احمد الجارالله يكتب القروض… أولى الأزمات واجبة الحلِّ أمام القيادة الجديدة
القروض… أولى الأزمات واجبة الحلِّ أمام القيادة الجديدة
بقلم أحمد الجارالله:
من المُتعارف عليه أن لكل قيادة جديدة تطلعاتها ومرئياتها، حتى لو كانت استمراراً لما سبقها، والشعب الكويتي اليوم أمام مرحلة سياسية جديدة- قديمة، ونحن من صلب دورنا الإعلامي تسليطُ الضَّوء على القضايا التي تشكل مصدر إزعاج للشعب الذي ينتظر أن يصل صوته إلى صانع القرار، وعلى هذا الأساس نضع اليوم أمام القيادة واحدة من الأزمات التي تشغل غالبية الكويتيين، وتؤثر مباشرة على أوضاعهم الحياتية والاجتماعية.
القروض هاجسٌ يوميٌّ يؤرق نحو ثلثي الناس في هذا البلد، إذ إنَّ عدد أوامر الضبط والإحضار ضد المدينين، بلغ 80 ألفاً، فيما منع السفر تخطى حاجز الـ120 ألفاً، وهو رقم صادم إذا قورن بعدد الكويتيين.
لا بد من القول: إن التنكيل الذي يمارس من الدائنين على المدينين في هذا الشأن بلغ مداه، إلى حدٍّ باتت الإجراءات التعسفية أقرب إلى العبث منها إلى الواقعية، لذا لا بد من النظر إلى القضية كعامل هدم اجتماعي، فعندما يُلقى القبض على شخص لا تتعدى مديونيته ألف دينار أو حتى عشرة آلاف، ويلقى في السجن، سيؤدي ذلك إلى طرده من وظيفته، وقطع مصدر رزقه، وستعاني أسرته الكثير، فالغارم المسجون من أين سيدفع؟
هذا الأمر لا يحصل إلا في الكويت، أضف إلى ذلك أن منع السفر يناقض حقوق الإنسان المثبتة بالمعاهدات الدولية والموقعة عليها الكويت، ولنفترض أن المديون مطالب بعشرة أو عشرين أو حتى ثلاثين ألف دينار، فهل يُعقل أن يهرب من بلده من أجل هذا المبلغ؟
في هذا الموضوع لا نتحدث عن الجنايات، إنما عن الجنح فيما الواقع والشرع والمنطق يقول إن من فرَّط بحقوقه هو المسؤول عنها، إذ كيف يقرض من لا قدرة له على السداد، وفي نحو 80 في المئة من هذه القضايا يكون الدائن مُدركاً تماماً لعدم قدرة المديون على السداد، وبالتالي فهو المطالب بإيجاد الحل وليس الضحية الذي أغوته الإغراءات الكثيرة ودفعته للحصول على قرض.
طوال السنوات الماضية شهدت هذه القضية كثيراً من الأخذ والرد، وحوَّلها البعض مسألة عدالة اجتماعية، كأنه بذلك يريد زيادة عدد الضحايا، مثلا لنفترض أن زلزالاً ضرب مدينة في دولة ما، فهل ستقف حكومتها مكتوفة اليدين أم ستهب لنجدتها؟ وهل سيخرج من يقول إن مساعدة المتضررين ليست أمراً عادلاً؟ بل إن المنطق يقضي بإغاثة كل المواطنين.
مرَّ العالم منذ العام 2008 بظروف سيئة أثرت على سكانه كافة، ولم تقف الأزمة المالية العالمية عند مؤسسات معينة، وبالتالي ارتفع عدد الغارمين غير القادرين على السداد، ولا شك أن الكويت تأثرت بذلك، وإذا كانت البنوك، كما في كل الدول، تبحث عن الربح فقط، فإنها عندنا استمرت بمُراكمة الفوائد على القروض المعدومة، حتى بعد اتخاذ الإجراءات القضائية ضد المعسرين، وزجهم بالسجون، أو منعهم من السفر، كما هي الحال مع أزمة سوق المناخ المستمرة منذ ثمانينات القرن الماضي.
منذ العام 1986 لايزال هناك ممنوعون من السفر، وكثير منهم توفاهم الله، بينما لدينا نحو سبعة مليارات دينار تحسب إلى اليوم ديوناً غير محصلة، وفوائدها تتراكم، بينما لا تقبل المؤسسات المعنية شطبها، فهل يعقل أن يبقى هذا الدين طوال 34 عاما، وأن تتضاعف فوائده إلى أرقام خيالية، بينما أصله ربما لا يتعدى بضعة ملايين من الدنانير؟
لذلك فإنَّ أمام ولي الأمر واحدة من أكثر القضايا حساسية اجتماعياً، وحلها بيده وهو بسيط جداً، فإما أن تسقط الدولة هذه القروض ولمرة واحدة، وإما أن تعيد جدولة الدَّيْن بعد إلغاء نسبة من الفوائد، أو أن تمدد فترة الدَّيْن مع خفضها، أي مثلا إذا كان القرض 40 ألف دينار، فإن عشرة آلاف منه فوائد، فلماذا لا يصار إلى خصمها، وبعدها يجري التقسيط على 30 سنة، فيما تضمن الدولة تلك الديون، وفي هذه الحال لن يكون هناك معسرون، والمدين يحصل على حقوقه، ويجري تنشيط الدورة المالية في البلاد؟
هذه واحدة من القضايا الشعبية التي تقض مضاجع عشرات آلاف الكويتيين، ولا يجب أن تخضع لمزاجية البخلاء والطامعين، أو الحاسدين الذين يسعون إلى الاستحواذ على كل شيء، وحلها سيحسب للقيادة السياسية التي يعلق الكويتيون عليها آمالاً كبيرة.
ثمة أزمات أخرى سنعرض لها تباعاً ونضعها أمام صاحب السمو الأمير وولي عهده، حفظهما الله، في سلسلة عن حديث الأزمات التي تُعانيها البلاد.