استئناف الإمدادات و«كورونا» يحدان مكاسب النفط
أدت الأحداث، بما في ذلك الأنباء الخاصة بصحة الرئيس الأميركي واستئناف الإمدادات من ليبيا، إلى تراجع أسعار النفط في بداية أكتوبر 2020، إلا أن تلك الفترة أعقبها تحقيق مكاسب متواصلة، على خلفية إضرابات عمال النفط في النرويج، والبيانات الاقتصادية المشجعة الصادرة من الهند والصين بصفة رئيسية.
ظلت أسعار النفط متقلبة خلال الأسابيع القليلة الماضية، في ظل ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19، مما أدى إلى تشديد عمليات الإغلاق في أجزاء عدة من العالم، بما في ذلك وسط غرب الولايات المتحدة وأوروبا.
وحسب تقرير صادر عن شركة كامكو إنفست، أدت الأحداث، بما في ذلك الانباء الخاصة بصحة الرئيس الأميركي واستئناف الإمدادات من ليبيا، إلى تراجع الأسعار في بداية أكتوبر 2020، إلا أن تلك الفترة أعقبها تحقيق مكاسب متواصلة على خلفية إضرابات عمال النفط في النرويج، وكذلك البيانات الاقتصادية المشجعة الصادرة من الهند والصين بصفة رئيسية، كما أدى انقطاع حوالي 1.67 مليون برميل يوميا، أو ما نسبته 92 في المئة من إمدادات النفط من خليج المكسيك الأميركي، على خلفية إعصار دلتا خلال الأسبوع الثاني من أكتوبر 2020، إلى تعزيز الأسعار.
اتجاه الأسعار منذ بداية العام
وساهم ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا في عودة المخاوف بشأن إعادة فرض عمليات الإغلاق مرة أخرى، كما يتضح من القيود الجديدة التي تم فرضها في المملكة المتحدة والتشيك، وكذلك علامات التحذير في فرنسا، وأجلت عدة دول في آسيا عودة فتح أنشطتها الاقتصادية بالكامل، في ظل تزايد حالات الإصابة، مما أدى إلى استمرار فرض القيود على الطيران الدولي، كما ظهرت بوادر إشارات تحذيرية من عدد من الجهات التي تنبأت بارتفاع حالات الاصابة خلال فصل الشتاء.
من جهة أخرى، فإن مأزق حزمة المساعدات الفدرالية لمواجهة تداعيات الجائحة وما قد يكون له من تأثير محتمل على الطلب على النفط الأميركي، ساهم في إبقاء أسعار النفط متقلبة، وفي الوقت ذاته واصل الاقتصاد الصيني انتعاشه، حيث أظهرت مبيعات التجزئة نموا للمرة الأولى خلال العام الحالي في أغسطس 2020.
واقترن هذا بانخفاض معدل البطالة، وتوسع نشاط قطاع الصناعات التحويلية، كما يتضح من أحدث البيانات الصادرة عن مؤشر مديري المشتريات، كما ارتفع مؤشر مديري المشتريات في الهند خلال سبتمبر 2020 إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ أكثر من 8 سنوات، وكان أداء المؤشر ايجابيا في الولايات المتحدة، وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بالشهر السابق.
وعلى صعيد العرض، امتدت إضرابات عمال قطاع النفط في النرويج، والتي بدأت نهاية الشهر الماضي، إلى 6 حقول نفطية بحلول الأسبوع الأول من أكتوبر 2020، مما أثر على حوالي 8 في المئة من الطاقة الإنتاجية للنفط في النرويج أو حوالي 330 ألف برميل يوميا.
وكان من المتوقع أن يتسع نطاق الإضرابات، إلا ان التقارير تشير إلى انتهائها بعد اجراء مفاوضات ناجحة مع النقابات المعنية. من جهة أخرى، استعادت الولايات المتحدة أنشطة الإنتاج بعد أن أثر إعصار دلتا على 17 في المئة من إجمالي الإنتاج اليومي للنفط الأميركي و5 في المئة من إنتاج الغاز الطبيعي، وشهد عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة انتعاشا مستمرا، بعد أن وصل العدد إلى أدنى مستوياته المسجلة في 15 عاما في منتصف أغسطس 2020.
ووفقا لأحدث البيانات الأسبوعية الصادرة عن شركة بيكر هيوز، ارتفع إجمالي عدد منصات الحفر في الولايات المتحدة بواقع 14 منصة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ليصل إلى 193 منصة، كما رفعت ليبيا حالة القوة القاهرة في العديد من منشآتها النفطية، واستأنفت الإنتاج الذي سرعان ما وصل إلى نحو 355 ألف برميل يوميا بحلول الأسبوع الثاني من أكتوبر 2020.
أما من حيث الطلب على النفط فقد ارتفع طلب الهند على الوقود في سبتمبر 2020 للمرة الأولى منذ 3 أشهر، على خلفية تخفيف القيود المتعلقة باحتواء الجائحة، وارتفع إجمالي استهلاك الوقود المكرر بنسبة 7.2 في المئة على أساس شهري، لكنه ظل أقل بنسبة 4.4 في المئة عن مستويات العام الماضي في سبتمبر 2020، كما تحسنت واردات الصين من النفط بنسبة 5.5 في المئة على أساس شهري في سبتمبر 2020، لتصل إلى 11.8 مليون برميل يوميا.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط
بعد تراجع أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها المسجلة في 3 أشهر ببداية أكتوبر 2020، تمكنت أسعار العقود الفورية من استعادة مستوى 40 دولارا للبرميل خلال الأسبوع الثاني من الشهر، بعد أنباء عن خفض الإمدادات القادمة من الولايات المتحدة، على خلفية إعصار دلتا واضرابات عمال القطاع النفطي في النرويج.
إلا انه تم كبح جماح المكاسب بعد استئناف إنتاج النفط الليبي، إلى جانب الاتجاهات المختلطة المتعلقة بالطلب على النفط، في ظل عودة ظهور حالات الاصابة بفيروس كورونا، وعلى الرغم من ذلك أدت المخاوف على جبهة الطلب إلى انخفاض متوسط أسعار النفط خلال سبتمبر 2020 بصفة عامة.
وبلغ متوسط سعر العقود الفورية لخام أوبك 41.54 دولارا للبرميل، بعد انخفاضه بنسبة 8.1 في المئة على أساس شهري، فيما يعد أول انخفاض يسجله في ستة أشهر، وكان تراجع سعر الخام الكويتي أقل قليلا، حيث انخفض بنسبة 6.6 في المئة على أساس شهري، وبلغ في المتوسط 42.1 دولارا للبرميل، في حين شهد سعر مزيج خام برنت انخفاضا بمستوى أكبر بكثير بلغت نسبته 9.4 في المئة، ووصل في المتوسط إلى 40.6 دولارا للبرميل.
على صعيد آخر، أصدرت “أوبك” ووكالة الطاقة الدولية توقعاتهما طويلة الأجل لسوق النفط الأسبوع الماضي، والتي أظهرت أن “أوبك” كانت أكثر تفاؤلا نسبيا مقارنة بتوقعات وكالة الطاقة الدولية فيما يتعلق بتعافي الطلب بعد جائحة كوفيد 19. ووفقا لمنظمة أوبك، من المتوقع أن يصل الطلب العالمي على النفط إلى مستويات ما قبل الجائحة عام 2022، وأن يشهد نموا حتى أواخر عام 2030، ومن المتوقع بعد ذلك أن يظهر ثباتا على مستوى الطلب.
تستبعد شركة “أوكسيدنتال بتروليوم” أن يصل إنتاج النفط الأميركي إلى القمة القياسية المسجلة عند 13 مليون برميل يومياً في وقت سابق من هذا العام، قبل أن يتعرض الطلب العالمي لضغوط بفعل الوباء.
وقالت الرئيسة التنفيذية لشركة النفط الأميركية فيكي هولوب، في منتدى “إنرجي إنتليجنس”، إنه سيكون من الصعب تعويض مليوني برميل يومياً من الإنتاج النفطي المفقود، ومن ثم زيادة النمو بعد ذلك.
وأضافت أنه خلال الثلاثة إلى الأربعة أعوام القادمة ستكون هناك استعادة معتدلة في الإنتاج، ولكن ليس بمعدل نمو مرتفع.
وأشارت هولوب إلى أن الاستهلاك العالمي يبلغ حوالي 94 مليون برميل يومياً، لكن العودة لمستوى 100 مليون برميل ستحتاج إلى توفير لقاح ضد وباء “كوفيد-19” قبل أن يعود إلى 100 مليون برميل يومياً.
وخفضت “أوبك” أيضا تقديراتها للطلب طويل الأجل بأكثر من مليون برميل يوميا مقارنة بتوقعاتها السابقة، إذ تتوقع الآن أن يرتفع الطلب العالمي على النفط من 99.7 مليون برميل يوميا عام 2019 إلى 109.3 ملايين عام 2040، ثم ينخفض هامشيا إلى 109.1 ملايين عام 2045.
من جهة أخرى، حذرت وكالة الطاقة الدولية من أن الجائحة سيكون لها تأثير دائم على سوق النفط، ومن المتوقع أن يتعافى الطلب إلى مستويات ما قبل الجائحة فقط في عام 2023، بشرط السيطرة على الجائحة العام المقبل، مضيفة أنه من المتوقع أن يستقر الطلب على النفط بعد عام 2030، ومن المتوقع أن تكون مستويات الذروة أقل بكثير من التوقعات السابقة.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يرتفع الطلب على النفط بمقدار 0.75 مليون برميل يوميا في المتوسط حتى عام 2030، ليصل إلى 103.2 ملايين برميل يوميا، أي أقل بنحو مليوني برميل يوميا عن توقعاتها السابقة، إلا أنه على صعيد العرض، فإن انخفاض الاستثمارات الرأسمالية في أنشطة التنقيب الجديدة بالولايات المتحدة، وكذلك تراجع أسعار النفط التي أثرت على الأداء المالي للشركات العاملة في مجال النفط قد يساهم في الحد من نمو الإنتاج خلال السنوات القادمة.
الطلب على النفط
ظلت تقديرات نمو الطلب العالمي على النفط عند نفس مستويات الأشهر السابقة دون تغيير يذكر، مع توقع انخفاض قدره 9.5 ملايين برميل يوميا عام 2020، ليصل إلى 90.3 مليونا خلال العام، وتم تعديل الطلب الخاص بالدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وخفضه بمقدار 0.06 مليون برميل يوميا للعام الحالي، ليصل إلى 42.9 مليونا، أي بانخفاض قدره 4.84 ملايين برميل يوميا.
ويعكس خفض تلك التقديرات المراجعة السلبية للطلب على وقود النقل في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا خلال النصف الثاني من عام 2020، على خلفية ضعف الطلب خلال موسم الصيف، وقابل ذلك انخفاض الطلب بوتيرة أقل مما كان متوقعا خلال النصف الأول من عام 2020، على خلفية ثبات معدلات الطلب على المواد البتروكيماوية الخام في الولايات المتحدة وزيادة إعادة تخزين وقود التدفئة في أوروبا.
واصل إنتاج أوبك من النفط ارتفاعه للشهر الثالث على التوالي، وإن كان بمستويات هامشية، بعد قيام 10 من أصل 13 دولة من منتجي المنظمة رفع الإنتاج خلال الشهر، وفقا للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرغ، حيث ارتفع متوسط الإنتاج بمقدار 40 ألف برميل يوميا، أو بنسبة 0.16 في المئة خلال الشهر، ليصل إلى 24.43 مليونا، وفقا لبيانات الوكالة، بينما قدرت أوبك الإنتاج خلال الشهر عند مستوى 24.11 مليونا.
وسجلت الإمارات أعلى معدل لخفض الإنتاج، بعد أن قلصت إنتاجها بمقدار 310 آلاف برميل يوميا خلال الشهر للامتثال لاتفاقية أوبك وحلفائها، ولحقت بها نيجيريا وغينيا الاستوائية بتخفيض إنتاجهما خلال الشهر بإجمالي 50 ألف برميل يوميا، وقابل تلك الجهود لخفض الإنتاج قيام العراق وفنزويلا وليبيا برفع إنتاجها، بينما كان الإنتاج في بقية دول أوبك هامشيا.
في الوقت ذاته، تم رفع تقديرات الطلب للدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هامشيا بمقدار 0.05 مليون برميل يوميا، ليصل التراجع إلى 4.63 ملايين خلال عام 2020، مع توقع أن يصل متوسط الطلب إلى 47.39 مليونا خلال العام، وعكست المراجعة تحسن مستويات الطلب من الصين بصورة أفضل مما كان متوقعا، على خلفية ارتفاع الطلب على الوقود الصناعي في ظل تعافي البلاد من تداعيات الجائحة.
وبالنسبة لعام 2021، تم خفض توقعات نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 0.08 مليون برميل يوميا، ومن المتوقع الآن أن ينتعش الطلب إلى 96.8 مليون برميل يوميا، مسجلا نموا قدره 6.54 ملايين برميل يوميا، مما يعكس انخفاض معدلات النمو الاقتصادي لكل من الدول التابعة وغير التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
عرض النفط
وانخفض الإنتاج العالمي من السوائل النفطية في سبتمبر 2020 بمقدار 0.06 مليون برميل يوميا، وبلغ في المتوسط 90.71 مليونا، ويعزى هذا الانخفاض بصفة رئيسية إلى تراجع هامشي في إنتاج الدول غير التابعة لمنظمة أوبك، خاصة البرازيل وكازاخستان، بإجمالي 0.01 مليون برميل يوميا، ليصل في المتوسط الى 66.6 مليونا، إضافة إلى استمرار تراجع إنتاج دول أوبك. نتيجة لذلك، انخفضت حصة أوبك هامشيا خلال الشهر لتصل إلى 26.6 في المئة.
وتم تعديل توقعات الإمدادات من خارج أوبك مجددا، ورفعها بمقدار 0.31 مليون برميل يوميا، على خلفية تحسن إنتاج السوائل النفطية الأميركية بمستويات أعلى مما كان متوقعا. نتيجة لذلك، من المتوقع الآن أن ينخفض المعروض من السوائل النفطية من خارج أوبك بمقدار 2.4 مليون عام 2020، ليصل في المتوسط إلى 62.8 مليونا.
وتم رفع تقديرات المعروض النفطي من الولايات المتحدة بمقدار 316 ألف برميل يوميا، في أحدث التقديرات الصادرة، إضافة إلى رفع توقعات كل من غيانا (85 ألف برميل يومياً) وروسيا (24 ألفا) والصين (13 ألفا)، وقابل ذلك خفض توقعات الامدادات الخاصة بكل من البرازيل (-19 ألف برميل يومياً) وكندا (18 ألفا) وتايلند (10 ألفا).
أما بالنسبة لعام 2021 فقد تم خفض توقعات العرض من خارج أوبك بمقدار 0.11 مليون برميل يوميا، مما يعكس توقع انخفاض امدادات الولايات المتحدة (-102 ألف برميل يوميا) وروسيا (24 ألفا)، وهو الأمر الذي قابله جزئيا زيادة العرض من غيانا (+34 ألف برميل يومياً) والصين (+12 ألفا) وأستراليا والمملكة المتحدة.
قال محمد باركيندو الأمين العام لـ»أوبك» أمس، إن تحالف «أوبك+» سيضمن ألا تهوي أسعار النفط بقوة مجددا، حين يجتمع لوضع السياسة في نهاية نوفمبر.
جاءت تصريحات باركيندو رداً على سؤال بشأن ما إذا كان هناك مجال لزيادة مزمعة في إنتاج النفط اعتبارا من يناير من جانب «أوبك+»، المجموعة التي تضم دول «أوبك»، وروسيا، وحلفاء آخرين.