العراق: الانسحاب الأميركي قد يزيد نفوذ «حلفاء طهران»
حذّر تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي من أن إيران تحاول «لبننة» العراق، حيث تسعى للسماح لحكومة موالية للغرب بالحكم نظرياً، في حين تكون السلطة الحقيقية في أيدي ميليشيات مدعومة من قبلها، مشيراً إلى أنها تسعى إلى استنساخ تجربة «حزب الله» اللبناني، عبر دعم «كتائب حزب الله العراقية»، و«عصائب أهل الحق».
عقب إصدارها بيانات إدانة ونأي بالنفس عن استهداف البعثات الدبلوماسية والقوات الأجنبية لإفساح المجال أمام إنهاء الوجود الأميركي العسكري بالعراق دبلوماسياً، رأى خبراء بالعلاقات الخارجية الأميركية أن الفصائل العراقية المسلحة المدعومة من إيران تتربص لتوسيع نفوذها بالبلد العربي، في وقت يبدو أن إدارة «البيت الأبيض» تقف في منتصف عملية إجلاء نفسها من بغداد.
وقال الخبير في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ماكس بوت، إن واشنطن أعلنت أخيراً خططا لخفض عدد القوات الأميركية في العراق من 5200 جندي إلى 3000 جندي، وفي أواخر سبتمبر الماضي، هدد وزير الخارجية مايك بومبيو بإخلاء السفارة الأميركية بالكامل في بغداد إذا استمرت الهجمات التي تشنها قوات تعمل بالوكالة لحساب الجمهورية الإسلامية. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن الهجمات الصاروخية على السفارة الأميركية والمنشآت العسكرية الأميركية في العراق قد توقفت، إلا أن الهجمات بعبوات ناسفة على القوافل التي يديرها العراق، والتي تزود القوات الدبلوماسية والعسكرية الأميركية بالإمدادات استمرت.
وجاء في تقرير نشره مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، أن خفض التصعيد هذا ربما يرجع إلى رغبة الجمهورية الإسلامية في تجنب أزمة، قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، المقررة 3 نوفمبر المقبل، قد تساعد في إعادة انتخاب الرئيس ترامب، الذي يتبنى سياسة الضغوط القصوى ضدها. والآن، عرضت الميليشيات تعليق الهجمات الصاروخية على القوات الأميركية إذا قدمت الحكومة العراقية جدولاً زمنياً لانسحاب تلك القوات.
منطق وتهور
وفي هذا الإطار، قد يكون من المنطقي بالنسبة لواشنطن تقليص بعثتها الدبلوماسية، حيث انها تعد الأكبر في العالم، إلا أن سحب كل قواتها أو دبلوماسييها، سيكون عملاً متهوراً. وسيتسبب، في الواقع، في منح إيران ما تريده بالضبط. ومادامت القوات الأميركية في العراق، فستتمكن من مواجهة النفوذ الإيراني، الذي لايزال كبيراً وغير منقوص رغم كل العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران.
وحذر التقرير من أن إيران تحاول «لبننة» العراق، حيث تسعى للسماح لحكومة موالية للغرب بالحكم نظرياً، في حين تكون السلطة الحقيقية في أيدي ميليشيات مدعومة من قبلها. وتسعى الجمهورية الإسلامية إلى استنساخ تجربة «حزب الله» اللبناني، عبر دعم «كتائب حزب الله العراقية»، و«عصائب أهل الحق».
وكان أهم عمل للكشف عن نفوذ الميليشيات الإيرانية هو ما قام به هشام الهاشمي، الباحث العراقي الذي عمل مستشاراً للحكومة العراقية، وقاتل في وقت من الأوقات كمتمرد ضد القوات الأميركية.
إلا أن الهاشمي دفع حياته ثمناً لأبحاثه، حيث اغتاله مسلحون في يوليو الماضي، فيما ينظر إليه على نطاق واسع على أنها عملية نفذتها عناصر تتبع «الحشد الشعبي».
آخر محاولة
ومنذ أن تم القضاء على خلافة «داعش» في الموصل، إلى حد كبير في عام 2017، كان رؤساء الوزراء يحاولون، دون نجاح يذكر، تقليص قوة «الحشد»، الذي كان سبب وجودها محاربة المتطرفين السنة.
وكان آخر من حاول تقليص قوة «الحشد» مصطفى الكاظمي، وهو رئيس سابق للاستخبارات وصل إلى منصب رئيس الوزراء في مايو بعد احتجاجات شعبية على الفساد والبطالة. وفي أواخر يونيو، أمر الكاظمي باعتقال 14 من أعضاء «كتائب حزب الله». لكن بعد أن دخل مسلحون في شاحنات صغيرة إلى «المنطقة الخضراء» في بغداد حيث مقر الحكومة وطالبوا بالإفراج عنهم، تم إطلاق سراح معظم المعتقلين، ثم تم تصويرهم في وقت لاحق وهم يحرقون الأعلام الأميركية، ويدوسون على صور الكاظمي.
ويتعين على واشنطن أن تستمر في دعم الكاظمي، الذي يعتبر أكثر رئيس وزراء موال للغرب بالعراق منذ سقوط الديكتاتور صدام حسين. وهو أفضل رهان ليس فقط لكبح جماح وكلاء الجمهورية الإسلامية، لكن أيضا لمنع عودة ظهور «داعش» الذي يتردد أن لديه عشرة آلاف مقاتل في العراق وسورية واحتياطيات مالية لا تقل عن 100 مليون دولار.
ويشدد الخبراء على ضرورة أن تستمر الولايات المتحدة في الضغط من أجل دولة عراقية غير طائفية، لتجنب لجوء السنة إلى تشدد «داعش» بمواجهة تمدد نفوذ الفصائل الشيعية الموالية لإيران. ولا يمكن القيام بذلك إلا إذا حافظت إدارة «البيت الأبيض» على وجود كبير على الأرض، ثلاثة آلاف جندي كحد أدنى، على الرغم من مخاطر الهجمات المدعومة من طهران التي تسعى للثأر بعد قتل واشنطن قاسم سليماني وأبومهدي المهندس يناير الماضي قرب مطار بغداد.