غالبا ما يثير ذوو الاحتياجات الخاصة الشفقة في نفوس الآخرين، والتي تدفعهم الى تقديم العون والمساعدة، ولذلك كانوا محط اهتمام مختلف الجهات لمساعدتهم بصور مختلفة مثل انشاء الهيئات المختصة بذوي الإعاقة، وتخصيص حصص «كوتا» لهم في فرص العمل، ومنحهم الخصومات وغيرها، والتي أسهمت في تسهيل حياة هذه الفئة.
ولكن أن يكون ذوو الإعاقة هم من يبادرون إلى تقديم المساعدة والخدمة لمجتمعاتهم، فهي تجربة مميزة جسدتها حملة «وإحنا بعد وإياكم» ـ المبادرة الوطنية لذوي الاعاقة لمكافحة فيروس كورونا (كوفيد19)، التي أطلقتها الهيئة العامة لذوي الإعاقة في الكويت، بالتعاون مع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية وغيرها من الجهات، إيمانا منها بالقدرات والامكانيات التي يملكها ذوو الاحتياجات الخاصة، وحقهم في التعبير عن انتمائهم لمجتمعهم، ومنحهم الفرصة لإثبات قدراتهم على العطاء للوطن وخدمته في ظل الجائحة!
كان في الحديث عن الحملة وأرقامها وإنجازاتها وفكرتها، من مهندستها المهندسة عواطف السلمان، ما فيه من الروعة والشجون، والذي أعاد لي ذكرياتي المدرسية مع قصة «الكرسي» (The Chair) حينما جاء طالب معاق الى مدرسة وكان الآخرون كالعادة يهتمون به، وبمساعدته في التنقل والحركة، الى أن وصلوا الى المبالغة حين قام صديقه بشرح المعلومات الحسابية له دون أن يسأله! وعندها عاتب الطالب المعاق صديقه: «إن اعاقتي حركية وليست ذهنية فلا تزيدوا ألمي وإعاقتي!». وهكذا، فإن انخراط هذه الفئات لتكون فاعلة متفاعلة منتجة مؤثرة في مجالات أخرى متحررة من قيود الإعاقة، هو فرصة ثمينة من شأنها أن تنقل هذه الفئات الى عالم آخر يحسون فيه بوجودهم وحياتهم، وهو ما أعتقد أن من الممكن أن تعززه الحملة التالية التي أطلقتها نفس الجهات هذه الأيام بعنوان «حياتهم غالية»، المبادرة الوطنية لفرق الصحة النفسية لذوي الإعاقة، لدعم الجهود الحكومية للوقاية من فيروس كورونا، ومساندة ذوي الإعاقة، وتعزيز حقوقهم واندماجهم في المجتمع، وتوفير كل إجراءات الحماية والوقاية لهم، ودعم أسرهم نفسيا واجتماعيا وتأهيلها للتعامل مع ذوي الإعاقة في مثل هذه الظروف الحرجة التي تمر بها الكويت والعالم.
انطلاقا من قصة «كرسي المقعد» فإن القيمة المضافة التي يمكن أن تقدمها حملة «حياتهم غالية» لمساندة مجموعة من 52 ألفا من ذوي الاعاقات المختلفة المسجلة في الكويت، ليس فقط في باب التوعية بحقوق ذوي الإعاقة وضرورة مساعدتهم وأسرهم خلال الظروف العادية والاستثنائية، بل وكذلك الاستمرار في نقل هذه الفئة من وضعية المتلقي للمساعدة والعون للآخرين، الى وضعية العطاء وتقديم الخدمة للآخرين، وأن يكون ما يتلقونه من دعم حافزا لعطاء آخر منهم يسعدهم ويشعرهم بقوتهم.
