مدينة الكويت في القرن السابع عشر الميلادي حقيقة راسخة بقلم : خالد طعمة
يعتبر الحاضر نتيجة الماضي ، و لكي نعيش الحاضر لابد من فهم الماضي وإدراك مختلف جوانبه ونواحيه ، و الإحاطة به إحاطةً وافية ، و الإنسان الكويتي عبر القرون السابقة للقرن العشرين لم تكن لديه السعة الزمانية و لا القدرة المادية على التوثيق الكتابي بشكل كبير، لكون يومه يمر وهو يسعى نحو الكد و التعب لأجل تحصيل قوت يومه ، وكانت الرغبة في طلب العلم والتعلم محصورة بأعداد يسيرة من الكويتيين ، لذلك انعكس ذلك على الاهتمام بتدوين التاريخ الذي عاشوه على أرضهم ، وهذا لا يعني أن التاريخ كان مهملاً إنما كان موجوداً بينهم ولكن بالمقدار الذي كان متناسباً مع نمط حياتهم في تلك الفترة ، نجده حاضراً تارة في الروايات الشفاهية وتارة في معرفة تعاطيهم مع حاجاتهم المهمة كتفاصيل رحلاتهم البحرية والتعامل مع الظروف المناخية ، من بين هذه المصاعب التي لم تكن منحصرة بالظروف داخل الكويت بل كانت عاصفة خارجها من غارات قبلية لا يمكن حصرها.
تأسيس مدينة الكويت في القرن السابع عشر الميلادي
انتهى الوجود البرتغالي في القرن السابع عشر الميلادي ، فقد خسر البرتغاليون نفوذهم في كل من البحرين و هرمز وبندر عباس والشحر ومسقط والبصرة منذ العام 1602م وحتى 1650م ، وأخذت منطقة الخليج تشهد تنازعاً بين قوتين الهولندية و الإنجليزية ، وانتهت الغلبة للإنجليزية ، فالقوة الهولندية برزت في الصراع مع البرتغال حين تحالفت مع الفرس و الإنجليز ، و بعد ذلك تمكن الهولنديون من هزيمة الإنجليز في نهاية القرن السابع عشر ، لكن في القرن الثامن عشر أخذت القوة الهولندية تتقهقر عبر سلسلة من التنازلات أبرزها الانتقال من مقر وكالة الشركة الهولندية (بوشهر- البصرة) من الموانئ الخاضعة للفرس والعثمانيين إلى جزر محصنة مثل خرج التي اضطروا إلى إخلائها عام1765م.
أرض الكويت لم ينقطع عنها الاستيطان البشري عبر العصور المختلفة والشواهد على ذلك كثيرة ذكر الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة بأن العتوب عند قدومهم إلى الكويت وجدوا عليها عرباً حين قال : ” كان فيها على ما بلغنا بعض العرب الذين يتعاطون الاسباب في البحر وليس فيهم أو عليهم رئيس يعرف.” ، ويقول المؤرخ عبدالعزيز الرشيد : “كانت الكويت قبل نزول آل الصباح فيها أرضاً قفراء لايسكنها إلا لفيف من العشائر التابعة لابن عريعر” ، ويقول الشيخ يوسف بن عيسى القناعي : ” سكن الكويت قبل آل الصباح وجماعتهم لفيف من البدو وصيادي السمك ثم آل الصباح و آل خليفة والزايد والجلاهمة والمعاودة.” .
يكشف لنا المؤرخ سيف مرزوق الشملان هوية ساكني المدينة قبل قدوم العتوب إليها ناقلاً ما رواه سالم بن علي أبو قماز ويقول : ” كان يسكن حول الكوت لفيف من البدو وصائدي الأسماك و غيرهم ، وكانت بعض قرى الكويت و أماكنها عامرة ببني خالد و أتباعهم كقليعة الحرار وقليعة العبيد . سمعت من بعضهم أن هناك أسرتين كويتيتين كانتا تسكنان الكويت قبل تأسيسها. والأسرتان هما أسرة آل أبو رسلي وليسوا كلهم بل بعضهم لأن قسما منهم جاء الكويت بعد تأسيسها من البحرين . والأسرة الثانية هي أسرة المصيبيح . وسمعت أن هذه الأسرة اضمحلت . وكان البورسلي و المصيبيح من أتباع بني خالد.” ، إذاً كان أهل الكويت في تلك الفترة من قبيلة بني خالد وفقاً للرواية السابقة ، و لا يعني ذلك عدم وجود أعراق أخرى في مواضع أخرى مختلفة ولكن حديثنا مسلط حول من عاش داخل المدينة والتي أصبحت اليوم اسماً وعاصمةً لدولة الكويت ، ووفقاً للرواية فإن القلعتين الواقعتين على شاطئ الجليعة قد تم بناؤهما في القرن السادس عشر الميلادي وفقاً لما ذكره لنا المؤرخ محمد النبهاني حين بين أن القلعتين من قلاع البرتغاليين ، وهو ما تم تأكيده وفق التنقيبات الأثرية والمصادر التاريخية من أن البرتغاليين شيدوا قلاعهم على شواطئ الكويت ومنها آثار القلعة في جزيرة أم النمل ، ومن غير المستبعد أن يكون الكوت الواقع في المدينة بني أيضاً من قبل البرتغاليين بعد مقتل قائد الجبور.
نريد أن نستعرض أبرز ما نقل إلينا عن حالها في القرن السابع عشر الميلادي من خلال استعراض مجموعة من الروايات الشفاهية المدونة في المراجع القديمة.
الرواية الأولى : انحدار العتوب إلى الكويت سنة 1602م
الشيخ محمد النبهاني يقول في تحفته : ” كان انحدار بني عتبة نحو السواحل في أول القرن 11ه 17م حيث نزل آل خليفة أرض الكويت عام 1010ه 1602م على الأرجح ثم بعد مدة من الزمن ارتحل آل صباح من نجد ونزلوا قطراً ثم ظعنوا منه ونزلوا القرين وهو في جنوب الكويت ثم ارتحلوا من هناك وخيموا في الصبية فلعله عام 1125ه 1714م ثم عادوا فاستوطنوا أرض الكويت عام 1136ه 1724م على الأرجح . ثم تأمروا فيها من عام1169ه 1756م ” ، ويكمل ” قد بلغنا من بعض سكان الكويت بأن أسلافهم سكنوا أرض الكويت من عام 1019ه-1611م” .
الرواية الثانية : سكن الجد صباح الكويت سنة 1608م
أطلعني الأستاذ عبدالله بن ناصر على وثيقة تعود للشيخ مبارك الكبير ومصدرها من الأرشيف البريطاني جاء فيها : ” عن سكونا با الكويت با اي تاريخ ونحنا بالاول مبينين لكم ان الكويت والأحد فيها مدخل غيرناولالاحد تمسك ولا دليل انشاءها جدنا صباح عن ثلاثماية سنة هيا 1017هجرية وبعد ابن عبدالله وبعده ابن جابر وبعده ابن صباح وهو والدنا وبعد صباح محبكم الداعي مبارك بن صباح ” .
الرواية الثالثة : نزول الجد صباح سنة 1613م
أما الشيخ مبارك الكبير في رسالته الشهيرة “بيان حدود الكويت ” و التي بدأ فيها قائلاً :”الكويت أرض قفراء نزلها جدنا صباح عام 1022ه” وهذه السنة يقابلها في التقويم الميلادي سنة1613م ، وقد تبنى هذا الرأي كل من : د/ ميمونة العذبي الصباح ود/ يعقوب يوسف الغنيم و صالح عثمان القاضي و محمد عثمان القاضي .
الرواية الرابعة : تأسيس بناء الكويت سنة 1660م
يوضح المؤرخ راشد الفرحان في كتابه بأن تاريخ بناء الكويت لا يعرف على وجه الحقيقة ولكنه ربطه مع بناء الكوت من قبل أمير بني خالد ويقول : ” بناه حوالي سنة1080ه -1660م وقد وضع فيه جماعة من عبيده وأتباعه واتخذه مستودعاً للسلاح والذخيرة والزاد لتجهيز جيوشه إذا ما بدا له الغزو شمالاً.”
الرواية الخامسة : إنشاء الكوت سنة 1669م
يقول المؤرخ حسين خلف خزعل في كتابه أنه : ” لما استخلص الأمير براك بن غرير آل حميد امارة الحسا من يد الاتراك في سنة 1081ه 1669م اصدر امره بانشاء قصر كبير (كوت) في موقع مدينة الكويت الحالية”.
الرواية السادسة : نزول العتوب إلى الكويت سنة 1671م
بين الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة أن جملة (طغى الماء) هي تاريخ النزول ، وقد علق المؤرخ سيف مرزوق الشملان بأن كلمة طغى الماء في حساب أبجد توافق سنة 1671م وفقاً لما قاله الشيخ .
الرواية السابعة : تأسيس مدينة الكويت سنة 1672م
بين خزعل أن من المؤرخين من يزعم أن تأسيس المدينة كان في سنة 1672م.
الرواية الثامنة : تأسيس الكويت سنة 1688م
يورد لنا المؤرخ سيف الشملان رأياً تبناه البعض وهو : ” إن الكويت تأسست حوالي عام1100ه-1688م ” .
يتبين لنا أن الروايات السابقة تتفق في أن المدينة تأسست في القرن السابع عشر ، عدا رواية مدحت باشا والذي جعلها في سنة 1372م حين قال :” ونسل هؤلاء العرب من الحجاز وكانوا قبل خمسمائة سنة قد أتوا إلى هذه البقعة هم وجماعة من مطير . وواضع أول حجر في تلك البلد رجل إسمه صباح . وقد كثر عدد سكانها على تمادي الأيام وشيخها اليوم اسمه عبدالله الصباح وأهلها شافعية . وهم يديرون أمورهم بحسب الشرع الشريف” ، وهي فترة بعيدة لم تبنَ على أدلة أو براهين تعززها ، في حين بقية الروايات تلتقي مع عدد من الكتب والمخطوطات التي عنت تلك الفترة الزمانية من حيث أسماء الأشخاص والوقائع والآثار ، بل أن روايته تتعارض مع ما تناقلته المصادر حول هجرة العتوب الشهيرة من الهدار ، فكان رأيه أحادياً بل لم يعرف عن العتوب معايشتهم مع قبيلة مطير ، وربما كان مدحت باشا حين ذكر ” الحجاز” قصد أن هجرة بعض قبائل عنزة كانت منها إذ أن الصباح من عنزة وكذلك “مطير” كانت منتشرة فيها، و ذكر الهمداني أن عنزة كانت في ضواحي المدينة المنورة ، وقال عبدالله بن عبار أن شارح ديوان ابن المقرب قال : ” أن عنزة عندما وصلت إلى خيبر تداخلت مع بنو جعفر الطيار وملكت أودية خيبر وأمتد وجودها إلى الحناكية ثم بعد تكاثر القبيلة أنتشرت إلى تيماء وفدك وضرغط وضريغط ووصل أمتدادها إلى تخوم حائل ثم أنساحت إلى بلاد القصيم فأصبحت تنجع في أماكن كثيرة من بلاد نجد حتى وصلت إلى موطنها القديم برك ونعام والهدار ” ، والهدار موطن القسم العنزي من حلف ” العتوب ” ، وقال الشيخ محمد البسام : ” قبيلة مطير تنتشر في الحجاز ونجد والكويت ” .
وبالتالي فإن الرأي الراجح والذي أميل إليه هو بأن الكويت تم تمصيرها أي جعلوها مدينة و أسست عام1613م وفقاً لرسالة الشيخ مبارك الكبير ، وقد تبنى هذا الرأي كل من : د/ميمونة الصباح ود/يعقوب الغنيم وصالح القاضي ومحمد القاضي والله تعالى أعلم.
شواهد الحياة في مدينة الكويت في القرن السابع عشر الميلادي
بين لنا عبدالرزاق البصير أن إبرام الصلح الذي تم في 31/10/1648م بين الإمام ناصر بن مرشد والبرتغاليين لم يكن بجهد عماني منفرد بل ثمرةً لتعاون بين أهل الخليج ومنهم أهل القرين ، وذلك أن الإمام أرسل رسولاً من عُمان إلى أهل القرين لكي يطلعهم على خطة مقاطعة السفن البرتغالية ، كما أن أحد رسله استطاع تحصيل مبلغ خمسمائة ألف محمدية من مختلف أهل الخليج وهم أهل القرين و البحرين وقطر وجلفار ودبي و ليوا لهدف دعم الثورة بالإضافة إلى أربع سفن إحداها كانت من القرين ، وذكر البصير أن رجلاً قدم بسفينة من القرين إلى عدن حتى ينبه الثوار بنية البرتغالين توجيه ضربة إلى مسقط ومطرح عبر سفينتين كبيرتين .
في عهد الإمام سلطان بن سيف وبعد طرد البرتغاليين من عمان في عام 1650م شكل أهل القرين وفداً لأجل تهنئة الإمام بالانتصار.
ومن الشواهد على الحياة في مدينة الكويت مسجد بن بحر يقول المؤرخ محمد النبهاني : ” قد اطلعنا على ورقة (حجة شرعية) مكتوب فيها بأن مسجد ابن بحر جدد بناءه عبد الله بن علي بن سعيد بن بحر بن خميس بن ثاني بن خميس بن وسيط بن معن عام 1158ه 1745م وذلك بعد أن تحصل من قاضي الكويت على الاذن ببيع دار كانت موقوفة على ذلك المسجد المذكور . ولما ثبت لدى القاضي خراب المسجد وخطورة تهوره على المصلين . أذن ببيع تلك الدار ليصرف ثمنها على تجديد وتعمير المسجد المذكور فبيعت تلك الدار بثلاثين قرشاً وكانت قيمة القرش الواحد في ذلك الوقت تساوي ثلث ريال عربي فعمر ذلك المسجد عام 1158ه 1745م ومعلوم أن تقادم بناء المسجد وخرابه .لايكون إلا بعد مرور مدة طويلة من الزمن. تقدر غالباً بماية سنة فأكثر. وقد فهمنا من ذرية ابن بحر بأن ذلك المسجد أنشئ عام 1080ه 1670م فكأنه عمر وجدد بعد مضي نحو 78سنة من بنائه الأول . وهي مدة معقولة فيها ظهور خلل في بناء المسجد المذكور ” ، وهناك شاهد آخر على الحياة في الكويت إذ عثر في جزيرة فيلكا على نسخة من مخطوطة لكتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس برواية يحيى ابن يحيى الليثي وقد كتب من قبل مسيعيد بن أحمد بن سالم في جزيرة فيلكا في عام1094ه – 1682م ، هذه النسخة وجدها عبدالعزيز حسين التركيت في مكتبة والده الملا حسين التركيت ، وقام مركز البحوث والدراسات الكويتية بنشر المخطوطة .
وحول تفصيل عن الحياة في الكويت في تلك الفترة نستعرض لكم تقريراً هاماً مع تحليله ، ففي عام 1645م قام الهولنديون بإرسال سفينتين إلى منطقة الخليج بقيادة ” كورنديس روباكر” رغبةً منهم في التوسع بتجارتهم ، ومن حسن الحظ أن “روباكر” كان مهتماً بتدوين يومياته والاحتفاظ بها حتى عُرفت فيما بعد باسم “تقرير روباكر” ، يقول سلوت : ” حاول الهولنديون توسيع تجارتهم في منطقة الخليج خارج الأراضي الإيرانية . ثم عادوا يتطلعون إلى البصرة ، وهي من ممتلكات سلطان تركيا وميناء طبيعي لدولة العراق الغنية حيث يمكن ان تكون هناك سوق مزدهرة لمنتوجات المستعمرات الهولندية في جنوب شرق آسيا. وفي عام 1645م أرسلت سفينتان بقيادة كورنديس روباكر” ، وجاء فيه أنه : ” بمغادرة الفرات والسير بجانب الساحل العربي ، يواجه الإنسان جزيرة فيلتشاه الصغيرة ، وفي الجهة المقابلة على الشاطئ القرين ، وكلتاهما تقطنهما قبيلة عربية تُدعى عتوبيس” ، يُذكر أن الرحلة الهولندية قد انتهت بخسائر ليست بالهينة حيث تمثلت باحتراق إحدى السفينتين ، تقول د/منيرة الجاسم : ” انتهت هذه المغامرة الهولندية الباكرة بخسائر فادحة ، حتى ان إحدى السفينتين أكلتها النيران. ولحسن الحظ ، بقيت لنا يوميات روباكر ، وهي تزودنا بأقدم سجل للرحلة الهولندية التي شملت الخليج بكامله . وتكشف هذه اليوميات النقاب عن عادة طريفة عند البحارة في العهود الأولى هي تسمية الأراضي الأجنبية بلغتهم الخاصة . ويمثل تقرير روباكر قيمة عالية ، وخصوصاً الجزء المتعلق بالكويت” ، يقول خالد سالم : ” يحدثنا بي . جي . سلوت – عن أول بعثة هولندية وصلت إلى الشواطئ الكويتية ، بعد فشلها في الوصول إلى البصرة – يقول : ففي عام1645م خرجت أول بعثة هولندية إلى البصرة ، وكان قوام البعثة قاربين صغيرين هما ((ديلفسها من )) و ((شيلفس)) ، خرجا من بندر عباس متوجهين إلى البصرة في أول مهمة تجارية ، ويصف سير السفينة التي يقودها المرشد ، قائلاً : بأن المرشد توجه بالسفينة مباشرة إلى شط العرب ، ولكن بدأت المشاكل في الظهور حيث كان شط العرب ضحلاً للغاية في ذلك الوقت ، وكانت المراكب الشراعية فقط هي التي تستطيع المرور على الساحل . دخلت السفينتان الهولنديتان إلى شط العرب ، ولكن الملاحين لم يستطيعوا أن يتجرأوا على التقدم أو متابعة الإبحار فيه ، وبالفعل اتجهت السفينتان إلى الجنوب أو أبحرتا في ممر آخر غاية في الضحالة وهو ما يسمى ((بخور عبدالله)) ولم يكن يوجد ممر للخروج ، فتوجهتا نحو ((العيش)) ولكن لم يجدوا مدخلاً مما حدا بهم إلى التوقف عند ضفة رملية بالقرب من جزيرة بوبيان . وقد قام ((روبيكر)) بعمل خريطة بحرية لهذه الرحلة مع ملاحظات عن الأعماق ، وملاحظات جغرافية دقيقة لخط العرض في هذه الخريطة توضح تقدمه إلى جزيرة بوبيان ” ، تحت عنوان نص آخر لهذه البعثة يقول خالد سالم : ” كان التجار الهولنديون أول الأوروبيين الذين تم ذكرهم في الوثائق بأنهم قاموا بزيارة منطقة الكويت في عام1645م ومستندات وخرائط الرحلة في عام 1645م – ما زالت موجودة في المكتبات في ألمانيا وبريطانية وهولندا.” ، تحت عنوان أول سفينة هولندية تصل شواطئ الكويت يقول خالد سالم : ” جورنال الرينجز: هي إحدى السفن التي قامت بأول رحلة لشركة الهند الشرقية الهولندية إلى البصرة ، وعند إخفاقها في دخول شط العرب قامت بالإبحار جنوباً في إتجاه الكويت ، ولكن الطاقم لم يعثر سوى على صحراء جرداء ومسطحات طينية ، ويضيف التقرير : أن هناك خريطة مؤرخة في عام 1646م توضح الطريق الذي إتبعته السفينة -رينجنزبرج- في إتجاه الكويت . بالاضافة إلى خريطة أخرى من أطلس مخطوط هولندي في أوائل الخمسينات من القرن السابع عشر ، تبين شواطئ الكويت مع – ايلهادي آجودا- فيلكا- وخط اقتراب السفن الهولندية من شواطئ الكويت في عام 1645م.ورد في النص أن السفن قامت بالإبحار جنوباً في إتجاه الكويت ، ولكن الطاقم لم يعثر إلا على صحراء جرداء ومسطحات طينية . والواضح أن السفن المذكورة رست إما قرب جزيرة بوبيان أو جزيرة وربة ، أو ساحل من سواحل منطقة الصبية ، ومعروف إن هذه الجزر وتلك السواحل غير مأهولة بالسكان ، وأرضها جرداء وسواحلها مسطحات طينية . ولم تواصل سيرها إلى جون الكويت حيث مدينة كاظمة التي كانت عامرة في تلك الفترة.” ، توضح لنا د/ منيرة الجاسم : ” بدأت العمليات الهولندية في الخليج العربي وفي البصرة في منتصف القرن السابع عشر الميلادي . والخريطة التي وضعتها البعثة الهولندية في البصرة عام 1645م،كانت جزءاً من خريطة هولندية لذلك العام . ووجدت هذه الوثيقة في السفارة الهولندية في الكويت . وهي تغطي الرحلة التي قام بها ادوارد آنز من انكلترا إلى الهند والرحلة من فارس إلى انكلترا عن طريق غير مألوفة . الكويت سجلت بأنها جزيرة بوبيان. وعلى الخريطة التي وضعها فريدريك آي .وايتي في عام 1690م ، أشير إلى الكويت بكاظمة . وبعد مرور أربعين عاماً ، أي في عام 1730م ، وضع أوتنز خريطة للامبراطورية العثمانية ( من المجموعة الخاصة لـ ب.ج.سلوت ، بالسفارة الهولندية في الكويت) ظهرت فيها الكويت باسم كاظمة وتم طبع هذه الخريطة في امستردام. وبعد ذلك ، في عام1753م ظهرت الكويت على انها القرين (محفوظات دولة جنيف ، قسم الخرائط في . أي. الياس 6،مركز محفوظات الديوان الأميري ، الكويت ، الخليج).”
يقول سلوت : ” في عام 1645م أبحرت سفينتان هولنديتان صغيرتان هما دلفسهافن وشخلفيس من بندر عباس في أول مهمة تجارية لهما إلى البصرة ، وكانت السفن الصغيرة هي الوحيدة التي يمكن استخدامها للوصول إلى البصرة. وتوجد في محفوظات (أرشيف ) الدولة العامة لهولندا ثلاثة سجلات لهذه الرحلة نشر أحدها عام 1907م أ.هوتس في دورية جغرافية هولندية وكان الكابتن كورنيليس بن كورنيلز قائدا لهذه الرحلة وقد رسم روباكر قبطان السفينة دلفسهافن خريطة بقيت ضمن مجموعة الأوراق الرسمية لشركة الهند الشرقية الهولندية وهي محفوظة في كارلسروهه. ولم يكن هوتس يعرف خريطة كارلسروهه ، وعندما نشر سجلات الرحلة كنوع من الإيضاح ، أضاف خريطة أخرى من الخرائط الهولندية البحرية أخذها عن مجموعة مكتبة جامعة ليدن ونسب تلك الخريطة إلى روباكر ، غير أن العلامات الموجودة على خليج عمان توضح أن هذه الخريطة بالذات قد رسمت بعد الرحلة الاستكشافية الهولندية لعمان عام 1666م.” ، ويكمل سلوت : ” دخل الهولنديون شط العرب لكنهم لم يجرؤوا على التقدم فيه فعادوا . وبدلاً من الاستدارة شمالا إلى بهمشير (حيث يوجد النهر الذي يوصل إلى ميناء عبدان الفارسي) ويتوافر للسفن الكبيرة سبيل إلى البصرة ، استداروا جنوبا فدخلوا ممرا آخر ضحلا جدا وهو خور عبدالله ولكنهم لم يجدوا منفذا فاستداروا جنوبا على طول ساحل بوبيان حيث حاولوا الاستدارة مرة أخرى على الأرجح عند فشت العيج فلم يجدوا مدخلا آمنا هناك فابحروا في قارب إلى بعض القطع الرملية الضحلة التي من المحتمل أن تكون بالقرب من بوبيان حيث لم يجدوا شيئا مع أنهم رأوا قوارب الصيد من بعد ، وأخيرا عادوا شمالا فعثروا على المدخل إلى بهمشير ووصلوا بسلام إلى البصرة وهناك أرسلوا قاربا صغيرا ليقوم بسبر الأعماق باتجاه مجرى شط العرب ، وقد واجه ركاب هذا القارب مشكلات مع الأتراك الذين اتهموهم بالجاسوسية . وتبين خريطة كارلسروهه ممرات السفن الهولندية ما بين لارك والبصرة بما في ذلك التقلبات التي يصعب تبريرها قرب بوبيان وعلامات الأعماق وملاحظات دقيقة حول خط الطول الجغرافي ، وتوضح هذه الخريطة أيضا تقدمه حتى بوبيان ، كما رسم على هذه الخريطة نتائج رحلة هولندية ثانية إلى البصرة في عام 1646م ، وتوجد نسخة أخرى لخريطة رسمت خلال رحلة هولندية في عام 1645م وهذه الخريطة الوحيدة التي تسجل سبر الأعماق في شط العرب قبل السبعينات من القرن الثامن عشر . ولكنها لاتحتوي على معلومات أخرى عن الكويت أكثر مما تحتويه خريطة كارلسروهه.” ، من الملاحظ في النص السابق “تقرير روباكر” ” أي : سلوت (محفوظات أبوظبي)1981م و د/منيرة الجاسم و خالد سالم ” أنه ذكر منطقتين كويتيتين “فيلكا” و “القرين” بالإضافة إلى ذكر قبيلة عربية “عتوبيس” وهي بشكل جلي وواضح قبيلة “العتوب” ، الاختلاف في ذكر الأسماء وارد لكون النص بالأصل غير عربي وتمت ترجمته وفق الطريقة التي كتبوه بها ، كما أن النص كشف لنا عن حقائق بالغة الأهمية ألا وهي أن العتوب وفق الرويات الشفاهية المذكورة من المؤرخين سالفاً بالفعل ذكرت لنا سكنى العتوب لفيلكا والقرين في خط هجرتهم مما يدعونا إلى الربط بين السرد المتواتر وبين التوقيت في التقرير الهولندي ، وبالتالي فإن العتوب نزحوا من الهدار في سنوات سابقة عن عام 1645م ، وعلى الرغم من عدم انسجام ما نقوله مع ما اعتاد عليه المؤرخون وهو بأن أول ذكر للعتوب كان في الوثيقة العثمانية (دفتر المهام) المؤرخة في عام 1701م ، إلا أن التقرير أيضاً يعد مصدراً تاريخياً ، لكن حديث سلوت في كتاب نشأة الكويت “طبعة2003م” حول تقرير روباكر قد اختلف عن محفوظات أبوظبي”1981م” وقال : ” توجد في محفوظات (أرشيف) الدولة العامة لهولندا ثلاثة سجلات لهذه الرحلة نشر أحدها عام 1907م أ.هوتس في دورية جغرافية هولندية ” وبين أن هوتس ” عندما نشر سجلات الرحلة كنوع من الإيضاح ، أضاف خريطة أخرى من الخرائط الهولندية البحرية أخذها عن مجموعة مكتبة جامعة ليدن ونسب تلك الخريطة إلى روباكر ” ، كما بين أنه “رسم على هذه الخريطة نتائج رحلة هولندية ثانية إلى البصرة في عام 1646م ، وتوجد نسخة أخرى لخريطة رسمت خلال رحلة هولندية في عام 1645م ” ، وبالتالي فإن هنالك لبساً في الموضوع بل أن النص المذكور لسلوت في محفوظات أبوظبي سنة 1981م يتطابق مع تقرير كنبهاوزن الذي جاء فيه : ” عند مغادرة نهر الفرات والسير على طول الساحل العربي يقابل المرء جزيرة فيلجة الصغيرة (فيلكا ) وفي مقابلها على الشاطئ القرين ، وكلتاهما مأهلوتان بقبيلة عربية تحدثنا عنها من قبل وهي العتوب ” ، نعرف أن البارون كنبهاوزن كان عند كتابة التقرير مقيماً في جزيرة خرج ولم نجد أي مصدر يبين أن البارون قد زار الكويت ويبدو أنه اعتمد على كتابات وخرائط هولندية سابقة ، يقول سلوت أن : ” أعظم هذه المصادر أهمية وأفضلها تقرير غير مؤرخ موجه إلى ((جيكوب موسل)) المدير العام لشركة الهند الشرقية الهولندية ، وتشير الدلائل الموضوعية إلى عام 1756م ، وإلى كاتب هذا التقرير ((تيدو فردريك فان كنيبهاوزن )) رئيس مؤسسة شركة الهند الشرقية الهولندية الذي كان يقيم في جزيرة خرج بمفرده أو مع نائبه جان فان درهولست” ، ويوجد وثيقة قريبة من السنة التي كتب بها تقرير البارون وهي وثيقة لاهاي داغ الهولندية جاء فيها : ” ومن الفرات نتجه إلى الساحل العربي للخليج حيث تقابلنا جزيرة “فيلكة” وأمامها ساحل القرين الذي يسكنه عتوب” ، بل أن الروايات التي سبق وأن سردناها ” تحت عنوان الروايات الشفاهية حول الكويت في القرن السابع عشر الميلادي” دلت على وجود العتوب في نفس المناطق الكويتية ، البعض قال أن أول ذكر للعتوب كان في الوثيقة العثمانية “1701م” ، يقول د/علي أباحسين : ” عثرنا في ارشيف رئاسة الوزراء العثماني في مدينة اسطنبول في دفاتر المهمة رقم 111 وعلى الصفحة 713 منه على وثيقة مؤرخة في 21رجب1113ه الموافق 23 كانون أول (ديسمبر) سنة 1701م أرسلها والي البصرة (علي باشا) إلى السلطان العثماني والصدر الأعظم باسطنبول ” ، وقال أباحسين حول تحليل نصوصها إلى أن : ” تواجد العتوب في مستهل القرن الثامن عشر في منطقة البحرين حيث ورد في نص نشر صورته في نهاية البحث وهو من مخطوط لؤلؤة البحرين في ترجمة مؤلفه مؤرخا الوقائع مع التوب في البحرين قوله : قضية القبيلة المعتدية وعام تلك شتتوها فأحسبه وبحساب الجمل لمجموع الجمل لمجموع حروف الكلمة (شتتوها) يصبح التاريخ سنة 1112ه (1700م) . من ذلك ثبت لنا تواجد العتوب في عام 1112ه الموافق 1700ميلادية وهذا يدلنا على أن العتوب كانوا من سكان هذه المنطقة قبل هذا التاريخ حيث استقروا وتعودوا على ركوب البحر وقيادة السفن وهذا يحتاج لفترة زمنية ليست قصيرة.” علق أ.د/عبدالله الغنيم أن : ” للوثيقة ترجمتان وبينهما اختلاف واضح” و”لم يكن العتوب من العشائر التابعة لإيران ” ” في سنة 1701م كانت الكويت قائمة ، ودليل ذلك رحلة مرتضى ابن علوان إليها عام 1709م، ووصفه لها دليل على أنها نشأت قبل هذا التاريخ ، بالإضافة إلى ماهو معروف عن مسجد ابن بحر الذي قال النبهاني عنه : إنه بني في الكويت عام 1670م” وقال : ” الأرجح أنها وثيقة غير صحيحة ” ” قد تكون وصفا لأحداث جرت في ساحل الخليج الشرقي ، ولاعلاقة لها بالكويت وأهلها، نظراً لوجود وثائق أخرى تنقض ما ورد في تلك الوثيقة” .
أقول أن المناطق الواردة في الوثيقة العثمانية والتي فعلاً ذكرت مناطق قريبة منها لا تعني بأن العتوب المقصودين هم العتوب المتواجدون في الكويت لسبب أن الروايات فرقت لنا وأوضحت أنهم لم يبقوا جميعهم في نفس المكان بل توزعوا و انتشروا ، كما أن حياة العتوب في الهدار لم تكن ذات طبيعة بحرية بل مناطق أقرب منها للبيئة الصحراوية والقروية وبالتالي فإن مسألة التكيف والتعايش مع حياة أهل البحر من غير المتوقع عقلاً أن تكون وليدة اليوم والليلة بل نتاج سنوات خصوصاً إذا ما علمنا أن حياة العتوب أصبحت مليئة بالأحداث الحربية البحرية والتي تثبت أنهم تمكنوا من السيطرة على الملاحة البحرية في المنطقة ، بالإضافة إلى أن جواد النجار قال حول جزيرة عكاز “أحد أماكن استقرار العتوب” : ” في سنة 1973م ، وعند مجيء البعثة الأمريكية من جامعة جون هوبكنز للتنقيب في جزيرة فيلكا ، أخذنا هذه البعثة إلى الجزيرة للتعرف على رأيهم حول تلالها ، وكان رأي رئيسة البعثة أن المواد التي جمعت من الجزيرة تعود لفترات مختلفة منها الإسلامي في القرن السابع عشر ” وبين أن هناك بيتاً صغيراً يعود إلى ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر.
من خلال ما سبق يتبين لنا أن وجود مدينة الكويت في القرن السابع عشر الميلادي هي حقيقة راسخة وواضحة بجلاء لا يمكن إنكارها أو التشكيك بها.
بقلم خالد طعمة الشمري
مؤرخ كويتي