الاقتراض بات خياراً مراً.. لكنه الأقل ضرراً! ،،،، بقلم / عامر ذياب التميمي
أصبح عجز الميزانية أمراً واقعاً منذ أن بدأت أسعار النفط بالتراجع في عام 2014، لكن المشكلة في الكويت أن الإدارة الحكومية لم تتمكن من التعامل مع تراجع إيرادات النفط بما يعزز القدرة على تفادي العجز أو على الأقل الحد من تفاقمه. الأمور تعقدت هذا العام، خصوصاً مع تأثر البلاد، والعالم بوباء كورونا المستجد وتدهور الأوضاع الاقتصادية في مختلف بلدان العالم وانخفاض أسعار النفط بشكل دراماتيكي، بما زاد من معضلة البلاد وقدرتها على التعامل مع إيرادات نفط متدنية في الوقت الذي لم تتمكن من ترشيد الإنفاق خلال السنوات المنصرمة وفي ذات الوقت ارتفاع المخصصات لمواجهة تأثيرات الوباء على المجتمع ومؤسسات الأعمال وغياب الإرادة اللازمة لإنجاز مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي ظل يتردد في خطابات المسؤولين في الإدارة الحكومية. غنيٌ عن البيان أن الحديث عن مواجهة العجز في الميزانية العامة للدولة يتطلب التزامات واضحة تجاه الإصلاح الهيكلي واعتماد سياسات مالية تؤكد ترشيد الإنفاق وتوفير موارد مالية متنوعة للخزينة العامة. تظل مسألة تمويل العجز في الميزانية من الأمور الملحة على المدى القصير وتتطلب التعامل باحتراف وإبداع في الهندسة المالية، لا سيما مع طرّح اقتراحات عديدة بعد أن تم استنزاف الاحتياطي العام للدولة وبدأ مجلس الوزراء يلح على ضرورة استصدار قانون الدين العام ورفع هذا الدين إلى 20 مليار دينار. هناك أيضاً، من اقترح استخدام أموال صندوق احتياطي الأجيال القادمة، سواء من خلال تسييل الأصول أو قيام الصندوق باقتراض الاحتياطي العام للدولة. هذا ناهيك عن استرداد الأموال المتوفرة لدى الهيئات والمؤسسات التابعة للدولة، ومن أهمها مؤسسة البترول الكويتية، لكن هناك الكثير من المصاعب التي تواجه تطبيق مثل هذه الاقتراحات أو على الأقل تقلل من مدى نجاعتها. أما الاقتراح المقدم من مجلس الوزراء بوقف تخصيص نسبة عشرة في المئة من الإيرادات العامة للدولة لحساب احتياطي الأجيال القادمة في تقديري لا يدل على حصافة، وهو على كل حال لن يؤدي لتوفير أكثر من مليار دينار لا غير في هذه السنة المالية، بالإضافة لما يمثل هذا الاقتراح من انتهاك للفلسفة التي قام على أساسها ذلك الصندوق السيادي. الاقتراض يظل الخيار الأقل ضرراً ولن تتوفر السيولة الكافية لمواجهة الأعباء المعتمدة حتى الآن دون اللجوء لهذا الخيار المر، فإن عوامل الاقتراض قد تكون مناسبة حيث تدنت أسعار الفوائد بشكل قياسي وما زالت البلاد تتمتع بجدارة ائتمانية معقولة، بالرغم من التحفظات على الأداء الاقتصادي وغياب النهج الإصلاحي. كما أن إقرار قانون الدين العام ورفع سقف الدين العام إلى 20 مليار دينار لا يعني اقتراض المبلغ بكامله، بل إن الاقتراض سيجري حسب المتطلبات الإنفاقية، تظل بعد ذلك شروط مهمة للتعامل مع الديون المتوقعة، كيف سيجري الإنفاق؟ ما هي أبواب الصرف؟ كيف سيجري ترشيد الإنفاق؟ هل هناك خطة أو خطط أو إستراتيجية لتسديد الديون خلال زمن معقول؟ كيف سيجري تعزيز الإيرادات الحكومية؟ لا شك أن خدمة الديون سوف تصبح من بنود الميزانية العامة للدولة ويتعين التعامل مع هذا الأمر بجدية ودون استخفاف، بيد أن تلك المواجهة لاستحقاقات الدين العام تتطلب تبني إستراتيجية الإصلاح الهيكلي الشامل ودعم التوجهات المطروحة في مختلف الدراسات الاستشارية التي كلفت الدولة ملايين الدولارات والدنانير والتي أكدت على أهمية تحرير الدولة من المسؤوليات الثقيلة التي تضطلع بها وتحويل العديد من الأنشطة الخدمية والمرافق إلى ملكية وإدارة القطاع الخاص ضمن شروط وأنظمة تضمن الكفاءة والمنافسة الحرة وضمان توظيف الكويتيين في هذه المنشآت. إن الخطط الحكومية المقترحة التي تشمل مثل هذه التوجهات، تتطلب العزيمة والمواجهة السياسية لتطبيقها، يضاف إلى ذلك أن الإنفاق الرأسمالي يتطلب المراجعة الشاملة وتحديد الأولويات والتأكيد على المشاريع الأساسية التي لا غنى عنها، ومنها مشاريع الخدمات الصحية والتعليم والبنية الأساسية، وفي ظل التوجهات الهادفة لتعديل التركيبة السكانية واحتمال انخفاض عدد السكان إلى دون المستوى الحالي، فإن تطوير الخدمات والمرافق القائمة يظل خياراً أفضل من تشييد أو إقامة منشآت جديدة قد لا تكون ضرورية. يمكن، أيضا تعديل فلسفة الإسكان وتحرير الدولة من هذه المسؤولية وتحميلها للقطاع الخاص، أو المشاركة معه، من خلال آليات جديدة أكثر كفاءة وبما يوفر السكن للمواطنين بوسائل ناجعة وتخفيض التكاليف على المال العام. أما ابتداع آليات وأدوات جديدة لتوفير إيرادات غير نفطية سيظل من المسؤوليات الأساسية التي تتطلب تشريعات مناسبة ومبادرات حكومية رشيدة… وهكذا يمكن أن تصبح الاستدانة المطلوبة حاليا مسألة مؤقتة جرى التعامل معها باقتدار. شروط التعامل مع الديون المتوقَّعة: كيف سيجري الإنفاق؟ ما أبواب الصرف؟ كيف سيجري ترشيد الإنفاق؟ هل هناك خطط أو إستراتيجية لتسديد الديون خلال زمن معقول؟ كيف سيجري تعزيز الإيرادات الحكومية؟
عامر ذياب التميمي (مستشار وباحث اقتصادي)
القبس