العسعوسي: جريمة بوشهري ليست مُخلّة بالشرف والأمانة
أكد المحامي بسام العسعوسي أن وزير الكهرباء والماء المستقيل م. محمد بوشهري لم يرتكب جريمة مخلة بالشرف والأمانة أثناء توليه منصب وكيل الوزارة. وأشار العسعوسي في دراسة أعدها مؤخراً إلى أن القضية التي أدين فيها أمام محكمة التمييز تحيطها الكثير من الملابسات. وتطرق العسعوسي إلى العديد من الأمور المتعلقة بالحريات والكرامة الإنسانية وغيرها، وفي ما يلي نص الدراسة: بادئ ذي بدء، فإن الحديث عن الحقوق العامة والحريات، ومنها الحق في الترشح وتولي الوظائف العامة لا ينبغي أن يتم تقييدها بمبادئ غير محددة أو منضبطة لا يمكن الوقوف على وصف لها بشكل دقيق، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الاعتداء على الحقوق والحريات بمقولة «إن الغرض منه الحفاظ على هيبة الوظيفة أو المكانة النيابية»، فالعدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع كما جرى النص على تلك المبادئ السامية في المادة السابعة من الدستور. كما أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، كما أكد على ذلك النص في المادة الـ29 من الدستور وانه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناءً على قانون ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي نص عليه. وقد بيّن الدستور الإطار العام للشروط الشكلية التي يجب توافرها في عضو مجلس الأمة في المادة الـ82 منه والتي جرى نصها على أنه: يشترط على عضو مجلس الامة: 1 – أن يكون كويتي الجنسية بصفة أصلية وفقاً للقانون. 2 – ان تتوافر فيه شروط الناخب وفقاً لقانون الانتخاب. 3 – ألا تقل سنه يوم الانتخاب عن ثلاثين سنة ميلادية. 4 – أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها. إلا أن بعد كل هذه الحريات التي ارسى دعائمها الدستور واطلقها بصورة تنم عن ان المشرع الدستوري اراد ترسيخ تلك المبادئ السامية حتى تصبح حقيقة مؤكدة لا يمكن تقييدها الا في ضوء تشريع محدد بشكل واضح ولا يخالف ما ابتغاه المشرع الدستوري، فقد جاء النص في المادة الثانية من قانون الانتخاب ليقيد هذا الحق الدستوري بأنه جرى على انه: «يحرم من الانتخاب المحكوم عليه بعقوبة جناية او جريمة مخلة بالشرف او الامانة الى ان يرد اليه اعتباره». دون ان ينص على ماهية الجرائم المخلة بالشرف او الامانة او يضع الاطار الجامع الذي تقع تلك الجرائم تحت مظلته وهو امر بالغ الخطورة لانه يفتح الباب امام الافتئات على الحقوق والحريات بزعم ان تلك الجريمة مخلة بالشرف والامانة مما يجعل الشخص عرضة لانتقاص حقوقه الدستورية بسبب واقعة تشكل جنحة بسيطة لا تنم عن ضعف في الخلق او انحراف في الطبع بما يخالف ضمير الجماعة الوطنية. وتأكيداً لذلك، ذهبت الجمعية العمومية للقسم الاستشاري بمجلس الدولة المصري في فتواها الصادرة في 1978/3/20 الى: «ان الجريمة المخلة بالشرف او الامانة هي التي ينظر اليها المجتمع على انها كذلك، وينظر الى مرتكبيها بعين الازدراء والاحتقار، اذ يعتبر ضعيف الخلق منحرفا للطبع دنيء النفس ساقط المروءة، فإذا تمت الجريمة بحسب الظروف التي ارتكبت فيها عن ضعف في الخلق او انحراف في الطبع او تأثر بالشهوات او النزوات او سوء السيرة كانت مخلة بالشرف والامانة، وان لم تنم عن شيء من ذلك فلا تعتبر مخلة بالشرف والامانة بصرف النظر عن التسمية المقررة لها في القانون». وقد استقرت أحكام المحاكم الكويتية على أنه: «أن المشرع لم يحدد في أي قانون ما يعتبر من الجرائم ما هو مخل بالشرف والأمانة، قاصداً بذلك أن يكون هناك مجال للتقدير في هذا الشأن، وان تكون النظرة إليها المرونة بحيث تساير تطورات المجتمع، ذلك أن الجريمة المخلة بالشرف هي تلك التي ينظر إليها المجتمع على أنها كذلك وينظر إلى فاعلها بعين الازدراء والاحتقار ويعتبر ضعيف الخلق منحرف الطبع دنيء النفس ساقط المروءة، فالشرف والأمانة ليس لهما مقياس ثابت محدد، بل هما صفتان متلازمتان لمجموعة المبادئ السامية والمثل العليا التي تواصل الناس على إجلالها وإعزازها». (يراجع حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 5086 لسنة 24 ق – بجلسة 1996/9/22 وحكم محكمة التمييز في الطعن رقم 1132 لسنة 2004 إداري – جلسة 2006/1/24). وسائل الاتصالات ولما كان ذلك وكان الثابت من مدونات الحكم الصادر من محكمة التمييز في الطعن رقم 2019/979 جزائي/3 أن الحكم المطعون فيه قد خلص إلى اعتبار الجرائم المسندة إلى الطاعنين مرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة وأعمل في حقهما المادة (1/84) من قانون الجزاء وأوقع على كل منهما عقوبة الجريمة الأشد، وهي جريمة إساءة استعمال وسائل الاتصالات الهاتفية للطاعنة الأولى، وجريمة الاشتراك في تلك الجريمة للطاعن الثاني (السيد/ محمد بوشهري). أي أن الاشتراك في جريمة إساءة استعمال الهاتف التي أدين عنها الوزير بالغرامة هي مناط البحث عما إذا كانت تندرج ضمن الجرائم المخلة بالشرف والأمانة من عدمه. – وبالرجوع إلى الظروف والملابسات التي أحاطت بهذه الجريمة، فإن إحدى موظفات الوزارة نشرت تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» بأن الوزارة عاقبتها بالخصم من الراتب لأنها لم تقم بالسلام على مسؤولتها بحرارة، وأنه تم اعتماد الخصم والعقوبة من قبل وكيل الوزارة المهندس محمد بوشهري، وفي سبيل ذود الوكيل عن حقوق الوزارة التي يمثلها آنذاك وللرد على التغريدات المستهجنة وردود الفعل الشرسة على مسلك الوزارة من قبل مرتادي موقع التواصل الاجتماعي السالف البيان، فكان من اللازم الرد ببيان لتوضيح الغموض واللبس اللذين اكتنفا التغريدة المنشورة من الموظفة المذكورة، فما كان منه سوى أن طلب من الموظفة المسؤولة عن حساب الوزارة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إعداد بيان للوزارة مستخلص من نتيجة التحقيق الإداري بعدم صحة ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي بشأن معاقبة موظفة بالخصم من الراتب لأنها لم تقم بالسلام على مسؤولتها، وأن توقيع عقوبة الخصم من الراتب كان لارتكابها مخالفات إدارية أخرى، وأرفقت بهذا البيان مقتطفات من نتيجة التحقيق الإداري مع تلك الموظفة، وحرصت على طمس الأسماء وكل ما يشير إلى شخص تلك الموظفة أو إلى أي طرف من أطراف التحقيق. Volume 0% التقرير الإداري وكانت نتيجة التحقيق الإداري أو (التقرير) الذي تعده جهة التحقيق بصفة عامة هو عبارة عن ملخص لمجريات التحقيق وما انتهت إليه من توصية، سواء بالحفظ أو بمجازاة الموظف بالعقوبات الواردة بقانون ونظام الخدمة المدنية، وتصبح هذه النتيجة بمجرد اعتمادها من قبل وكيل الوزارة بمنزلة قرار إداري يعلن بالطرق التي حددها القانون لأصحاب الشأن، ويكون محلاً للتظلم للجهة الرئاسية التي أصدرته، وكذلك محلاً للطعن عليه أمام الدائرة الإدارية بالمحكمة الكلية بدعوى الإلغاء، وهذا ما قامت به الموظفة السالفة الذكر بالفعل، فقد تظلمت من القرار التأديبي بالخصم من الراتب، وتلا ذلك رفعها لدعوى إدارية بالإلغاء، وقد قضت محكمة أول درجة في دعواها بالرفض وتأييد هذا القضاء استئنافياً. ويتضح مما تقدم وبجلاء الآتي: أن الاشتراك في جريمة إساءة استعمال الهاتف يعد جنحة، وأن الظروف والملابسات التي أحاطت بارتكابها على النحو السالف بيانه لا تعدو أن تكون دفاعاً من وكيل الوزارة إبان تلك الفترة عن حقوق الوزارة وليس للدفاع عن حق شخصي يبتغيه، الأمر الذي يكون معه اقتراف هذه الجريمة لم يكن مرتبطاً بشهوات أو انحراف الطبع أو بضعف الخلق وسوء السير، ومن ثم لا تعتبر من الجرائم المخلة بالشرف والأمانة تنال من صلاحيته لتولي الوزارة.