مقاهي الكويت الشعبية.. عبق تاريخي ينافس التطور والحداثة
الكويت– النخبة:
رغم التطور والحداثة التي شملت مختلف أوجه الحياة في الكويت فإن وجدان الكويتيين ما زال يحتفظ بالحنين إلى الماضي وكل ما بقي منه من معالم وأماكن أبرزها المقاهي الشعبية التي شكلت جانبا مهما من النشاط الاجتماعي والاقتصادي ويؤمها المواطنون في أوقات فراغهم.
و(القهوة) كما يسميها الكويتيون قديما هي المكان الذي كان يقصده التجار ونواخذة الغوص والأهالي لتبادل الأحاديث وإجراء معاملاتهم التجارية من بيع وشراء واستضافة التجار القادمين من الخليج العربي بهدف التبادل التجاري وعقد الصفقات المختلفة.
وعن تاريخ المقاهي الشعبية في الكويت قديما قال الباحث في التراث الكويتي محمد جمال لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت إن أغلبية المقاهي آنذاك كانت عبارة عن دكاكين صغيرة أو (عرشان) وهي جمع (عريش) تفتح أبوابها من الساعة السابعة صباحا إلى العاشرة ليلا وتحتوي على مطبخ صغير يضم موقدا لعمل الشاي والقهوة ويوضع فيها عدد من الكراسي الخشبية التي تسع الواحدة منها لجلوس ثلاثة إلى أربعة أشخاص وكراسي إضافية خارج المقهى لجلوس الزبائن.
وأضاف جمال أن صاحب القهوة كان يقوم في معظم الأحيان بخدمة عملائه بنفسه وتقديم القهوة أو الشاي لهم فيما يوظف بعضهم (صبيانا) أي عمال عندما يزداد العمل.
وأوضح جمال أن المقاهي كانت في البدايات الأولى تقدم القهوة العربية فقط لروادها لكن بعضها بدأ يقدم الشاي بعد دخوله إلى الكويت للمرة الأولى في بداية القرن ال20 إضافة إلى تقديم شراب ال(شربت) وتدخين (القدو) أي النرجيلة وفيما بعد دخل ال(نامليت بوتيلة) وهو “شراب غازي كان يجلب من البصرة ثم بدأ بتصنيعه في الكويت المرحوم محمد بوشهري في عشرينيات القرن الماضي”.
وذكر أن شراب (النامليت) كان يوضع في (طشت) نحاسي أو برميل خشبي يملأ بالماء البارد الذي كان يستخرج من الآبار وتغطى زجاجات (النامليت) بخيشة مبللة بالماء لزيادة برودتها.
وبيت أنه في نهاية الثلاثينيات بدأت المقاهي استخدام الثلج لتبريد (النامليت) بعد أن بدأت ماكينة الغانم للثلج بإنتاجه وكانت زجاجات (النامليت) توضع بالثلج لتبريدها.
ولفت إلى أن المقاهي بدأت تتنافس بوضع (البشتختة) اي (الفونوغراف) لسماع الأغاني وفيما بعد تم إدخال الراديو لسماع الأغاني والأخبار وكان بعض رواد المقاهي يتسلون ببعض الألعاب الشعبية مثل (الدومنة) و(الدامة) ولعبة الورق الشهيرة (الكوت) حيث بدأت بعض المقاهي بتزويدهم بورق اللعب وحطب الدامة.
وقال جمال إن من الأماكن التي انتشرت فيها المقاهي في الماضي (الفرضة) و(ميناء الكويت القديم) و(سوق التجار) و(السوق الداخلي) و(براحة الصراريف) و(سوق الحرس) و(الصفاة).
وأضاف أن كل مقهى يتميز بمرتاديه من مختلف شرائح المجتمع بمعنى أن بعض المقاهي اشتهرا بروادها من أصحاب المهنة الواحدة كالنواخذة أو الطواويش أو البحارة أو التجار أو الشريطية أو الحمارة.
وأوضح أن (قهوة بوناشي) كانت من أشهر مقاهي الكويت وأقدمها وتقع غربي مدخل سوق التجار وتواجه مسجد السوق الكبير وكان يؤمها الشيوخ والتجار وكبار رجالات البلد وعلى رأسهم حاكم البلاد الذي كان يتوجه إليها يوميا مع حاشيته لقضاء بعض الوقت لشرب القهوة واستقبال المواطنين وسماع شكاواهم وحل الإشكالات والنزاعات التي تقع فيما بينهم.
كما ورد في كتاب (من هنا بدأت الكويت) للكاتب المرحوم خالد الحاتم أن الذي أسس (قهوة بوناشي) رجل من أهل الأحساء يقال له (أبو ناشي) في عهد الشيخ الراحل عبدالله بن صباح الحاكم الثاني للكويت وهو أشبه ما يكون بندوة عامة يلتقي فيها الأمير بأفراد رعيته واستمر ذلك حتى عهد الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر للبلاد.
وذكر الحاتم في كتابه أن من أشهر الأحداث التي شهدتها (قهوة بوناشي) المفاوضات التي جرت بين الشيخ الراحل سالم المبارك الصباح الحاكم التاسع للبلاد ووفد ابن رشيد بعد (حرب الجهراء) عام 1920.
إلى ذلك أوضح الباحث جمال أن (قهوة الطواويش) كانت أيضا من المقاهي القديمة في البلاد وكانت تقع في (سوق البدر) وهي عبارة عن حوش مغطى سقفه بالعريش واشتهرت منذ بداية إنشاء ذلك السوق في عهد الشيخ الراحل مبارك الصباح بأنها ملتقى لتجار اللؤلؤ حيث كان روادها يقضون أوقاتهم فيها لبيع وشراء اللؤلؤ من بعضهم بعضا لتصديره إلى الأسواق العالمية كالهند وأوروبا.
وأضاف أن (قهوة بوعباس) نسبة الى مالكها المرحوم رضا أشكناني (أبو عباس) كانت أيضا من المقاهي الشهيرة وموقعها على (السيف) في (فرضة الجولان) وكانت عبارة عن عريش كبير جدا من (البواري) أي الحصير المنسوج من القصب يأوي إليه النواخذة والبحرية والعمال والحمالون للاستراحة وشرب الشاي في أوقات راحتهم.
وذكر أن (قهوة بوعباس) كانت تفتح أبوابها بعد صلاة الفجر مباشرة عندما يتوجه إليها صاحبها بعد شرائه الحليب من أحد البيوت القريبة منها وفيها أبقار يبيعون منها الحليب واللبن.
وتابع جمال أن صاحب تلك القهوة كان يمتلك جملا يجلب به الماء صباح كل يوم لقهوته من (آبار الشامية) وكان يقدم الإفطار لرواد القهوة في الصباح الباكر وهو عبارة عن الخبز والحليب والشاي كما كان يفطر بها بعض العمال والبحارة قبل توجههم لعملهم في الفرضة.
وأضاف أن من الأمور التي تذكر عن بوعباس صاحب القهوة أنه كان مكلفا من قبل المرحوم الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت خلال الفترة بين عامي 1917-1921 بجلب (العشور) من أصحاب (الأبلام) جمع (بلم) وهي السفن الصغيرة القادمة من ايران والعراق في حين (العشور) هي ضريبة تبلغ نسبتها 10 في المئة كانت تفرض على بعض البضائع الواردة إلى الكويت من الخارج منذ عهد الشيخ الراحل مبارك الصباح.
أما (قهوة الدهن) فذكر جمال أنها كانت تقع في مدخل (سوق الدهن) المتفرع من السوق الداخلي والمقابل لبوابة (الصنقر) إحدى بوابات سور الكويت الثاني وكانت مقرا (للشريطية) وهم الأشخاص الذين يقومون بشراء البضائع من مصادرها الأصلية لإعادة بيعها على أصحاب المحلات أو المشترين الآخرين وتحقيق أرباح من وراء تلك العملية.
وقال إن نواخذة سفن السفر كانوا يتجمعون قديما في قهوة النواخذة (قهوة عبدالرحمن) وكان موقعها غرب مدخل السوق الداخلي قرب مسجد السوق الكبير وتقدم فيها القهوة العربية فقط.
وأضاف أن من المقاهي المشهورة قديما قهوة (مارضا) في منطقة القبلة على البحر غرب الفرضة وكان يقصدها النواخذة والبحارة وأصحاب (التشاشيل) من العاملين في نقل الصخور من منطقة عشيرج إلى المدينة لاستخدامها في بناء حوائط البيوت وأيضا (قهوة نويدر) نسبة إلى صاحبها نادر وهي تقع في سوق الحرس القديم المتفرع من سوق الغربللي وروادها من أصحاب المتاجر القريبة وكانت تقدم الشاي والقهوة و(النامليت).
وأشار جمال إلى أن (قهوة شعبان) كانت من أوائل المقاهي التي أدخلت الراديو وتقع في (ساحة الصراريف) أي الصرافين قرب سبيل الماء التابع للمرحوم (ابن دعيج) كما اشتهرت قديما (قهوة كرم) حيث كانت تقدم أجود أنواع الشاي لزبائنها وهي تقع قرب (سوق المناخ) القديم خلف (قهوة بوناشي) قرب من مسجد السوق الكبير.
ولفت إلى (قهوة عبدالغفار) التي اشتهرت قديما بوجود معمل صغير لصناعة شراب (النامليت) فيها حيث كان صاحب المقهى يمد عددا من المقاهي بالنامليت الذي يصنعه وهي تقع في (سوق الحرس) أما (قهوة جويدر) فتقع عند مدخل (سوق التناكة) “صناع الأواني والأدوات الأخرى من الصفيح” المؤدي إلى (سوق الغربللي).
وبين جمال أن (القهوة البرازيلية) اشتهرت في فترة الأربعينيات لتقديمها القهوة البرازيلية التي بدأت تصل الكويت آنذاك وكانت مقصد التجار والأغنياء وتقع في (السوق الداخلي).
وأكد أن (قهوة بن زنان) التي تقع في السوق الداخلي كانت تسمى بمقر الشبيبة لأنها شكلت في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي شبه منتدى لعدد من التجار والشباب إبان الحرب العالمية الثانية يتبادلون فيها الأحاديث والآراء المختلفة.
وحافظ الكويتيون في زمننا الحالي على المقاهي الشعبية بصيغتها القديمة مما يعد دليلا مهما وواقعيا على دور تلك المقاهي اجتماعيا وثقافيا وتراثيا وتعددت المقاهي وانتشرت في معظم مناطق البلاد.
ومن أبرز تلك المقاهي (مقهى قبلة) و (المقهى الشعبي) في شرق و(مقهى السالمية) و(مقهى أبو حليفة) و(مقهى الصليبخات) و(مقهى يوم البحار) التي تقع تحت إشراف الدولة وساهمت في المحافظة على تقاليد المجتمع وعاداته الأصيلة.
ولعل من أشهرها (مقهى سليمان الشميمري) الذي افتتح في 26 يوليو 1978 في منطقة شرق على شارع الخليج العربي وبجانبه سوق السمك القديم وميناء السفن الصغيرة.
وكان هذا المقهى في بداية إنشائه عبارة عن صالة كبيرة للعائلات وأخرى للرجال مبنية من الكيربي والخشب إلى جانب حديقة مخصصة للراحة والاستمتاع بالهواء الطلق وألعاب الأطفال.
ولا ننسى أنه كان للمقاهي في الكويت دور اجتماعي وسياسي وثقافي طوال تاريخها وقدمت التضحيات والبطولات التي سطرت بأحرف من نور في تاريخ الكويت.
فقد شهد مقهى الشميمري في 11 يوليو 1985 محاولة غادرة من بعض الإرهابيين الذين أرادوا زعزعة أمن البلاد حينما فجروا قنبلة في المقهى أسفرت عن سقوط عدد من الشهداء كان من بينهم مدير المقهى الشهيد سليمان الشميمري.
وعند بدء إنشاء سوق شرق الجديد انتقل المقهى مؤقتا إلى الساحة الترابية من عام 1995 حتى عام 2003 ثم أنشئ المقهى الجديد الموجود حاليا أمام مستشفى الأميري وتم افتتاحه عام 2000 في عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله حيث تم تغيير اسم المقهى ليصبح (مقهى الشهيد سليمان الشميمري).
ولم يقتصر عمل المقاهي الحديثة على تقديم الشاي والقهوة والنرجيلة كما في السابق بل تطورت لتقدم أصنافا من الأطعمة الشعبية الشهيرة في الكويت والحلويات إلى جانب المشروبات التقليدية والمستحدثة.
وتوفر بعض المقاهي الشعبية الحديثة خدمة ال (واي فاي) وألعاب البلاي ستيشن إلى جانب ألعاب شعبية قديمة كالدامة والدومنة والورق أو (الجنجفة) التي مازالت صامدة في وجه الزمن ومتغيرات العولمة ولها محبيها وروادها لاسيما من كبار السن.
مقاهي الكويت الشعبية.. عبق تاريخي ينافس التطور والحداثة
الكويت– النخبة:
رغم التطور والحداثة التي شملت مختلف أوجه الحياة في الكويت فإن وجدان الكويتيين ما زال يحتفظ بالحنين إلى الماضي وكل ما بقي منه من معالم وأماكن أبرزها المقاهي الشعبية التي شكلت جانبا مهما من النشاط الاجتماعي والاقتصادي ويؤمها المواطنون في أوقات فراغهم.
و(القهوة) كما يسميها الكويتيون قديما هي المكان الذي كان يقصده التجار ونواخذة الغوص والأهالي لتبادل الأحاديث وإجراء معاملاتهم التجارية من بيع وشراء واستضافة التجار القادمين من الخليج العربي بهدف التبادل التجاري وعقد الصفقات المختلفة.
وعن تاريخ المقاهي الشعبية في الكويت قديما قال الباحث في التراث الكويتي محمد جمال لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم السبت إن أغلبية المقاهي آنذاك كانت عبارة عن دكاكين صغيرة أو (عرشان) وهي جمع (عريش) تفتح أبوابها من الساعة السابعة صباحا إلى العاشرة ليلا وتحتوي على مطبخ صغير يضم موقدا لعمل الشاي والقهوة ويوضع فيها عدد من الكراسي الخشبية التي تسع الواحدة منها لجلوس ثلاثة إلى أربعة أشخاص وكراسي إضافية خارج المقهى لجلوس الزبائن.
وأضاف جمال أن صاحب القهوة كان يقوم في معظم الأحيان بخدمة عملائه بنفسه وتقديم القهوة أو الشاي لهم فيما يوظف بعضهم (صبيانا) أي عمال عندما يزداد العمل.
وأوضح جمال أن المقاهي كانت في البدايات الأولى تقدم القهوة العربية فقط لروادها لكن بعضها بدأ يقدم الشاي بعد دخوله إلى الكويت للمرة الأولى في بداية القرن ال20 إضافة إلى تقديم شراب ال(شربت) وتدخين (القدو) أي النرجيلة وفيما بعد دخل ال(نامليت بوتيلة) وهو “شراب غازي كان يجلب من البصرة ثم بدأ بتصنيعه في الكويت المرحوم محمد بوشهري في عشرينيات القرن الماضي”.
وذكر أن شراب (النامليت) كان يوضع في (طشت) نحاسي أو برميل خشبي يملأ بالماء البارد الذي كان يستخرج من الآبار وتغطى زجاجات (النامليت) بخيشة مبللة بالماء لزيادة برودتها.
وبيت أنه في نهاية الثلاثينيات بدأت المقاهي استخدام الثلج لتبريد (النامليت) بعد أن بدأت ماكينة الغانم للثلج بإنتاجه وكانت زجاجات (النامليت) توضع بالثلج لتبريدها.
ولفت إلى أن المقاهي بدأت تتنافس بوضع (البشتختة) اي (الفونوغراف) لسماع الأغاني وفيما بعد تم إدخال الراديو لسماع الأغاني والأخبار وكان بعض رواد المقاهي يتسلون ببعض الألعاب الشعبية مثل (الدومنة) و(الدامة) ولعبة الورق الشهيرة (الكوت) حيث بدأت بعض المقاهي بتزويدهم بورق اللعب وحطب الدامة.
وقال جمال إن من الأماكن التي انتشرت فيها المقاهي في الماضي (الفرضة) و(ميناء الكويت القديم) و(سوق التجار) و(السوق الداخلي) و(براحة الصراريف) و(سوق الحرس) و(الصفاة).
وأضاف أن كل مقهى يتميز بمرتاديه من مختلف شرائح المجتمع بمعنى أن بعض المقاهي اشتهرا بروادها من أصحاب المهنة الواحدة كالنواخذة أو الطواويش أو البحارة أو التجار أو الشريطية أو الحمارة.
وأوضح أن (قهوة بوناشي) كانت من أشهر مقاهي الكويت وأقدمها وتقع غربي مدخل سوق التجار وتواجه مسجد السوق الكبير وكان يؤمها الشيوخ والتجار وكبار رجالات البلد وعلى رأسهم حاكم البلاد الذي كان يتوجه إليها يوميا مع حاشيته لقضاء بعض الوقت لشرب القهوة واستقبال المواطنين وسماع شكاواهم وحل الإشكالات والنزاعات التي تقع فيما بينهم.
كما ورد في كتاب (من هنا بدأت الكويت) للكاتب المرحوم خالد الحاتم أن الذي أسس (قهوة بوناشي) رجل من أهل الأحساء يقال له (أبو ناشي) في عهد الشيخ الراحل عبدالله بن صباح الحاكم الثاني للكويت وهو أشبه ما يكون بندوة عامة يلتقي فيها الأمير بأفراد رعيته واستمر ذلك حتى عهد الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح الحاكم العاشر للبلاد.
وذكر الحاتم في كتابه أن من أشهر الأحداث التي شهدتها (قهوة بوناشي) المفاوضات التي جرت بين الشيخ الراحل سالم المبارك الصباح الحاكم التاسع للبلاد ووفد ابن رشيد بعد (حرب الجهراء) عام 1920.
إلى ذلك أوضح الباحث جمال أن (قهوة الطواويش) كانت أيضا من المقاهي القديمة في البلاد وكانت تقع في (سوق البدر) وهي عبارة عن حوش مغطى سقفه بالعريش واشتهرت منذ بداية إنشاء ذلك السوق في عهد الشيخ الراحل مبارك الصباح بأنها ملتقى لتجار اللؤلؤ حيث كان روادها يقضون أوقاتهم فيها لبيع وشراء اللؤلؤ من بعضهم بعضا لتصديره إلى الأسواق العالمية كالهند وأوروبا.
وأضاف أن (قهوة بوعباس) نسبة الى مالكها المرحوم رضا أشكناني (أبو عباس) كانت أيضا من المقاهي الشهيرة وموقعها على (السيف) في (فرضة الجولان) وكانت عبارة عن عريش كبير جدا من (البواري) أي الحصير المنسوج من القصب يأوي إليه النواخذة والبحرية والعمال والحمالون للاستراحة وشرب الشاي في أوقات راحتهم.
وذكر أن (قهوة بوعباس) كانت تفتح أبوابها بعد صلاة الفجر مباشرة عندما يتوجه إليها صاحبها بعد شرائه الحليب من أحد البيوت القريبة منها وفيها أبقار يبيعون منها الحليب واللبن.
وتابع جمال أن صاحب تلك القهوة كان يمتلك جملا يجلب به الماء صباح كل يوم لقهوته من (آبار الشامية) وكان يقدم الإفطار لرواد القهوة في الصباح الباكر وهو عبارة عن الخبز والحليب والشاي كما كان يفطر بها بعض العمال والبحارة قبل توجههم لعملهم في الفرضة.
وأضاف أن من الأمور التي تذكر عن بوعباس صاحب القهوة أنه كان مكلفا من قبل المرحوم الشيخ سالم المبارك الصباح حاكم الكويت خلال الفترة بين عامي 1917-1921 بجلب (العشور) من أصحاب (الأبلام) جمع (بلم) وهي السفن الصغيرة القادمة من ايران والعراق في حين (العشور) هي ضريبة تبلغ نسبتها 10 في المئة كانت تفرض على بعض البضائع الواردة إلى الكويت من الخارج منذ عهد الشيخ الراحل مبارك الصباح.
أما (قهوة الدهن) فذكر جمال أنها كانت تقع في مدخل (سوق الدهن) المتفرع من السوق الداخلي والمقابل لبوابة (الصنقر) إحدى بوابات سور الكويت الثاني وكانت مقرا (للشريطية) وهم الأشخاص الذين يقومون بشراء البضائع من مصادرها الأصلية لإعادة بيعها على أصحاب المحلات أو المشترين الآخرين وتحقيق أرباح من وراء تلك العملية.
وقال إن نواخذة سفن السفر كانوا يتجمعون قديما في قهوة النواخذة (قهوة عبدالرحمن) وكان موقعها غرب مدخل السوق الداخلي قرب مسجد السوق الكبير وتقدم فيها القهوة العربية فقط.
وأضاف أن من المقاهي المشهورة قديما قهوة (مارضا) في منطقة القبلة على البحر غرب الفرضة وكان يقصدها النواخذة والبحارة وأصحاب (التشاشيل) من العاملين في نقل الصخور من منطقة عشيرج إلى المدينة لاستخدامها في بناء حوائط البيوت وأيضا (قهوة نويدر) نسبة إلى صاحبها نادر وهي تقع في سوق الحرس القديم المتفرع من سوق الغربللي وروادها من أصحاب المتاجر القريبة وكانت تقدم الشاي والقهوة و(النامليت).
وأشار جمال إلى أن (قهوة شعبان) كانت من أوائل المقاهي التي أدخلت الراديو وتقع في (ساحة الصراريف) أي الصرافين قرب سبيل الماء التابع للمرحوم (ابن دعيج) كما اشتهرت قديما (قهوة كرم) حيث كانت تقدم أجود أنواع الشاي لزبائنها وهي تقع قرب (سوق المناخ) القديم خلف (قهوة بوناشي) قرب من مسجد السوق الكبير.
ولفت إلى (قهوة عبدالغفار) التي اشتهرت قديما بوجود معمل صغير لصناعة شراب (النامليت) فيها حيث كان صاحب المقهى يمد عددا من المقاهي بالنامليت الذي يصنعه وهي تقع في (سوق الحرس) أما (قهوة جويدر) فتقع عند مدخل (سوق التناكة) “صناع الأواني والأدوات الأخرى من الصفيح” المؤدي إلى (سوق الغربللي).
وبين جمال أن (القهوة البرازيلية) اشتهرت في فترة الأربعينيات لتقديمها القهوة البرازيلية التي بدأت تصل الكويت آنذاك وكانت مقصد التجار والأغنياء وتقع في (السوق الداخلي).
وأكد أن (قهوة بن زنان) التي تقع في السوق الداخلي كانت تسمى بمقر الشبيبة لأنها شكلت في فترة الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي شبه منتدى لعدد من التجار والشباب إبان الحرب العالمية الثانية يتبادلون فيها الأحاديث والآراء المختلفة.
وحافظ الكويتيون في زمننا الحالي على المقاهي الشعبية بصيغتها القديمة مما يعد دليلا مهما وواقعيا على دور تلك المقاهي اجتماعيا وثقافيا وتراثيا وتعددت المقاهي وانتشرت في معظم مناطق البلاد.
ومن أبرز تلك المقاهي (مقهى قبلة) و (المقهى الشعبي) في شرق و(مقهى السالمية) و(مقهى أبو حليفة) و(مقهى الصليبخات) و(مقهى يوم البحار) التي تقع تحت إشراف الدولة وساهمت في المحافظة على تقاليد المجتمع وعاداته الأصيلة.
ولعل من أشهرها (مقهى سليمان الشميمري) الذي افتتح في 26 يوليو 1978 في منطقة شرق على شارع الخليج العربي وبجانبه سوق السمك القديم وميناء السفن الصغيرة.
وكان هذا المقهى في بداية إنشائه عبارة عن صالة كبيرة للعائلات وأخرى للرجال مبنية من الكيربي والخشب إلى جانب حديقة مخصصة للراحة والاستمتاع بالهواء الطلق وألعاب الأطفال.
ولا ننسى أنه كان للمقاهي في الكويت دور اجتماعي وسياسي وثقافي طوال تاريخها وقدمت التضحيات والبطولات التي سطرت بأحرف من نور في تاريخ الكويت.
فقد شهد مقهى الشميمري في 11 يوليو 1985 محاولة غادرة من بعض الإرهابيين الذين أرادوا زعزعة أمن البلاد حينما فجروا قنبلة في المقهى أسفرت عن سقوط عدد من الشهداء كان من بينهم مدير المقهى الشهيد سليمان الشميمري.
وعند بدء إنشاء سوق شرق الجديد انتقل المقهى مؤقتا إلى الساحة الترابية من عام 1995 حتى عام 2003 ثم أنشئ المقهى الجديد الموجود حاليا أمام مستشفى الأميري وتم افتتاحه عام 2000 في عهد الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله حيث تم تغيير اسم المقهى ليصبح (مقهى الشهيد سليمان الشميمري).
ولم يقتصر عمل المقاهي الحديثة على تقديم الشاي والقهوة والنرجيلة كما في السابق بل تطورت لتقدم أصنافا من الأطعمة الشعبية الشهيرة في الكويت والحلويات إلى جانب المشروبات التقليدية والمستحدثة.
وتوفر بعض المقاهي الشعبية الحديثة خدمة ال (واي فاي) وألعاب البلاي ستيشن إلى جانب ألعاب شعبية قديمة كالدامة والدومنة والورق أو (الجنجفة) التي مازالت صامدة في وجه الزمن ومتغيرات العولمة ولها محبيها وروادها لاسيما من كبار السن.