“الوهم نصف الداء”.. و”كورونا” قد يسبب أمراضاً نفسية للمصابين والأصحاء
انتشار الأمراض والأوبئة قد يصيب الأشخاص بأمراض نفسية يصعب تجاوزها سواء المرضى المصابون أو الأصحاء الذين يعيشون في وسط تلك الحالة من الذعر والخوف من الإصابة بالمرض فضلا عن تداول الأخبار على مدار اليوم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي مع تصديق هذا الخبر او تكذيبه ودخوله ضمن دائرة الشائعات.
وهذا ما حدث منذ الإعلان عن فيروس كورونا لاسيما بعد وصوله الى الكويت بما خلق حالة من الهلع والذعر بين المواطنين والمقيمين وأصبحت أحاديث الناس اليومية منذ بدء يومهم حتى نهايته.
والسؤال المطروح حاليا هل هناك علاقة بين تفشي الأوبئة والأمراض في أي مجتمع واحتمالية إصابة أفراد هذا المجتمع بأعراض نفسية واجتماعية ومنها القلق او التوتر او الاكتئاب او رهاب الموت؟ هذا ما طرحته «الأنباء» على عدد من المتخصصين النفسيين والاجتماعيين، وخرجنا بالآراء التالية:
الهشاشة النفسية
بداية، ذكر عميد كلية العلوم الاجتماعية وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت د.حمود القشعان أن الوهم هو نصف الداء والأمل هو نصف الدواء والصبر هو كل الدواء.
وأوضح القشعان ان الإشكالية اليوم تتلخص في أن الناس بالغت في وهم هذا المرض وهو وباء ولكن أصبحت تشكك في كل شيء بالرغم انهم يأخذون بكل التعليمات الصادرة عن الجهات الرسمية إلا أن هناك من الأشخاص من لديهم هشاشة نفسية وهؤلاء الناس هم أكثر الناس عرضة للأمراض.
وتابع: «إن لم تمت بالسيف مت بغيره»، لقد تعددت الأسباب والموت واحد وهؤلاء الناس عزلوا أنفسهم عن الحياة وعن الإنتاج، وبالتالي أصبحوا مرضى لأوهام ولكنهم لم يصابوا بكورونا إنما أصيبوا بأشباه كورونا وهو الوهن والعجز والمرض.
وأكد القشعان ان الحالة النفسية تلعب دورا كبيرا في قضية تلقي المرض وكذلك في تجاوز المرض، مشيرا إلى أن الانفلونزا الموسمية العادية أصابت الكثير من الناس وتوفوا بسببها ومع ذلك لم نسمع ان هناك هلعا.
وحذر القشعان أصحاب الهشاشة النفسية من المبالغة في الهلع حتى ان بعضهم أصبح مع الأسف ينظر لأي شخص يقوم بـ«العطس» على انه حامل للميكروب وأصبحنا مع الأسف مجتمعا مشكك وغير آمن حتى في إنجازه اليومي.
ودعا القشعان إلى أهمية ان يكون تحركا ليس فقط طبيا انما كذلك نفسي، مشددا على دور أئمة المساجد بأن يتكلموا بلغة إيجابية وليس فقط وعظية.
وساوس النظافة والهلع
من جانبها، ذكرت أستاذة علم النفس الجنائي بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.نعيمة طاهر أن فيروس كورونا المنتشر في جميع أنحاء العالم بأعداد متفاوتة، لافتة إلى أن نسبة المصابين في الكويت بالفيروس بالنسبة لعدد السكان تعتبر أعدادا كبيرة ما له من تأثير كبير من الناحية النفسية على الأفراد، موضحة ان هناك حالة من القلق والتوتر واضطراب في السلوك حيث ان الجميع الآن يضعون الكمامات بالرغم من ان الكويت تتعرض كثيرا لحالة من الغبار ولكن مع ذلك لم نجد ان الأشخاص ملتزمون بارتداء الكمام حفاظا على صحتهم ولكن جاء فيروس كورونا ووجدنا الجميع يحرص على ارتداء الكمام بشكل يومي.
وأوضحت طاهر ان الجميع الآن يرتدون القفازات ويتحاشون التواجد في التجمعات وكذلك السلام باليد خوفا من الإصابة نظرا لأن الأعراض التي تظهر على المريض تعتبر صعبة جدا من حيث الألم وضيق التنفس والإحساس بالتعب في الرئة والكحة الغريبة التي تصدر من المصابين بفيروس الكورونا.
ولفتت إلى أن الكثير من وسائل الإعلام نشرت صوت الكحة التي تظهر من المصابين بفيروس كورونا وجميع تلك الأمور خلقت حالة من القلق والخوف والتوتر بين الجميع من هذا الفيروس.
وأشارت طاهر الى ان القلق والخوف ضروري لتحاشي الإصابة ولكن زيادة القلق والتوتر والضغط النفسي والخوف من الإصابة بالمرض يؤثر فيما بعد على الكثير من السلوكيات لتحاشي الإصابة بالفيروس، موضحة ان حاليا هناك الكثير من الأمهات أعلنوا رفضهم لعودة أبنائهم الى المدارس واختلاط أبنائهم مع المعلمين، لاسيما الذين عادوا من إجازتهم من بلدانهم خوفا من ان يكونوا مصابين بالفيروس وكذلك هناك أمهات يخافون من شراء مستلزمات المنزل من الأماكن العامة خوفا من ان يكون شخص ما لمس تلك المستلزمات، مشيرة الى خلو سوق المباركية على سبيل المثال من الناس، هذا السوق الذي لم يخل يوما واحدا من الأهالي والأطفال.
وقالت طاهر ان غالبية أحاديث الناس اليوم تدور حول فيروس كورونا، وأعراضه وكيفية تجنب الإصابة به، وطريقة العلاج بما جعل الناس لا يتحدثون اليوم في أي تجمع أسري او مع الأصدقاء او مع زملائهم في العمل إلا عن كورونا، ما جعل البعض يشعر بالإحباط وبحالة نفسية سيئة خوفا من القادم.
وعلى صعيد متصل، قالت طاهر ان هناك أشخاصا يشعرون حاليا بحالة من الاكتئاب بسبب عدم معرفتهم بعدد الحالات المصابة بالفيروس تحديدا او من هو مصاب او غير مصاب، موضحة ان حالات الهلع زادت بين أفراد المجتمع الكويتي خلال اليومين الماضيين بسبب دخول مواطنين كويتيين من دولة موبوءة بفيروس كورونا، وبالتالي فهناك حالة من الخوف من هؤلاء المواطنين، مؤكدة ان فيروس كورونا اثر على العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع.
رهاب الموت
ومن ناحيته، قال عضو هيئة التدريس في قسم الاجتماع والخدمة الاجتماعية بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.حمد العسلاوي ان من الوارد ان يصاب المصابين بفيروس كورونا بأمراض نفسية ومنها رهاب الموت، لاسيما ان الشعب الكويتي لم يصب بهذا النوع من الأوبئة منذ زمن طويل، وهناك حالة من الهلع بين الجميع بسبب هذا الفيروس.
وأفاد العسلاوي بأن هناك أمراضا نفسية قد تصيب الأشخاص العاديين الذين لم يصابوا بالفيروس ومنها القلق والتوتر والوسواس والتفكير في المستقبل، لاسيما بعد تعطيل المدارس ووجود الأبناء في المنازل، ناهيكم عن قرار الكثير من الأشخاص بعدم التجمع مع الأهل او الأصدقاء خلال الفترة الحالية منعا للتجمعات بما ترك اثرا نفسيا سلبيا كذلك في نفوس هؤلاء الأشخاص بعدم قدرتهم على الالتقاء بأصدقائهم وعائلاتهم.
وأوضح ان كل ما يخشاه ان من يعاني من أمراض نفسية قد تزيد من حدتها خلال الأزمة الحالية، فمن يعاني من الوسواس والخوف من الخروج من المنزل والخوف من الموت والرهاب الاجتماعي والخوف من مخالطة الناس قد يؤثر عليه الوضع الحالي بشكل اكبر ويزيد من شعوره بتلك الأمراض النفسية، كما سيؤثر على المحيطين من حوله من أسرته كونهم متواجدين معهم في المنزل نفسه.
وقال ان الأشخاص الذين لديهم وسواس النظافة ستزداد حدته الفترة الحالية من ذهابه لغسل يديه أكثر من مرة في اليوم الواحد خوفا من الإصابة بالفيروس وقد يصاب بقرحة في اليد من زيادة عدد مرات غسل اليدين.
وأكد العسلاوي على ضرورة عمل دراسة بعد انتهاء أزمة فيروس كورونا بسلام تكون خاصة بارتباط انتشار الفيروس بالأمراض النفسية، مؤكدا ان النتيجة ستظهر ان هناك ازديادا في إصابة الأشخاص بالوسواس والقلق ورهاب الموت.
وذكر ان هناك أشخاصا تتعكر أمزجتهم بسبب انتشار الأخبار الخاصة بفيروس كورونا في كل دقيقة على وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بما يشعره بحالة من اليأس والاكتئاب، ولكن يجب ان يكون الأشخاص واعين بأن الاكتئاب المرضي خطير ويعتبر في مقدمة الأسباب التي تدفع بالناس للتفكير في الانتحار.
ونصح العسلاوي بالقراءة والتعلم وتثقيف أنفسهم في الأمراض النفسية ويقوموا باستشارة المتخصصين في علم النفس لتقديم المساعدة المهنية في حال ظهرت عليهم أعراض الاكتئاب، موضحا ان الاكتئاب المرضي حالة خطرة ولابد ان يكون الإنسان واعيا بضرورة الذهاب الى الطبيب النفسي المختص متى ما شعر ببداية أعراض الاكتئاب.
وعلى صعيد متصل، نصح العسلاوي أولياء الأمور بعمل جدول منزلي وتحديد ساعات محددة لتدريس الأبناء وساعات للعب وساعات للتجمع مع أفراد الأسرة حتى لا يعيش كل شخص في عالمه الخاص، فلابد أن يكون هناك تنظيم للوقت حتى في وقت الأزمات، بالإضافة الى وضع لوحة لضبط سلوكيات الأطفال في المنزل، مؤكدا على أهمية دور الأهل في التعامل مع أبنائهم خلال الأزمة الحالية وضرورة ان يذهبوا مع أبنائهم للتنزه على الأقل مرة أسبوعيا حتى لا يشعر الأطفال بالملل من الجلوس بالمنزل طوال أيام الأسبوع.
تشكيل خلية أزمة
من جانبه، ذكر أستاذ علم النفس الجنائي بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت د.طلال العلي انه يفترض على الدولة تشكيل خلية أزمة تقوم بالتعامل مع أزمة الكورونا بشكل علمي.
وأكد اننا بحاجة الى توجيه الرأي العام بشكل يمكننا من تجاوز هذه الأزمة بأقل الخسائر، مشددا على ضرورة وضع استراتيجية كاملة للتعامل مع هذه الأزمة وأن توضع خطط للسيناريوهات المحتملة.
وشدد على الحاجة الى المتخصصين في علم النفس وفي الإعلام، كما الحاجة الى الأطباء والمسؤولين التنفيذيين، موضحا ان التعامل حتى الآن ممتاز في التعامل مع أزمة فيروس كورونا وتم اتخاذ خطوات مهمة، ولكن يجب ان يتطور هذا الأداء ويتم تطوير مؤسسات الدولة للتعامل مع هذه الأزمة ومع الأزمات القادمة.
وأردف قائلا: أما على المستوى الفردي فهذه الأزمة قد تشكل ضغطا نفسيا على العديد من الأفراد، ويمكن تجاوز هذا الضغط خصوصا مع وجود دعم اجتماعي ومؤسسات المجتمع المدني.
وطالب العلي بضرورة خلق عمل مؤسسي وتطوير المـؤسســات والـوزارات الموجودة فعلا.