أحمد الجارالله يكتب: من هيروهيتو إلى خامنئي حرب “مقدسة” ونهاية واحدة
بات واضحا أن الجدل في مسألة من يسكن البيت الأبيض للسنوات الأربع المقبلة لم يعد يقدم أو يؤخر، فالأمر حُسم للمرشح الديمقراطي جو بايدن، والعرب الذين فرحوا بسقوط دونالد ترامب، وهللوا للديمقراطيين، يبدو أنهم قصار نظر في السياسة الأميركية، ولا يعرفون تاريخ “حزب الحمار” في الشرق الأوسط عموما، والعرب خصوصا، ولا يدركون أن التشدد الظاهري الذي أبداه “الفيل الجمهوري” سيقابله تشدد ديمقراطي مقنع، لا قِبل لهم على تقبله.
منذ اليوم الأول للمعركة الانتخابية، كشف بايدن عن وجهه، وأعلن صراحة رؤيته للمنطقة، فهو لن يهادن الإرهابيين “الإخوان” على غرار ما فعله سلفه أوباما، وكذلك لن يكون ليِّناً مع إيران، لا سيما أن الأجهزة الأميركية المعنية تدرك جيدا أن نظام الملالي هو العامل المحرك الأول لتنظيم القاعدة، الذي لم تشفِ الولايات المتحدة غليلها منه بعد على ما اقترفه في 11 سبتمبر 2001، كما تدرك أيضاً أن إيران هي من ابتدعت “داعش” على شاكلة بقية العصابات الإرهابية، بدءاً من “حزب الله” اللبناني وصولا إلى كل الميليشيات الطائفية في العراق وسورية واليمن وغيرها.
لقد كان بايدن واضحا في موقفه من الاتفاق النووي مع إيران، وهو لم يقل إن عودة واشنطن إليه حتمية، علماً أن العقوبات الأشد قسوة هي التي فرضتها تاريخيا الإدارات الديمقراطية على نظام الملالي، وليست الجمهورية.
التحالف التاريخي بين الولايات المتحدة الأميركية ودول عربية عدة لم يكن في يوم من الأيام سياسة حزب معين، بل هو حركة مصالح دائمة لا يمكن التهاون فيها، وبالتالي فإن إدارة بايدن لن تغير من واقع تلك العلاقات، ولن تتخلى عن الحلفاء في الشرق الأوسط، أو تترك إيران وأدواتها العميلة تعبث بأمن الإقليم، ولن تسمح بأن يكون هناك يابان توسعية ثانية، كما كان الأمر قبل الحرب العالمية الثانية.
طوكيو هيروهيتو قبل الحرب العالمية الثانية أطلقت العنان للتوسع في الصين والفليبين وغيرهما من دول آسيا تحت عنوان “الحرب المقدسة”، أو كما عرفت في تلك المرحلة بـ”رياح الرب” (كاميكازي)، والتي برزت في الجزء الأخير من الحملة اليابانية على الولايات المتحدة الأميركية في قصف ميناء “بيرل هاربير” الأميركي بطائرات انتحارية، وفي نهاية المطاف جاء الرد الحاسم من الرئيس الديمقراطي، آنذاك، هاري ترومان، بقصف هيروشيما وناكازاكي بالقنابل الذرية، وبفرض الاستسلام على اليابان، وإزالة القدسية عن الامبراطور.
إيران خامنئي اليوم في وضع مشابه لليابان، وهي تمادت كثيرا في دعم وتأسيس العصابات الإرهابية، وأطلقت جماعاتها لتقتل الأبرياء، ليس فقط في دول الإقليم، بل في كينيا والأرجنتين وفرنسا وغيرها من الدول، وتعمل على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية من أجل فرض مشروعها، غير أن كل ذلك لم يجد نفعا، بل ازداد الحصار عليها، وانفض العالم من حولها، ولم يعد لها أي نصير.
نهاية الحرب المقدسة الإيرانية لن تختلف عن مصير الامبراطورية المقدسة اليابانية، فإذا لم تعد طهران إلى لغة العقل التي يتحدثها العالم حالياً، لا شك ستكون نهاية نظام الملالي على أيدي رئيس ديمقراطي لا يختلف كثيرا عن هاري ترومان، وسيعض الذين هللوا لفوزه أصابعهم ندما، لأنهم سيجدون أنفسهم في المحرقة ذاتها التي حسمت النصر في الحرب العالمية الثانية.