وقفة مع مقال الكرملي عن الكويت بقلم المؤرخ خالد طعمة
نشر في مجلة المشرق البيروتية والتي أسسها الأب لويسشيخو اليسوعي عام 1898م أقدم مقال باللغة العربيةعن الكويت بعددها العاشر الصادر في الخامس عشر منآيار عام 1904م ، كاتب المقال هو الأب انستاس ماريالكرملي، و الذي ولد عام 1866م في بغداد و كان اسمهعند الولادة بطرس بن جبرائيل يوسف عواد ، يرجع نسبهإلى قبيلة بني مراد ، والده لبناني من بحر صاف منبكفيا ، والدته عراقية من بغداد وتعود إلى بيت جبرانالكلداني ، يعتبر راهباً كرملياً ، وعالم باللغة والأدبوالتاريخ ، تمتع بعضويات عدد من المجامع العلمية واللغويةكمجمع دمشق و مجمع القاهرة ، ألف كتباً في مجالاتمختلفة ، ففي اللغة : جمهرة اللغات ، المعجم المساعد ،أغلاط اللغويين الأقدمين ، وفي التاريخ : خلاصة تاريخالعراق منذ نشوئه إلى يومنا هذا ، اللمع التاريخية العلمية، العرب قبل الإسلام ، وكتب أخرى عديدة ، توفي ببغدادعام 1947م.
قال الكرملي في مقاله الذي حمل عنوان الكويت: “الكويتوبالافرنجية koweit وهي الكتابة المشهورة و koveit وهي دونها شهرةً تصغير الكوت . والكوت في لغة أسفلالعراق وما دناه من بلاد العرب وبعض العجم : البيتالمبني بهيئة القلعة أو دونه تحصيناً يتخذ ملجأ عند الحاجةوحوله بضعة بيوت راجعة إلى البيت الأب . ولا يطلق هذاالاسم الا إذا كان قريباً من الماء مهما كان هذا نهراً أوبحراً أو بحيرة أو مستنقعاً. ثم توسعوا فيه حتى أطلقوهعلى كل قرية أو مدينة قاربت الماء لابل على كل أرض فيهازرع و خصب قاربت الماء فهي ((كالريف)) عند فصحاءالعرب . وقد أضيفت إلى عدة أسماء منها كوت الافرنكي(أو الافرنجي) و كوت الزين ( zein ) وكوت الجوع وكوتالأمارة وكوت بندر. والخلاصة ان هذه اللفظة اصبحت منقبيل فلاليج السواد و أجناد الشام ( ومثله مشارفه ومزارعهوبراغيله التاج في شرف) وكور العراق ورساتيق أهلالجبال وطساسيج أهل الأهواز (التاج في خلف) أي أنهاكلمة بمعنى القرية ألا انها محصورة الاستعمال باهلالعراق ومادناه ” ، ويتضح هنا رأي الكرملي في أن اسمالكويت تصغير للكوت والذي يعني البيت الذي يكون بناؤهقريباً من شكل القلعة ، ويطلق على البناء القريب من النهرأو البحر ، وبعد ذلك أخذ يتوسع في تطور استعمالالتسمية و أخذ يعدد الأمثلة ، وأن استعمالها محصورعلى من يعيش في أسفل العراق ، ويتطرق الكرملي إلىمسألة قدم اللفظة ويقول : “هي ترتقي إلى عهد الكلدانيينوالآشوريين والبابليين ” ، ويذكر بعد ذلك رأي أستاذهالإمام الشيخ محمود شكري الآلوسي وهو العالم البغداديالمعروف في التبحر بالدين واللغة والمولود فيها عام 1856م، وقد كان إماماً وخطيباً ومؤلفاً للعديد من الكتب ، يقولالكرملي في المقال مقتبساً عن الآلوسي : “انها نبطيةالاصل وانت لاتجهل ان النبطية قد وردت عند الناطقينبالضاد بمعنى الكلدانية او الآشورية او البابلية اوالصابئية او الارمية فهي لاتخرج من ان تكون من احدىهذه اللغات الا اني لم اتوصل الى معرفة معنى الكلمة فياصل وضعها مع مابذلت من السعي وراء حل معضلهاومعقدها” يواصل الكرملي شرحه في المقال مبيناً : ” قدماتخاذ كلمة ((كوت)) في هذه الأرجاء ، فقد جاء ذكرها فيسفر الملوك (24:17) وهذا نص الآية (( واتى ملك اشوربقوم من بابل وكوت وعوا وحماة وسفروائيم )) وهذا نصالآية ال30 من الفصل عينه : (( فعمل أهل بابل سكوتبنوت واهل كوت علموا نرجال واهل حماة عملوا شيما )) والترجمة الدمنيكية ذكرت كوت بنفس هذه الصورة أيضاًوكذلك ذكرت صنمها نرجال ، واما البروتستانية البيروتيةفاوردت الكلمة بصورة ((كوث)) بتثليث التاء واما صنمهافذكرته باسم ((نرجل)) ونحن نخير هذه الرواية في كلتاالحالتين على الروايتين السابقتين وذلك لأن ((كوث)) بالتثليث أقرب إلى اسمها العربي القديم ((كوثى)) وهي((كوثى ربى)) أو ((كوثا ربا)) بالالف وهذه اقل فصاحةمن تلك . واما (( كوت)) بالمثناة فهي اقرب الى اسمهاالعبري. و((نرجل )) اسم صنمها اقرب الى الاصلالاشوري لأن نَرْ = مَرْ اي رجل بالاشورية وهو قريب منمرء العربية . وجَلْ=جَل=جليل اي عظيم في الاشوريةوالعربية ايضاً.فيكون محصل تركيبها ((الرجل العظيم)) او((البطل الصنديد)) .
ولما كانت الاشورية والارمية والصابئية تقرب من العربيةوكان اغلب اصول تلك اللغات مجهولة او منقرضة او مماتةويصعب علينا التبحر فيها فما علينا الا ان نستفتيعربيتنا في تفسير معنى ((كوث)) او ((كوثى)) فقد قالياقوت في معجم البلدان : (( كوثى بالضم ثم السكونوالثاء مثلثة والف مقصورة تكتب بالياء لا نها رابعة الاسم“يشير” الكرملي في هامش المقال تحت رقم 1 ويعلق علىكلام الحموي “قلت : ويجوز كتابتها بالالف الطويلة لانهانبطية الاصل كما ألمعنا اليه والنبط يكتبونها ويلفظونهابالالف الطويلة المشار اليها . وقد صرح بكتابتها على هذاالوجه القرماني في تاريخ الاول ص 474 اذ قال : (( كوثاقرية بسواد العراق القديمة ينسب اليها ابراهيم الخليل عموبها كان مولده )) ” “انتهى تعليق الكرملي” ، قال النضر: كوث الزرع تكويثاً اذا صار اربع ورقات وخمس ورقاتٍ وهوالكوث )). وهذا التفسير يؤيد التحديد الذي عرفنا به الكُوْتَففيه ما يتحصل منه اجتماع الماءِ والبيتُ الاب والبيوتالفرعية . اذ لابد للزرع من الماء لكي ينبت ثم لابد من الورقمن ان يحيط بالجرثومة النامية لتقيها من التقلباتالخارجية والجوية فضلاً عن ان هذه هي بمنزلة تلك البيوتالراجعة الى الاصل. واذا كان في هذا التاويل تعسفٌ اوتكلف فمعنى التجمع حول الاصل ظاهر لكل عاقل منمادة ((ك و ث )) او (( ك ث ث )) او ك ث و )) وكذلك فيمُبدلها (( ك و ف )) و ك ف ف )) و (( ك ف و )) وكانتكوثى ربى عامرة في صدر الاسلام بدليل قول ياقوت : (( وسار سعد من القادسية في سنة عشر (هجرية =631م) ففتح كوثى.)) واما اليوم فهي خراب وتعرف باسم تلابراهيم .” يتبين لنا عند التوقف لغاية هذا الجزء من مقالالكرملي مدى الجهد الذي بذله عن طريق الاستعانةبمختلف وسائل الكشف والتحليل لتقصي معنى الكويت ،إلا أنه لم توقف عند الأصل اللغوي إنما أخذ يبينالاستخدام التاريخي لهذا الاسم وكيفية تطوره ، يقولالكرملي : ” قال رولنصن في كتابه عن ممالك الشرقالقديمة (اما سائر مدن كلدية القديمة التي يمكن تعيينمواطنها بما يقرب من اليقين فهي كوثى cutha وهيالمسماة اليوم تل ابرهيم (هذا هو الصحيح لا ابرهيم كماقال المؤلف ) وهي على بعد 15 ميلاً في الشمال الشرقيمن شرق الحمار ( بفتح الحاء وتشديد الميم المفتوحة لاحمار وزان كتاب كما ذكرها المؤلف) ….اه . وقال ( في 1 : 136 ) : (( ان المدينة المرصدة بنوع خاص لنرجل كانتكوثى وهي تجبة ايضاً ( Tiggaba ) وهي التي تسميهادائما المندرجات الأثرية (( مدينته )) وكان نرجل يعبدايضا في ترباسيا او درباشيا ( Tarbisa ) بقرب نينوىالا انه كان يقال انه كان يسكن ويعيش في تجبة . ومعبدهفيها كان من اشهر المعابد . ومن ذلك (( الكوثيون او اهلكوثى)) وهم الذين انتقلوا من كوثى الى بلاد السامرة علىيد الاشوريين الذين اتخذوا طبيعياً عبادة نرجل الههمونقلوها الى بلادهم الجديدة (4 سفر الملوك 17 : 30 ) واذا اردنا ان ندقق النظر في اصل كلمة كوثى قبل ظهورهابهذه الحلة او الصبغة اللغوية لا نراها الا تصحيف كوشااو كوشى ( تبعاً للغة الارمية ) او كوش ( تبعاً للغة العبريةاو العربية ) اي بابدال الشين ثاء كما هو مشهور فياللغات السامية . وكوش هذا هو ابن حام وابو نمرودالجبار فتكون (( كوثى)) من بناء كوش نفسه او من اولمساكنه ومواطن احتلاله وعليه فاللفظة واحدة الا انه وقعفيها ما وقع في اللغات فزاد في اصولها وعددها . وفرقلغاتها وشتتها وبددها . وكأن ياقوت اراد هذا المعنى فحادعنه بقوله الذي يروي فيه كلاماً لابي المنذر : (( سمي نهركوثا بالعراق بكوثى من بني ارفشخد بن سام بن نوح عموهو الذي كراه ( حفره ) فنسب اليه وهو جد وقد نقلت (( كوش)) الى صورة ثالثة وهي (( حبش)) اي (الحبشة) ولعلك تنذهل من هذا القول لاول سماعك اياه الا انالنواميس اللغوية لا تستصعبه وتاريخ تفرق الامم تسلم بهوالكتاب المقدس يؤيده . ثم لا اظنك تجهل ان الكوشيين همنفس الحبش والحبشة . ونقل الواو الى الباء امر راهن لايختلف فيه اثنان حتى في نفس العربية وقد اشرنا اليهمراراً جمة في المشرق مع ذكر الشواهد والاسانيد . واماابدال الكاف من الحاء فهو ايضاً غير بعيد . وذلك لانالكاف كثيراً ما تُبدل من الخاء في اللغات السامية وهوامر مقرر مثبت لايحتاج الى تأييد البتة . بل ان بعضالإرميين لايميزون بين كتابة الكلم التي تلفظ بالخاء اوبالكاف وانما يعرفونها او يتعلمونها من تكرار سماعها . ثمانتقل هذا الابدال الى إبدال آخر اي الى ابدال الخاءالمعجمة من الحاء المهملة ولنا على كل ذلك امثلة لا حاجةالى ايرادها خوفاً من الاطالة في الكلام ولنا ماعدا هذهالامثلة التي نأخذها من سنن اللغة ونواميسها بينات أخرىنقتبسها من الاسفار المقدسة على مااشرنا اليه فويق هذافانه عز اسمه يسمى الحبش كوش في عدة مواطن ويذكرانهم من ذرية كوش بن كنعان بن حام والعلماء جميعهم لايقولون الا بهذا القول ايضاً ولا حاجة الى ايراد النصوصفي هذا الصدد لاشتهارها بين الصغير والكبير و مما يدلعلى ان الحبش لا يمكن ان يكونوا الا ابناء كوش الآياتالآتية: التكوين 10 : 7 و 8 ثم 2 : 13 وارميا 13 : 23 واشعيا 1 : 11 و 18 : 1 و 43 : 3 و 45 : 14 وحزقيال29 : 10 وغيرها من الآيات التي لاتحصى لكثرتها ولا شكايضا في ان بني كوش ما خلا انهم سكنوا المدينة المعروفةبكوثى وفي ماجاورها . دخل قوم منهم بلاد العرب ولنا ادلةعلى ذلك ليس هنا محل ايرادها. ومنهم من اوغل فيالضرب في الارض حتى جاء بلاد مصر والحبشة . ومنهممن صعد بالعكس شمالي كوثى فاحتل البلاد التي عرفتبعد ذلك باسم بلاد الكوثيين او الاسكوثيين او الاسكيثيينيعني la scythie و لاجرم انهم قالوا اولا Cuthaei نسبة الى Cutha ثم قالوا scythe اوscuthae وذلكلان التاء في الارمية تكون غالباً شيناً بالعبرية فقالوا اذن(( كوت )) في (( كوش )) ثم نقلها اليونان تبعاً لمزية لغتهمالى صورة ويريدون بذلك الكوثيين او بلاد ياجوج وماجوجومما يدل على احتلال بني كوش بلاد الكوثيين او بلادياجوج وماجوج انه يوجد ثم مدن وبلاد قديمة فيها رائحةكوثى او كوش منها : كيتا cyta و كيتايا cytaia وكوتاتي cotatis و كيتيمان cetemane و كيتانومcytanum و كيتينا cethena ومن ذلك الأقوام الآتيذكرهم : الكيثيون او الكُوَيْتيون les cetheens oucoetae و الكوثيون les cytheens و الكويتيون les Quitiens و غير ذلك مما يطول ايراده ” ، ويكملالكرملي ” ان نفس لفظة (( الكوفة )) ما هي الا تصحيف(( كوثة )) التي هي لغة في كوثى على ما اوردناه فيصدر هذا التفسير . وابدال الثاء المثلثة من الفاء فاشٍعندهم نذكر منها ثلاثة امثلة لمواقعها الثلاثة في صدرالكلمة وحشوها وطرفها فقد جاء عنهم : فناء الدار وثناؤهوالمغافير والمغاثير والجدث والجدف ( المزهر 1 : 222) وفي قول ابن الكلبي ما يشعر بصحة هذا الراي اذ يرويمانصه بحرفه : سميت ] الكوفة[ بجبل صغير في وسطهاكان يقال له (( كوفان)) وعليه اختطت مهرة موضعها وكانهذا الجبل مرتفعاً عليها فسميت به ( عن ياقوت 4 : 322) وانت اعلم مني بكون مهرة من اصل كوشي وان الحرفين((ان)) الموجودين في ((كوفان)) ماهما الا علامة الجمععند هذه القبيلة كما كانت عند الكوشين وان الفاء مبدلة منالثاء او الشين . فاذا افرغنا كل ذلك بقالب عربي حصللنا منها ((كوشيون)) او (( كوثيون)) اي ان اصل ساكنيالكوفة هم من بني كوش كما هو بين والتاريخ لا يحتقر هذاالراي .” ، ينتقل الكرملي في مقاله إلى بيان أحوالالكويت في وقته جغرافياً وسياسياً وطبيعياً و اجتماعياً ،ويذكر لنا لمحةً تاريخيةً عن اسم الكويت وبدء العمل فيه إذيقول : ” عرفت في القديم باسم القرين ام الكويت فاسمحديث لا يتجاوز القرنين ولم يكن لها شهرة في السابقلخمولها ولهذا لم ذكروها مؤرخو العرب ولا وصفوا بلادهاوماذكروه لا يعتد به ” ، لو تفكرنا في قوله “فاسم حديث لايتجاوز القرنين ” و أخذنا نتأمل حول تاريخ تدوين المقالفي عام 1904م ، نجد أن عدم تجاوز القرنين كأن نقول لايتجاوز عام 1704م ، وهذا من المؤشرات التي تدلل علىالقدم حتى وان كانت لدينا من الأدلة التي تثبت أن الكويتتعود إلى قرن أقدم ، إلا أنه دليل يضاف إلى مجموعةالأدلة التي تبرهن على قدم الكويت ، يواصل الكرمليمقاله في العدد الحادي عشر والصادر في الأول منحزيران لنفس العام ليتحدث عن الحرف والصناعات فيالكويت ، ويذكر في نهاية المقال أن له تتمة ، وفي الحقيقةحاولت أن أجد في أعداد لاحقة لكنني تمكنت فقط منالوصول إلى هذين الجزئين.
الشيخ والمؤرخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه تاريخ الكويتيقول : ” الكويت تصغير كوت والكوت كلمة مشهورةمتعارفة في العراق ونجد وماجاورها في البلاد العربيةوبعض بلاد العجم ، وقد شاع استعمالها على الألسنةحتى صرفوها تصريف الكلمات العربية الأصيلة فصغروهاوجمعوها فقالوا كويت وأكوات ، وبالمصغر سميت البلدةالتي على ضفاف البحر الفارسي وهي تطلق عندهم علىالبيت المربع المبني كالحصن والقلعة ” ، أما الشيخيوسف بن عيسى فيقول : ” هو تصغير كوت وهو معروفبالعراق ، وهو عندهم يحتوي على عدة دور للفلاحينويحاط بسور ” ، أما المؤرخ سيف مرزوق الشملان فيرىبأن الكويت : ” بضم الكاف وفتح الواو تصغير الكوتوالكوت كلمة يطلقها أهل العراق ومن جاورهم على البيتالمربع الشبيه بالحصن ” ، يتبين لنا من استعراضتعريفات أقدم مؤرخي الكويت أن معنى كلمة كويت غيرمختلف عليه وهو واحد بينهم أي تصغير لكلمة الكوت ،وهذه التسمية إنما هي منسوبة للكوت ( الحصن ) الذيكان مبنياً على الكويت في الزمن القديم .
يجب علينا أن نتوقف قليلاً بشيء يسير عن الحضاراتالتي قامت في العراق حتى لا يلتبس الموضوع عند القارئالكريم نظراً لاعتماد المقال على الربط مع هذه الحضارات، ميز العلماء الفترة الأولية لقيام حضارات العراق القديمباسم عصر السلالات نظراً لنشوء أولى السلالات الحاكمةالتي تم التعرف عليها عن طريق النصوص المسماريةالمدونة باللغة السومرية والتي ذكرت على شكل جداولأسماء ومدد حكم الملوك والسلالات ، و أعتقد بأن أول منأثبت على وجوده هم العبيد الذين نزحوا من الجزيرةالعربيةومن بعدهم السومريون والأكديون ، والدولة الأكدية بدأتعام 2371 ق م ، بعدهم أتى الأموريون ومن ثمالآشوريون .
نأتي الآن إلى الوقوف على ماقاله الكرملي تفصيلاً ، ذكرفي بداية مقاله أن الكوت : ” في لغة أسفل العراق ومادناه من بلاد العرب وبعض العجم : البيت المبني بهيئةالقلعة أو دونه تحصيناً يتخذ ملجأ عند الحاجة وحولهبضعة بيوت راجعة إلى البيت الأب ، ولا يطلق هذا الاسمإلا إذا كان قريباً من الماء مهما كان هذا الماء نهراً أو بحراًأو بحيرة أو مستنقعاً ” وهنا لا يختلف مع الكرملي مؤرخوالكويت الأوائل فهذا الرشيد لم يختلف معه : ” كلمةمشهورة متعارفة في العراق ونجد وماجاورها في البلادالعربية وبعض بلاد العجم ، وقد شاع استعمالها علىالألسنة حتى صرفوها تصريف الكلمات العربية الأصيلةفصغروها وجمعوها فقالوا كويت وأكوات ، وبالمصغرسميت البلدة التي على ضفاف البحر الفارسي وهي تطلقعندهم على البيت المربع المبني كالحصن والقلعة ” ، وذهبالشملان وبن عيسى إلى الرأي نفسه ، قد نختلف فيبعض التفاصيل التي أوردها الكرملي في مقاله إلا أنهفصل تفصيلاً موسعاً لا مثيل له في جزئية اسم الكويت ،ومع شديد الأسف أن أغلب الكتب التي ألفت عن الكويت – في البدايات تحديداً – لم تسلط الضوء على مقال الكرملي! بل كان كلامهم مقتضباً، و حول اقتباس الكرملي عنالآلوسي حين نقل عنه الآتي : ” انها نبطية الاصل .. النبطية قد وردت عند الناطقين بالضاد بمعنى الكلدانية اوالآشورية او البابلية او الصابئية او الارمية” ، عند البحثفي اللغة الكلدانية والتي يعود موطن أهلها إلى الأقسامالجنوبية من العراق نكتشف أنها تحولت فيما بعد إلىاللغة الآرامية ، وتتشابه حروف الكلدانية مع حروف اللغةالعربية ، وتشير أغلب الكتابات التاريخية القديمة وكتبالأسفار إلى أن الكلدانيين هاجروا من القسم الشرقيللجزيرة العربية إلى العراق ونقلوا معهم اللغة العربيةوخطها المقارب للمسند بكسر الميم ،وخير دليل على ذلكماقاله سترابون من أن الجرهاء كانت في الأصل موضعاًمن مواضع الكلدانيين ، ونجد أيضاً اللغة الآرامية أوالإرمية وهي لغة سامية شأنها من شأن الكلدانية قد تماستخدامها في التلمود وفي أسفار دانيال وعزرا، تضمهذه اللغة لغة النبط ، وحول هذه اللغات يقول د/جواد عليفي المفصل : ” لاحظ المعنيون بلغات الشرق الأدنى وجودأوجه شبه ظاهرة بين البابلية والكنعانية والعبرانيةوالفينيقية والأرمية والعربية واللهجات العربية الجنوبيةوالحبشية والنبطية وأمثالها ، فهي تشترك أو تتقارب فيأمور أصلية وأساسية من جوهر اللغة ، وذلك في مثلجذور الأفعال ، وأصول التصريف ،تصريف الأفعال ،وفيزمني الفعل الرئيسيين ، وهما : التام والناقص، أو الماضيوالمستقبل ،وفي أصول المفردات والضمائر والأسماء الدالةعلى القرابة الدموية والأعداد وبعض أسماء أعضاء الجسمالرئيسية، وفي تغير الحركات في وسط الكلمات الذييحدث تغييراً في المعنى ،وفي التعابير التي تدل علىمنظمات الدولة والمجتمع والدين، وفي أمور متشابهة أخرى، فقالوا بوجوب وجود وحدة مشتركة كانت تجمع شمل هذهالشعوب ، وأطلقوا على ذلك الأصل ، أو الوحدة الرسالسامي أو الجنس السامي أوالأصل السامي أو السامية” ، وبالتالي فإن الكلام المذكور يعزز من رأي الآلوسي ،بل أن تكملة الكرملي فيما بعد لا تبتعد عن المعنى ، وجودشبه في البابلية والكنعانية والعبرانية والفينيقية والأرميةوالعربية واللهجات العربية الجنوبية والحبشية والنبطية،والكلام حول السامية وحول سكنى العراق وضرب الأمثلةعلى المواضع والأماكن الموجودة يدفعنا ناحية تتبع التاريخبشكل دقيق حتى نقف على حقائق تساعدنا على التبصرفي كلامه والربط بينه وبين اسم الكويت ، نعرف بأن منصعد مع سيدنا نوح – عليه السلام – في السفينة ساموحام ويافث ، وأن السفينة استقرت في موضع بابل علىأرض العراق ، وبعد أن مرت السنوات وحدثت قصةالانتشار بعد أن عمت الظلمة وفق مرويات وردت في كتبتعتبر من عيون لا التاريخ الإسلامي فقط إنما العالمي ،وهي كتب الطبري وابن الأثير وابن خلدون وأبي الفداوبينوا لنا تبلل الألسن وتفرقهم في الأرض ، و أكد الغالبالأعم من الباحثين أن الجزيرة العربية هي الموطن الأولالذي هاجر إليه الساميون بعد أرض بابل ، وأن نسل سامبن نوح والذي تنتسب إليه التسمية السامية ، كان منأبنائه : أرفخشذ و أشوذ و لاوذ و عويلم و إرم ، وهذهالأسماء أختلفت المصادر حولها لكن اختلافهم كان حولالضبط والترتيب ، ولعل من يعنينا كعرب من أبناء سام هولاوذ ،الذين قال عنهم ابن خلدون : ” تسكن الطائف وهلكوافيمن هلك من الشعوب البائدة ، وكانوا أول من كتب بالخطالعربي ” ، ومن أبناء لاوذ بن سام ” طَسْم” والتي جاءعنها في الطبقات “لحقت و جديس باليمامة فهلكوا” ، قالابن خلدون : ” من بطون طسم بنو مطر كانت مساكنهممع قومهم بيثرب إلى أن أخرجهم منها بنو اسرائيل ” ،وجاء في الطبقات أن عمليق من أبناء لاوذ ، وكذلك جاسموفق ماقاله ابن خلدون والذين بين أنهم أهل البحرينوعمان ، و يعنينا أيضاً بسبب الموضوع أشوذ والذييختلف في ضبط اسمه بأنه آشور وهو الذي اعتبر وفقالمكتشفات والكتابات القديمة الاسم الذي أتخذت منهالحضارة الآشورية كعصر وتاريخ وحضارة بعد العصرالسومري والذي ظهر تقريباً في الفترة (3000 ق.م)،يعتبر المؤرخون أن السومريين جاءوا إلى العراق منالبحرين ووفق ما عول عليه بالنصوص السومرية أنالبحرين عرفت باسم دلمون “تلمون” ، ويؤكد لنا مؤرخونأن فترة ازدهار وبروز الاسم الآشوري كان تقريباً بين(1600-600 ق.م ) وفق تقدير الكرملي في كتابه خلاصةتاريخ العراق ، أما د/ نزار عبداللطيف ومحمود شاكرفإنهم يقدرون الفترة (1521-911 ق . م ) ، ونأتي إلىماتناوله الكرملي حول الكوتيين وهو اسم ظهر في فترةالإمبراطورية الأكدية ، والأقوام الكوتية كانت تسكن فيالمناطق الجبلية المتاخمة لحدود العراق الشرقية، ولا يوجدما يدل أو يثبت ماهية لغة هذه الأقوام ، يذكر د/ نزارعبداللطيف أنهم “قبائل تسكن شرقي بحيرة وان حتىمرتفعات زاجروس في منطقة همدان” ، و أشير إليهم فيالنصوص المسمارية والأكدية بأنهم من “الأقوام البربريةالتي لا تعرف الحضارة “، ويدل هذا النص على أن فترةحكم الكوتيين للعراق كانت مظلمة ، وتشير المصادر أنحاكم الوركاء اوتوحيكال شن حرباً لأجل التحرير ضدالكوتيين ، الأمر الذي أدى إلى طردهم من العراق ، ويطلقعليهم د/ نزار اسم عقارب الجبل ، وأن احتلالهم دام قرابةمائة عام (2211-2120 ق.م) و أن قائدهم الذي هزميدعى تريكان .
ولعل كوش الذي ذكره لنا الكرملي هو من ذرية حام بننوح عليه السلام ، ويذكر الطبري أن من ذريته الحبشةوالهند والسند ومنه أيضاً نمرود ، ومن ذرية النمرود نبوخذنصر الذي أسقط الدولة الآشورية ليقيم الكلدانية والتيسقطت على يد الدولة الفارسية الإخمينية .
يقول عبدالرحمن خضر في مجلة اللسان :”الكوشيوناختلف المؤرخون في ضبط الكلمةالتي تدل على أقواماستوطنواالعراق على انقراض الدولة البابليةالأولى يعنيدولة حمورابي فقيل الكوشيون والكوسيون(بالسين المهملة) و(الكاشو) و(الكشيون) ويعرفونهم الأتراك في تورايخهم(قصيلر)أي بني قصي أنا نسبهم فقد قال المسعودي فيمروج الذهب في باب ذكر ديانات العرب وآرائهافيالجاهلية وتفرقها في البلاد…على اثر ذكر حادثة التبلبلوتفرق البشر ومهاجرتهم: (وان أولاد حام بن نوح حلواببلاد الجنوب. وان اولاد كوش بن كنعان خاصة هم النوبة…وان فحذا من اولاد كنعانابن حام ساروا نحو بلادافريقية وطنجة من ارض المغرب فنزلوها وزعم هذا القائلان البربر من ولد كنعان بن حام ) اهـ . وقال ايضا : ( وقد حدث في زمان النمرود بن كوش بن حام بن نوحهيجان الريح التي نسفت صرح النمروذ ببابل من ارضالعراق).اهـ وذكر ابن الشحنة في كتابه روضة المناظر فياخبار الاوائل والاواخر قائلا : ( ثم كانت قصة ابراهيمعليه السلام على ماجاء به التنزيل ولد بالاهواز وقيل ببابل(وهي العراق) وكان النمروذ عاملا على السواد بالعراقوقيل كان ملكا مستقلا. ”
وكذلك في حال التقريب بين مقال الكرملي وبين المكتشفاتالأثرية في الكويت نجد الالتقاء بوجود آثار لحضارة العبيدوالتي تعتبر جزءاً من حضارة سومر ، ومن المكتشفاتالأثرية تلك المتعلقة بحضارة ديلمون والحضارة الكاشيةوالتي أكد لنا العلماء بأنها مرتبطة أيضاً بحضارة بابلالأولى ، قال محمود شاكر : ” الكاشيون الأقوام الجبليةالتي كانت تقطن في منطقة جبال زاجروس شرقي بلادبابل . ولا يعرف شيء مؤكد عن أصل الكاشيين وموطنهمالأول ولعلهم كانوا من جملة الأقوام الهندية ـ الأوروبيةالتي انحدرت من منطقة السهول الواقعة بين بحر قزوينوبحر آرال واتجهت نحو الشرق وضغطت على مراكزالحضارة فيه كالأقوام الحثية والحورية . ومن دراسةالنصوص المسمارية من فترة العهد البابلي القديم يستدلأن مجموعة من الكاشيين كانت قد تغلغلت في بلاد بابل ،فاتجهت نحو الشمال الغربي و أقامت لها كياناً سياسياًفي منطقة عانة (خانا قديماً) مستقلاً عن النفوذ البابلي .”
وبالعودة إلى مقال عبدالرحمن خضر فنجده يذكر نقطةهامة : ” خلاصة أقوال العرب أنه كان لحام أربع أولادالأول كوش وكان له ست بنين ومحله غربي بلاد العرب وقدسكن عند الشطوط الشمالية من خليج العجم وامتدشمالاالى مابين النهرين.ويظن مؤرخوا العرب ان اكثراهالي افريقيا من نسله لانهم كانوا ينسبون اليه وانالنمروذ من بنيه قد سكن على الفرات وهو الذي أسسمدينة بابل” وأعتقد أن ماقصده خضر في ذكر خليجالعجم هو استناداً إلى الرأي العثماني في الخريطةالعثمانية التي رسمت ودونت باللغة العربية وطبعت في عام1893م والخاصة بولايات المملكة العثمانية في آسيا حيثسمت الخليج العربي بخليج العجم ، على الرغم من أناليونايين سموا البحر الأحمر بهذه التسمية إلا أن المفهوممن شرح خضر بأن استقرار النمرود كان على الفرات .
إن المسميات تؤدي إلى السلالة المقصودة بعينها فإن قلناالكاشيون الكاسيون الكوشيون الكوتيون النتيجة سوفتكون واحدة ، وقد أجمع الغالب الأعم من المؤرخين علىالجهل بالأصول التي تنحدر منها هذه السلاله إلا أننيعلى قناعة بأن الاشتقاق قد أتى من اسم كوش من ذريةحام بن نوح .
إن الموطن الأساسي لاستيطان هذه السلالة وغيرها منالسلالات البشرية كان من أرض العراق ، بل إجماعالمؤرخين على أن مكان استيطانهم أو قدومهم إلى الدولةالبابلية .
كان قريباً منها وليس ببعيد فقد أتوا من المنطقة الجبليةالمعروفة بسلسلة جبال زاجروس والمتاخمة للجانب الشرقيمن بلاد بابل أي حدود أرض العراق من الجهة الشرقية ،ويعزو السبب إلى صعوبة تقدير أصولهم هو الفراغ الذيواجهه الآثاريون حيث لم يتمكنوا من إيجاد آثار تدلل علىلغة هذه الأقوام ، الأمر الذي جعلهم يعتمدون علىالنصوص التي خلفها لنا السومريون والأكديون من لغتهمالمسمارية والتي لخصت لنا حال دولهم بعد أن حلتالسطوة والنفوذ المنبثقان من صعود الكوتيين إلى سدةالحكم ، و أوضحوا بأنها فترة يملؤها الظلام وبأنهم أيالكوتيين ” أقوام بربرية لا تعرف الحضارة ” وأرشدتناالكتابات المسمارية السومرية إلى جداول الملوك ، وبأنهمأحد وعشرون ملكاً توالوا على الحكم ، وكان أشهرهم الملككوريكالزو والذي أتفق على أن فترة حكمهم كانت طويلةجداً واجتاز طولها الأربعة قرون وأعطيت لقب (العصرالكاشي ) أي منذ سقوط بابل عام 1595 ق . م وحتىعام 1168 ق .م ، يذكر لنا المؤرخون من أن قائداً يدعى(اوتوحيكال) قد ظهر لكي يعلن الحرب على الكوتيين وكانله النصر وطرد هذه الأقوام .
من سمات السلالة الكاشية التي وصفت بالعنف والظلاميةبأنها أيضاً عرفت المدنية حيث أشيع أنهم استخدموا مايعرف باسم أحجار الحدود وهي مسلات صغيرة وقصيرةغير طويلة لايزيد طولها عن المتر ، ويدون عليها أوصافالأرض وبيان حدودها مع ذكر اسم مالكها و شهوده ،ويكتب عليها أيضا تحذير بعدم التعدي ، وأن لعنة الملكتطول من يخالف التحذير ، وفي تدوين التاريخ عرف عنهمالتدوين بأسماء الملوك لا الأحداث التاريخية مثلما كانشائعاً في فترات سابقة قبل حكمهم في تأريخ السنين ،وعرف عنهم استخدام الخيول بشكل موسع بالإضافة إلىجعلها تنقل الأمتعة وتجر العربات الحربية .
خلص الباحثون إلى أن الكوتيين قد تكلموا بلغة السكانالمحليين وكتبوا بخطهم وقدسوا معتقداتهم وساروا علىنفس النظم والقوانين التي كان معمولاً بها في الفترةالسابقة لحكمهم.
عند الربط بين المعلومات التي انتقلت لنا عبركتب المؤرخينوبين تحليل العلماء الآثاريين لمستكشفاتهم ، فإننا نود أننوضح أنه في ( كتاب هويتنا آثار وتراث ) الصادر عنالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب إدارة الآثاروالمتاحف متحف الكويت الوطني ، والذي بين لنا أنالعصر البرونزي ( 2400 ق .م – 1200 ق.م ) ينقسمبأرض الكويت إلى مرحلتين حضارتين عبر عنها بالفترةالكاشية ( 1500 ق.م – 1200ق.م) وذكر فيه الآتي: ” في هذه المرحلة تغيرت صورة الحضارة في جزيرة فيلكاونشطت أعمال البناء بعد فترة ركود وشيدت بيوت سكنيةفوق البيوت القديمة وفق طرز معمارية تختلف عن الطرزالسابقة واستبدلت الأختام الدلمونية المستديرة بأختاماسطوانية صنع معظمها من الفخار البسيط وقد تركالكاشيون خلفهم في جزيرة فيلكا أختاماً وأوان فخاريةوغير ذلك” .
إن الأدلة المتمثلة بالمكتشفات الأثرية لحضارات العبيدوديلمون والكاشية من شأنها أن تعزز بل وتؤكد على وجودهذه الحضارات في الكويت ، وهو أمر مثبت في مختلفكتب التاريخ التي تحدثت عن تمدد نفوذها لتشمل أجزاءًمن أرض الكويت الأمر الذي يدفعنا إلى طرح فكرة احتمالاطلاق اسم الكويت أو الكوتي على الكويت في تلك الفترة، بل أن ماذكره النبهاني في القسم الخاص عن الكويتحول تسمية منطقة الصبية حين ربط الصابئة مع فترةالدول البابلية ، وقال بأن : “غالب سكانها من (الصابئة ) وأنها هي إحدى مدنهم التي بنيت بعد خروجهم من فارس…(حيث قالوا أن اسكندر الأكبر بن فليبس) ملك اليونان. المولود عام (985 ق هـ =263ق م ) لما سار نحو الشرقبراً أرسل من جهة البحر قوة مع ربانه (نيارخوس ) إلى(الهند) وربما قيل له (نيارك) فبعد إخضاعه (الهند) ووصوله إلى (مصب نهر السند) عكف راجعاً نحو خليجالبصرة (خليج فارس. بحر أريتريا) عام (948 ق هـ=336ق م) على مايقال. فسار نحو الشمال لاستكشافسواحل الخليج جميعه . والوقوف على حالة سكانهسياسياً. واقتصاديا حتى وصل إلى (بلدة الصبية) فرأىفيها أقواما تدافع العرب عن مصب (شط العرب) لئلايعوثوا في مياه النهر. ويقال إن فراعنة (مصر) لما ضربواأسلاف (الصابئة) وأخرجوهم من مصر . ساروا إلى(فارس) من طريق (أورشليم) أي القدس. في عهد (النبييحيى بن زكريا ) عليهما السلام الذي يسمونه (يوحناالمعمدان) وقال أبو الفدا. ولد يحيى بن زكريا قبل عيسىالمسيح بستة أشهر. ثم ولدت مريم عيسى بعده في عام(621ق هـ =1=م) ونادى عيسى عليه السلام أمه منتحتها (باللغة الآرامية) قائلاً لها مامعناه ( ألا تحزني قدجعل ربك تحتك سرياً) وسريا (إسم نهر) (وهزي إليكبجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً) و إن الذين تكلموافي المهد صغار السن ستة وقيل عشرة …ثم بعد مدةأحرق (الفرس) الصابئة وأجلوهم من بلدان فارس. فعبروانحو أرض (الكويت) حيث نزلوا في الموضع الذي قيل لهبعدُ (الصبية) … ومكثوا في الصبية مدة وهم في قتال مع(العرب) ليكافحوهم عن التسيطر على ماء (شط العرب) . فلما كلت عزائم الصابئة اضطروا إلى مغادرة الصبيةمتجهين نحو الشمال حتى نزلوا أرض (بابل) ثم لما خربت(بابل) ذهبوا إلي (منْدلى) ومن هناك انبثوا تدريجياً فيأنحاء (العراق) حيث استوطنوا بلدة (واسط والعمارة وقلعةصالح وسوق الشيوخ) وتلك النواحي. ويقال أن (بابلا) خربت مرتين فالدولة البابلية الأولى السامية العربية مدتهامن عام (3082ق هـ =2460 ق م ) إلى (2640ق هـ = 2018 ق م ) وأما الدولة البابلية الثانية العراقية الساميةفمن (1233 ق هـ = 611 ق م ) إلى (1160ق هـ = 538ق م). ويقال أن قسما من الصابئة الآتية أسلافهم من(مصر) لا يزال نسلهم مستوطناً في أرض (فارس) قربناصرية العجم وششتر و دسبول ويقال أيضاً أن ( بلدةالصبية) استمرت آهلة بالسكان والحضارة إلى زمن(الخلفاء الأمويين) حيث أخذت بالتقهقر تدريجياً فهجرهاأهلها ويقال أن قسما من سكانها القدماء ذهبوا إلى(خوزستان) ولا يزال عقبهم إلى اليوم.”
يقول المؤرخ راشد الفرحان بعد أن أشار إلى كلامالنبهاني حول الصبية : ” جاء في المنجد أن الصابئة قومكانوا يعبدون النجوم وقيل قوم يزعمون أنهم على دين نوحوالعرب كانت تقول لمن خرج من دين إلى دين صبأ، قالالله تعالى في القرآن الكريم : }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَهَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِوَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْيَحْزَنُونَ {. وجاء في مقدمة كتاب الوزراء لمحققه عبدالستارأحمد فراج : (( إن الصابئة قوم مدار مذهبهم علىالتعصب للروحانيين واتخاذهم وسائط وقيل إنهم عدلوا عندين النصارى واليهودية وعبدوا الملائكة )) ” ، وللكلامالسابق دلالة على أن سكاناً معاصرين لتلك الحضارات قداستوطنوا منطقة الصبية بالكويت ، وما المانع من أن تكونلفظة الكوتيين قد أطلقت عليهم وأصبح اسم أرض الكوتيوبعد ذلك صحفت لتصبح الكويت.
كنا قد ذكرنا أن كتب المؤرخين الكويتيين الأوائل قد خلتمن ذكر مقال الكرملي ، إلا أن المؤرخ الشملان يرد علىمن يتبع رأيه حول تسمية الكويت : ” يرى بعض الباحثينأن كلمة الكويت من بقايا لغة الكلدانيين والبابليين فيالعراق . وهذا ليس بصحيح حيث لم ينقل الناقلون عنالكلدانيين والبابليين آثاراً لغوية ” ، وأعتقد بأن رأي المؤرخالشملان قيل في وقت لم تكن المصادر في تلك الفترةمتاحة مثل حالنا اليوم ، خصوصاً تلك المتعلقة بتحليلالآثار وعلوم السلالات ، لأن المصادر التي ذكرناها تبينوتثبت وجود هذه الآثار اللغوية الثابتة عن تلك الحضارات ،نجد صاحب كتاب تاريخ الكويت السياسي حسين خلفخزعل بعد مرور أكثر من ستين عاماً على مقال الكرملييذكر رأيه دون الإشارة له حول أصل كلمة الكويت ومعناها: ” ان كلمة الكويت هي مصغرة من كلمة كوت وكوت هيكلمة بابلية توارثها العراقيون عن البابليين والكلدانيين والآشوريين . وكان من احدى مدن البابليين مدينة بالقربمن بابل (قرب الحلة في العراق) تدعى (كُوت) وقد ورداسم هذه المدينة في كتاب العهد القديم سفر الملوك الثانيفصل 17 آية 24 حيث تقول ( واتى ملك آشور من بابل وكُوتَ وعوا وحماه وسفراييم الخ). وكلمة كوت تطلق علىالبيت المربع المبني كالحصن او القلعة مما يبنى لحاجةويبنى حوله بيوت صغار حقيرة بالنسبة إليه ويكون ذلكالبيت مقصداً للسفن والبواخر ترسو عنده …. ولا تطلقكلمة كوت الا على ما بنى قريباً من الماء سواء كان من ماءالبحر او النهر او البحيرة او المستنقع…وصرفوها تصريفالكلمات العربية من حيث التثنية والجمع والنسية والتصغيرفيقال (كوتان للتثنية واكوات للجمع وكوتي للنسبة وكويتللتصغير )…..ومن اهم تلك القرى قرية كوت الزين وكوتالجوع وكوت السيد وكوت القوام وكوت سوادي” ، وعلق د/يعقوب يوسف الغنيم على رأي خزعل وقال : ” ذكر الكوتووصفه وصفاً مطابقاً لما جاء في كتاب ((تاريخ الكويت)) لعبدالعزيز الرشيد دون الإشارة إلى المصدر ، ولكنهأضاف إضافة عجيبة حين قال : إن كلمة كويت هيتصغير لكلمة كوت ، وأن هذه الكلمة بابلية ورد ذكرها فيكتاب العهد القديم على هذا الأساس ، ففيه : ((وأتى ملكآشور من بابل و كُوتَ وعوا وحماه وسفراييم)). وقد نقلنابذلك نقلة كبيرة ، ولكنها مبنية على وهم ، فالنص الذيأشار إليه يقول : ((وأتى ملك آشور من بابل و كُوث وعواوحماه وسفراويم وأسكنهم في مدن السامرة )) فالكلمةالتي اعتمد عليها بالثاء المثلثة لا بالتاء كما زعم ، وهيمذكورة – أيضاً– في قاموس الكتاب المقدس كذلك .” ،وفي الحقيقة يعتبر خزعل معتمداً على الكرملي ولم يأتبجديد وملاحظة الغنيم صحيحة .
ونأتي إلى جزئية وردت في المقال بأن كوث تصحيف لكوشفإننا نسلط الضوء على ما كتبه الكرملي فأجده مؤيداً عندصاعد الأندلسي في كتابه طبقات الأمم حين قال : “الأمةالثانية : الكلدانيون ، وهم السريان والبابليون ، وكانواشعوباً منهم الكوفابيون والأثوريون أهل سواد العراق ” وهنا ذكر د/حسين مؤنس ملاحظته حول الكوفابيون :” فيالأصل الكوفابيون وأرجو ألا أكون قد أخطأت في التعديل، وفي مخطوطة أخرى : الكوثيون وبالفرنسية les kutheen ولم أعرف ماهو على وجه الدقة …صحتهالأشوريون والأرمانيون.” ونستنتج أن ما قصده الأندلسيهم الكوفيون ونفسهم الكوثيون والأثوريون هم الآشوريون،و كوش من ذرية سام بن نوح فعلاً ، ودليل الكرملي بنيعلى ماذكره الحموي الذي روى كلام أبي المنذر في تسميةنهر كوثا بالعراق بكوثى من بني أرفخشد بن سام بن نوح، والحديث يأخذنا إلى بداية موضوعنا حول استخدامالتصحيف وإمكانية حدوثه في الحالة الماثلة أمامنا ، وكيفيمكن لأحدنا استهجان تصور أو حتى التفكير بإمكانيةوقعنا أمام التصحيف ، يقول حمد الجاسر :” بلية البلايافي تراثنا القديم، التصحيف ، وخاصة في أسماءالمواضع، حيث لاتوجد قرينة في الكلام توضح الوجهالصحيح” ، بل يقول أ.د/هادي نهر: ” التصحيف خطأناتج عن تغيير في نقط الحروف ،أوحركاتها مع بقاء صورةالخط ، بمعنى أنه خاص بالالتباس في نقط الحروفالمتشابهة في الشكل كـ : ( ب ت ث / ج ح خ / د ذ/رز/سش /ص ض /ط ظ /ع غ )” ، وعند العودة إلى كلاممؤنس فقد بدلت الكاف وحلت مكانها الثاء في كوفابيونوكوثيون والثاء بالشين في الأثوريون والأشوريون ،وبالتالي فإن فكرة التعرض إلى التصحيف والتحريفواردة حتى استعملها الناس بماتعرضت إلى من تصحيفوتحريف.
عند مدارسة كتب التاريخ الإسلامي فإننا نجد استخداماسم كوش قديماً ، وأن أول من حمله في التاريخ هو كوشبن حام بن نوح – عليه السلام – والذي يقال أنه أكبر أبناءحام وأن أب النوبيين و أخ مصرائيم أبو المصريين وأخكنعان ، ويقال في سفر التكوين وسجلات الكتاب المقدسأن زوجة موسى – عليه السلام– كانت من كوش ، وعندتقليب كتب التاريخ القديم نجد مملكة باسم مملكة كوشقامت في الفترة المقدرة من العام ألفين وأربعمائة وألفوخمسمائة قبل الميلاد ، وأنها هي مملكة النوبة وكانتممتدة من البحر المتوسط وحتى أعماق أفريقيا ، واليومنجد من الجزر الموجودة في الخليج العربي جزيرة كيشوهي جزيرة تابعة للنفوذ الإيراني ، وتقع في وسط الخليجالعربي بين فارس وعمان والإمارات ، ويقال أنها أسستبعد الطوفان ، وأنها أول مدينة تسمى عندنا نحن العربجزيرة قيس لكنها واقعة ضمن النفوذ الإيراني وتتبعمحافظة هرمز ، وقد زارها رحالة كثر مثل ابن بطوطةوماركو بولو.
في القرن الأول الميلادي ظهرت إمبراطورية تدعة كوشانتقع عبر الأجزاء الشمالية من شبه القارة الهندية وضمنهاأراضي كاشغر وكوتان وباركات في منطقة حوض تاريمالمعروف بشينجيانغ الصين.
إذاً كلا الإسمان كوش وكيش استخدما في فترة ما قبلالميلاد والقرن الأول من الميلاد ، وأن الأقوام التي أسقطتسومر كان استعمال اسمهم شائعاً عند الحضارةالسومرية وما لحقها من حضارات.
هنالك آراء أخرى مغايرة ترجع الأصل في اسم الكويتإلى أنه برتغالي وهنالك من يعتقد بأنه هندي نظراً لحملبعض المدن الهندية مسميات قريبة مثل مدينة كلاكوتاوكلاكوت.
ما نريد تبيانه هنا أن الكويت الاسم له أساس لغوي مرتبطبعلم التاريخ وبعلم الآثار الأمر الذي يدفعنا ناحية التأملفي إمكانية طرح مثل هذه الفرضية واسقاطها على الواقع، فقد تطورت وأسرف في استخدامها لمواضع في أرضالعراق ، والفهم السائد بأنها تطلق على الحصن الصغيرأو المستودع ، ولكن توقيت استعمال اسم الكويت على هذهالأرض ، وبأنه يعود إلى رواية سائدة هي نسبة إلى كوتبن عريعر هو الذي يشجعنا بل ويحفزنا على البحث فيسبب استعمال الاسم ، وهل له أساس تاريخي قديم أم لا؟
يقول حمد السعيدان : ” الكويت كانت في الاصل تسمىالقرين, وكان الكوت واقعا في تلك الأرض وربما اطلق علىالشيخ صباح الاول لقب شيخ القرين عندما تولى الحكمعام 1752 . واستمر لقب شيخ القرين ملازما لحكامالكويت منذ ذلك التاريخ , وكان آخر من لُقب بشيخ القرينهو عبد الله الثاني (1866 -1892) حسبما جاء فيالمراسلات البريطانية. ولم نقف على تاريخ دقيق لتحولالاسم من القرين الى الكويت ومن المشيخة الى الإمارة” ، وعند التمعن في اسم القرين فقد سبق وأن أوضحنا أنالقرين لم يبدء استعماله في فترة بني خالد بل يعود إلىالعصر الجاهلي حين ذكرنا موضع خشباء القرين ، ولمينقطع الاسم نظراً لذكر الحاج مرتضى علوان له فيمخطوطته عام 1709م والتي ذكر بها اسم القرينوالجهراء والكويت ، ونجد استعمال اسم القرين في نسخةموطأ الإمام مالك لابن مسيعيد والذي يرجع إلى العام1682م ، وبالتالي أرى بأن كلام السعيدان في عمليةانتقال استعمال الاسم كانت في وقت الشيخ عبداللهالثاني اعتماداً على المراسلات البريطانية لا تنفي وجودهإذ كانت مدينة الكويت مأهولة وعامرة وفقاً لمخطوطة علوان، ولكن إطلاق جملة الأراضي تحت اسم الكويت يعدصحيحاً ، بل هو شهرة لبناء بن عريعر وهو الأمر الذييستوي مع المنطق ، ومسألة التحول لاتؤثر ولا تنفي وجوداسم الكويت خصوصاً وأن الروايات الشعبية في مجملهاتؤيد أن الاسم كان بسبب بناء كوت بن عريعر على أرضالكويت مع تحفظي على أن هذه الأسرة بني عريعر قدمارسوا نفوذهم على أرض الكويت على الرغم من وجودمستودعهم لعدد من الأدلة كنت قد شرحتها في كتابيتاريخ الكويت الكبير ، ولعل أبرزها أن الشيخ مباركالصباح الملقب بمبارك الكبير قد وضح في رسالته الشهيرةأن أسرة آل الصباح نزلوا إلى الكويت في عام 1613م ،وأن عريعر لم يكن كشخص موجوداً في تلك الفترة لأنحكمه كان في عام 1752م ، فكيف تكون أسرة آلالصباح نازلة على أرض الكويت وتقوم بتأسيسها والكوتيحمل اسمه في عام 1613م بل أن دولة بني حميد والتيينتسب إليها عريعر بدأ حكمها في نهاية القرن السابععشر في عام 1669م ، وبالتالي فإن تضارباً واضحاً بينالمسلمات التاريخية التي وقتت لنا فترة قيام دولة بنيحميد وبين نزول آل الصباح إلى أرض الكويت.
نستشف أن اسم الكويت له أساس قديم تمثل باسم أقوامقديمين تركوا لنا آثارهم على أرض الكويت وأن الاسمتعرض إلى التصحيف ولكن التسليم بمثل هذا الرأي لايجد له مؤيداً بين مؤرخي الكويت الأوائل و إن كنا عددناأدلة واضحة على استيطانهم و حملهم لهذا والله تعالىأعلى وأعلم.
بقلم : خالد طعمة
مؤرخ كويتي
@khaledtomah1