المنزل 55 – بقلم : م.أحمد عمر بالحمر
مرت الأيام الثلاثة، أيام العزاء، لكن لم ينته الحزن في داخلي، سيستمر طويلا لا أعلم إلى متى، خرجت للمشي في الأرجاء المحيطة للمنزل فهي من عاداتي التي أنمي فيها علاقاتي مع المكان ذاته قبل البشر، بدأتها في هذا الموقع منذ أكثر من عقد من الزمان، يأتي الجماد أولا في حياتي ومن ثم البشر.
أحببت الشارع والرصيف والأتربة وكل شيء في ذلك الحي، أحببت ذلك المنزل ومحطتي الأخيرة التي أضع فيها رحالي بعد التعب في آخر الشارع الواحد والأربعين.
لكن في ذلك اليوم كانت خطواتي حزينة لأن صاحب المنزل لم يعد موجودا فيه، ازداد الأسى عندنا اقتربت من الوصول الى ذلك المنزل، رفعت رأسي فكان ينتظرني في زاوية الطريق.
منزل له ذكريات عديدة، معه حفرت ذاكرتي ومخيلتي، فقد تعودت على الوصول قبله وانتظاره، أذكر خياله الطيب كذكراه حين يمر من يساري الذي أراه من خلال نافذة المجلس الكبير، أذكر حين كنت أنتظره خارج المسجد حتى يأتي ونذهب معا، أذكر ذهابنا معا إلى المقبرة يوم الجمعة في عز الصيف دون أن يلقي للحرارة بالاً أو أهمية، أذكر أول لقاء لي به، لا أخفي هذا عن أحد فقد أحببته قبل رؤيتي لابنته والتي هي زوجتي وأم أولادي، أذكر وأذكر وأذكر…..
عندما خرجت لتحريك قدمي في ذلك اليوم شعرت بأنني كنت أبلغهم أنه رحل، «الجمادات» أخبرت الرصيف فبكى، وأخبرت الشارع فتصدع، وأخبرت أعمدة الإنارة فانطفأت قليلا ثم اشتعلت كي لا أشعر بالخوف والوحدة، وساورني الخوف بأنني قد لا أراهم جمادات الحي مرة أخرى، هل سيكون وداعا قريبا أم بعيدا؟
علمتني الحياة أنه كلما زاد قربك من شخص وحبك له، صار التعبير لك عن حبه وامتنانه أصعب، فليسامحني «البصمة» على كلماتي التي لم توفه حقه، زرعت محبتك في قلوب الكثير التي انفجرت باكية حين سمعت بالخبر، النبأ الحزين، أدعو له بالرحمة والمغفرة فهو يستحق ذلك، وهناك كثير سيفعل أكثر من الدعاء دون الحاجة بأن نخبرهم بذلك.
رحمك الله يا عمي رحمك الله بوخالد.