحت مسمى “العنف”.
وقالت الراشد إن هذه الظاهرة تتراوح ما بين الإيحاء بالاعتداء اللفظي أو الاعتداء الجسدي وتعتبر من الظواهر الاجتماعية التي تتطلب الحزم والشدة في تطبيق القانون والتوعية بمخاطرها.
وأوضحت أن الطبيب يعتبر موظفا عاما وبالتالي يخضع لقانون الجزاء الكويتي الذي نصت مادته رقم (134) على أن “كل من أهان بالقول أو بالإشارة موظفا أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديته لها يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ثلاثة اشهر وبغرامة لا تجاوز ثلاثمائة روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين”.
وأضافت أن المادة رقم (135) من قانون الجزاء نصت على أنه “كل من تعدى على موظف عام أو قاومه بالقوة أو العنف أثناء تأدية وظيفته أو بسبب تأديتها يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة واحدة وبغرامة لا تجاوز ألف روبية أو بإحدى هاتين العقوبتين وذلك دون إخلال بأية عقوبة اخرى يرتبها القانون على أي عمل يقترن بالتعدي أو المقاومة”.
واشارت الراشد إلى أنه “لا توجد حماية قانونية خاصة بالأطباء في قانون مزاولة المهن الطبية لذا يجب أن تعدل القوانين ويكون للأطباء حماية خاصة بهم”