كورونا يعيد الأب “القاطع” إلى حضن أبنائه
«قبل الأزمة الحالية كان يومي مقسما بين دوامي الحكومي في الصباح، ومشروعي الخاص مساء، ولم يكن هناك وقت كاف للأبناء». هكذا يحكي «أبو أحمد»، وهو موظف في إحدى الجهات الحكومية، كيف غيرت أزمة كورونا الحالية وما فرضته من إجراءات خاصة بها من مستجدات على نظام حياته. يتذكر أن سنوات طويلة مضت عليه كان برنامجه اليومي لا يتغير كثيرا، إلا في أيام العطلة، أما باقي الأسبوع فالنظام واحد: خروج عند السادسة والنصف صباحا، ثم العودة لتناول الغداء والقيلولة قبل أن يتوجه لشركته الخاصة، وعند عودته مساء عادة ما يكون الأبناء قد انتهى يومهم وبدأ الاستعداد للنوم، أو يكون بعضهم قد غط في نومه بالفعل. مع فرض الحظر الجزئي وتوقف الدوام وإغلاق أغلب الشركات، كان عليه أن يقضي طوال يومه في منزله أمام ابنيه اللذين يبلغ أحدهما 11 سنة والآخر 8 سنوات، وهو ما جعله يحاول الاقتراب منهما بشكل أكثر ويتعرف على اهتمامات كل منهما، وهي أمور فرقت كثيرا معه على حد وصفه. يقول أبو أحمد «عرفت أبنائي خلال الحظر»، هذا هو ملخص تجربتي فبعد سنوات من المعرفة السطحية أتاحت تلك الفرصة مراقبتهم عن كثب ومعرفة كل كبيرة وصغيرة عنهم، ولكني أيضا أحرص على أن احافظ على مساحة شخصية لهما كي لا أشعرهما بأن وجودي المستمر مصدر ازعاج لهما. في المقابل، ترى المهندسة رباب حسين أن هذه الفترة لم تفرق كثيرا معها، مرجعة السبب إلى حرصها طوال السنوات الماضية على الاقتراب من أبنائها الذين وصلوا حاليا إلى مرحلة المراهقة، مشيرة إلى أنها كانت تعتبرهم طوال الوقت مشروعها الأول والأخير والأولى بالاهتمام. وتضيف أنها لذلك لم تفاجأ كثيرا بعد أزمة كورونا، على عكس بعض معارفها ممن صدموا بأن السنوات مضت دون أن يتعرفوا على ابنائهم، حتى جاءت فترة الحظر الحالية ووضعتهم وجها لوجه معهم طوال الوقت. وتشير إلى أن كثيرا من الشكاوى التي لاحظتها تمثلت في الأصدقاء الذين لديهم أبناء في سن المراهقة، خاصة أن بعض أولياء الأمور كانوا لا يقضون في المنازل أكثر من ساعتين. إيجابيات أسرية ويشير أستاذ علم الاجتماع الأسري في جامعة الكويت د.فهد الناصر الى أن الأزمة الحالية عادت بالكثير من الإيجابيات على الأسرة، إذ أظهرت شكلا جديدا من أشكال التفاعل الأسري مع وجود جميع الأفراد بشكل دائم داخل المنزل، وخاصة الشباب المعروف عنهم قضاء وقت طويل خارجه. ويضيف أنه ببقاء الأبوين مع أبنائهما طوال الوقت، أتيحت الفرصة لهما لزيادة درجة التفاعل والتعرف بشكل أكبر على اهتمامات الأبناء وسلوكياتهم، بل وأفكارهم وكذلك تبادل تلك الأفكار والآراء، والمكسب الحقيقي هو تحمل هؤلاء الشباب جزءا من المسؤولية نتيجة اعتماد الأسرة عليهم في كثير من الأمور، مثل أعمال الصيانة المنزلية على سبيل المثال. ويرى الناصر أن فترة الحظر الجزئي فرصة ذهبية لنقل الخبرات بين الأجيال، وأنه إضافة إلى بعض الأمور الشكلية التي أفرزتها ومنها تعرف الأبناء من الجنسين على المطبخ، فإن هناك أمورا أعمق تتمثل في تبادل المعارف وتحمل المسؤولية في مرحلة سنية مبكرة، وستجعلهم أكثر قدرة على التعامل مع الأزمات، وهي مسائل ستنعكس إيجابا على حياتهم في المستقبل، خاصة أن الواقع الحالي ربما يحدث مرة واحدة في العمر، فضلا عن أن الأزمات عادة تزيد من التماسك الأسرى وتخلق جوا من الدفء. ويشير إلى أنه بالرغم من الحديث والتوقعات بشأن تزايد معدلات الطلاق عقب انفراج الأزمة، فان الجميل كذلك أن فترة البقاء في المنزل قد تشكل فرصة لمراجعة الطرفين موقفهما والعمل على إيجاد حل بعيدا عن اللجوء للطلاق لاحقا. Volume 0% جانب مضيء ويتفق أستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت د.جميل المري مع الرأي السابق، مؤكدا أنه بالرغم من الأضرار الكثيرة لكورونا وكونها نقمة على العالم، فان الجانب المضيء لا يمكن انكاره وهو يتمثل في التأثير الإيجابي للأزمة وما أفرزته من تفاعل بين أفراد الأسرة الواحدة. ويضيف أن تلك الأزمة أجبرت الأب على الحضور قصرا في المنزل بعد سنوات من دوامة العمل الحكومي، أو المشاغل الخاصة أو حتى السفرات والانشغال بالديوانية، أو الذهاب إلى الشاليه وغيرها من أشكال الحياة التي كانت تجعله يحيا في معزل عن أبنائه. ويؤكد أن تأثيرات الحياة السابقة يعاني منها البعض حاليا، فهناك آباء لم يستطيعوا حتى اليوم كسر الحاجز مع أبنائهم ويجدون صعوبة في التعامل معهم، لكن الفرصة لا تزال أمامهم للتعرف على أبنائهم عن قرب. ويضيف أن كثيرا من الأبناء ربما عرفوا أولادهم بشكل صحيح للمرة الأولى خلال الأزمة الحالية، رغم أن حق هؤلاء الأبناء على آبائهم أن يكونوا قريبين منهم طوال الوقت، مشيرا إلى أهمية استمرار التواصل بعد انجلاء المحنة، وألا تعود العلاقات بين افراد الأسرة لما كانت عليه من تباعد، خصوصا أن التحديات كبيرة في ظل ما يتوقع من تأثيرات سلبية في الجوانب الاقتصادية والتي تؤثر بلا شك في حياة الأسرة.