في دول المؤسسات يكون انتقال السلطة سلساً لأنَّ المواثيق والنُّصوص تحكمه، وفي دولة راسخة دستورياً، مثل الكويت، كان انتقال الحكم من السَّلف الراحل العظيم الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، إلى خلفه صاحب السمو الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله، هادئاً طبيعياً مرَّ عبر القنوات الدستورية، كترجمة حقيقية للإرث الكويتي الطويل الذي يمتد الى أربعة قرون.
ومثل ما كانت ثقة الشعب كبيرة بالراحل الكبير فإنها لا شك كبيرة أيضا بصوت العقل سمو الأمير أبو فيصل المتواضع والقريب من أبناء الكويت كافة، صاحب الرؤية الثاقبة، والعامل بصمت وحكمة، ولأن المهمة كبيرة، كما قال سموه في نطقه السامي أمس، فإن الكويتيين ينتظرون الكثير من ولي أمرهم، خصوصاً أن أزمة “كورونا”، ومرض سمو الأمير الراحل قد أديا إلى سلسلة من المشكلات غير القابلة للتأجيل.
نعم، سمو الأمير إن “وطننا العزيز يواجه اليوم ظروفاً دقيقة وتحديات خطيرة لا سبيل لتجاوزها والنجاة من عواقبها إلا بوحدة الصف، وتضافر جهودنا جميعاً مخلصين من أجل العمل الجاد لخير ورفعة الكويت وأهلها الأوفياء”.
إن هذا البلد المبارك، بشعبه وحكامه، لا يمكن أن يقوم على التردد في القرار، كما شهدنا خلال الأشهر الماضية، خصوصاً في معالجة مجمل القضايا المتصلة بالشؤون اليومية للناس، لذا فإن أمام سمو الأمير اليوم الكثير من الخطوات على الصعد الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والسياسة الخارجية، وكلها تثقل كاهل صانع القرار إذا كانت هناك حكومة تفتقد الجرأة وتخاف الإقدام والحسم.
نحن اليوم في بلد أوصلت فيه المعالجات الحكومية الخاطئة الى ركود المياه حتى أَسِنت، فبات تحريكها ضرورة والتخلص من تبعات سلبية تسببت بها المراوحة مكاننا، بينما في العصر الحالي ليس هناك أي مجال للعب على عواطف الناس، أو الخضوع لرغبات ومصالح من يسعون الى تحقيق أهدافهم من خلال المؤسسات الدستورية والمال العام.
ولا شك ان تأكيد صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد على اعتزازنا بـ”دستورنا ونهجنا الديمقراطي” يفرض على السلطتين ترجمته بعمل جاد يقوم على الابداع في المعالجات، وهذا لا يتحقق إلا من خلال حكومة تستمد قوتها من صلابة صاحب السمو الأمير، الحكيم العادل، المؤمن بالقانون مساراً طبيعياً للتطور.
ما تحتاجه الكويت اليوم، وفي ظل العواصف العاتية التي يشهدها الإقليم أن تحصِّن ساحتها الداخلية بمزيد من الوحدة ونبذ الفرقة، ومنع التطاول على الجيران والأشقاء، إضافة الى تعزيز اللحمة الوطنية، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر إعلاء المصلحة الوطنية على مصالح القبلية والطائفية، وأن تسود لغة الحوار بين الكويتيين كافة.
صحيح أن المسؤولية كبيرة، لكن صاحب السمو الأمير الذي شارك طوال نحو ستة عقود حكماء الأمة في القرار والبناء، لديه من الحنكة والحكمة ما يعزز قوة هذا البلد، فهذا السيف المجرب لا بد أن يكون بتاراً حيث يجب البتر، وحاسماً حيث وجب الحزم.
الكويت، اليوم، تجدد العهد الوطني التاريخي بمبايعة سموه على السمع والطاعة، فنواف الأمل الناطق بلغة الحكمة يبدأ عهداً جديداً من تاريخ الكويت قائماً على تكاتف جهود الجميع في المضي قدماً بما يليق بهذا البلد الصغير بمساحته، الكبير برسالته وصلابة إرادة شعبه.
