أحمد الجار الله يكتب : يا حكام الخليج… عُمر بن عبدالعزيز قتله العرب وبكاه الروم
تقي ورع، تربى في كنف عائلة الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، لم يحد عن الحق يوماً، ولم تغره السلطة فكان يكره أن يتولى فيها منصباً، لكنه في الوقت ذاته وجد نفسه مدفوعاً إليها بضغط أسرة الحكم الأموية، وعاش حياته زاهداً، كرهه الحجاج بن يوسف الثقفي بسبب صرامته وتمسكه بالعدل، حتى لو كان على نفسه، هذا هو خامس الخلفاء الراشدين، عمر بن عبدالعزيز الذي قتله العرب وبكت عليه الروم.
كان له أثر كبير في نصح الخلفاء وتوجيه سياستهم بالرأي والمشورة، فأَجَلَّه عمه عبد الملك بن مروان وأُعجب بنباهته أثناء شبابه، مما جعله يقدمه على كثير من أبنائه، وزوَّجه ابنته فاطمة، فيما عينه شقيقها سليمان ولياً لعهده رغماً عنه، وبعدها أصبح الخليفة الأموي الثامن، وفور توليه زمام الحكم، طلب من زوجته أن ترسل جواهرها إلى بيت المال، مخيِّراً إياها بينه وبين تلك التي كان يراها مجلبة للمتاعب والشقاق.
قبل توليه كانت الدولة الأموية تغرق في الفساد، وكثُرت فيها القلاقل، فأَصدر أَمراً عزل بموجبه كل عماله على الولايات، وعاقب المرتشين وسراق المال العام، والانتهازيين، وطلب من الأمراء الأمويين أن يعيدوا إلى بيت مال المسلمين كل ما حصلوا عليه من أراضٍ ومجوهرات بغير حق.
في خطبته الأولى بعد استخلافه قال:” أيها الناس، إني قد ابتُلِيت بهذا الأمر عن غير رأي كان مني فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم”. فصاح الناس:” قد اخترناك يا أمير المؤمنين ورضينا بك، فولِّ أمرنا باليمن والبركة”؟
حينها أضاف:” أيها الناس، من صحبنا فليصحبنا بخمس وإلا فلا يقربنا: يرفع إلينا حاجة من لا يستطيع رفعها، ويعيننا على الخير بجهده، ويدلنا من الخير على ما نهتدي إليه، ولا يغتابن عندنا الرعية، ولا يعترض في ما لا يعنيه. إن هذه الأمة لم تختلف في ربها عز وجل، ولا في نبيها ولا في كتابها، وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحداً باطلاً، ولا أمنع أحداً حقاً، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم”.
كان ذلك في سنة 99 هجرية، وحينها بدأ حكمه بسلسلة من الإجراءات الحازمة التي لا يمكن لأي كان مخالفتها مهما علا منصبه، أو دنت قرابته من الخليفة، ولذلك بدأت الدولة التي كانت تمتد على مساحات شاسعة من العالم القديم في النهوض مجدداً، وأخذت العجلة الاقتصادية بالدوران، ونظم جباية الزكاة وتوزيعها على المحتاجين الى حد لم يبق فقير في الامبراطورية، ويروى أنه حين لم يجد القيّمون على بيت المال فقراء، وأبلغوه بذلك قال:” انثروا حبوباً على رؤوس الجبال حتى لا يقال إن في عهد عمر جاع طير أو دابة في أرض الخلافة”.
لم يبق في عهده مديون، وأُخليت السجون من الغارمين لأَن بيت المال تكفَّل بدفع ما عليهم الى الدائنين، ولم يفرض على أحد منع سفر إلى خارج حدود ولايات الدولة، وحُورب الربا، بل أنزل العقاب العادل بالمرابين الذين كانوا يرهقون الناس بفوائدهم الحرام.
كما احترم حقوق الإنسان، وذوي الاحتياجات الخاصة؛ فقد جعل للمرضى خدماً يقومون على راحتهم، وعيّن لكلّ خمسة أيتامٍ خادماً، وعيّن لكل أعمى خادماً يعينه ويقضي حاجته، ومما يحسب له أنه أسقط الجزية عن أهالي البلاد المفتوحة، فقد كان معنياً أكثر بهدايتهم للإسلام. وقال في ذلك: “إن الله بعث محمداً هادياً، ولم يبعثه جابياً”.
لم يستمر حكم عمر بن عبدالعزيز أكثر من سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، إذ مات مسموماً على يد أحد خدمه الذي استأجره بعض الأمويين المعارضين للخليفة، فدس له السم بالشراب، وبعد أن شربه، وعلم بالأمر أرسل في طلب الخادم، وسأله كم أخذت ثمناً لقتلي”؟ أجابه:” ألف دينار”، فقال آمراً:” رُدَّها إلى بيت مال المسلمين، فهذا مال حرام عليك، وقد عفوت عنك، فاذهب الى حيث تريد، لا أُريد أن أحمل إِثمك يوم الدين”..
حين انتشر خبر موت عمر بن عبدالعزيز جمع ملك الروم البيزنطيين حاشيته وقال باكياً:” لقد مات الرجل الصالح ملك العرب عمر بن عبدالعزيز، العادل المؤمن المحب للسلام”.
لم تدم الدولة الأموية بعد موته ثلاثين سنة، إذ عادت إلى الغرق في الفساد والاستيلاء على حقوق الناس، حتى كثرت فيها الفتن والخروج على الولاة في الأمصار، فالانتهازية أغرت كثيرين من بني أُمية الذين لم يروا في الحكم إلا المال والمنافع الشخصية، ولم يلتفتوا الى ما تحقق في عهد بعض الخلفاء من بسط سيطرة المسلمين على مساحات كبيرة من العالم، ولا إلى العدل الذي هو أساس الملك