أحمد الجارالله يكتب : شتَّامو التطبيع والنوم سراً في سرير نتانياهو
ضجت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية وغيرها عربية بخبر مزعوم عن اجتماع بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، ومعه بدأت حملات التخوين من جهات عربية معروفة الارتباط والأهداف، وكأن السعودية ارتكبت خطيئة لا تغتفر، فيما تناسى الذين خوّنوا وشتّموا أن قادتهم ينسِّقون مع تل أبيب، ويشترون منها أسلحة تصدَّر إلى إيران عبر طرف ثالث.
لنفترض أن ولي العهد التقى الاسرائيليين، وأن المملكة سارت في طريق التطبيع، فأين الضرر في ذلك؟ أَلَم تقدم الرياض كل ما تستطيع لدعم القضية، منذ أربعينات القرن الماضي إلى اليوم؟ أَلَم ترفض في العام 1977 مبادرة الرئيس المصري أنور السادات زيارة تل أبيب، وتحفَّظت على اتفاقيتي “كامب ديفيد” و”وادي عربة”؟
في المقابل، ماذا فعل العرب، هل استطاعوا اقتلاع اسرائيل، أم اكتفوا بالاستنكار والشتم والتخوين، منذ أعلن وعد بلفور العام 1917؟ بل ماذا فعل الفلسطينيون أنفسهم لشرح قضيتهم أمام العالم؟ ففي الوقت الذي كان فيه الكيان الوليد ينسج علاقات مع مختلف دوله، بدءا من بريطانيا مرورا بالدول الأوروبية والاتحاد السوفياتي وصولا إلى مكرونيزيا، كان العرب يقاطعون كل من يعقد اتفاقاً مع تل أبيب، فيما راح الفلسطينيون ينفذون عمليات القتل والتفجير في أوروبا، ويخطفون الطائرات المدنية، حتى وصموا أنفسهم بالإرهاب وابتعد العالم عنهم، فهل خدموا بذلك قضيتهم؟
لا تستطيع السعودية، ومعها دول الخليج العربية، الخروج على الإجماع العالمي، القاضي بأن السلام هو الممر الإلزامي للاستقرار في المنطقة، كما أن للمملكة مصالحها الوطنية التي ستفرض عليها التطبيع، رغم موقفها الواضح في هذا الشأن، وهو أنها لن تقبل بإقامة علاقات مع إسرائيل إلا بعد الإقرار بالدولة الفلسطينية، وفقا للمبادرة العربية التي ولدت في الرياض، وقصفها العرب قبل إسرائيل بمواقفهم الرافضة لها.
في المقابل، فإن الفلسطينيين، ومنذ العام 1948، تفرقوا قبائل متصارعة بين بعضهم بعضا من جهة، وفصائل مأجورة من جهة أخرى لهذه الدولة أو تلك، والمؤسف أنهم عملوا بمبدأ النكايات، فإذا رأوا أن دول الخليج اختلفت مع إيران ارتموا بأحضان طهران، وانبرى خطباؤهم يشتمون الملك سلمان وقادة “التعاون” من على منابر غزة، تحركهم دمية السراديب المسماة حسن نصرالله، بل إنهم يناصرون إرسال الحرس الثوري صواريخه لقصف السعودية من اليمن عبر الحوثيين.
لقد تحملت دول الخليج العربية الكثير من الفلسطينيين أنفسهم، بدءا من اغتيال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي سيف سعيد بن غباش عام 1977، مرورا بارتكاب جرائم إرهابية في الكويت والسعودية وصولا إلى مساعدة الجيش العراقي خلال غزوه الكويت، ورفعهم شعار “الطريق إلى القدس تمر في الكويت”، ورغم ذلك لم تتخلَ هذه الدول عنهم، بل استمرت في دفع الأموال لهم، وفتح السفارات، فيما هم لا يزالون يشتموننا إلى اليوم.
رغم كل هذا، فإن التطبيع مع إسرائيل والحوار معها يساعد الفلسطينيين في الوصول إلى حقوقهم، بشرط أن يتوحدوا هم، لا يشتموننا نهاراً وينسّقون مع تل أبيب أمنياً ليلاً، وعليهم أن يعلموا أن ليس هناك مفر من تغيير الأسلوب للوصول إلى هدفهم بإقامة دولتهم، وهذا لن يكون إلا بمساعدة دول الخليج وفي مقدمها السعودية، حتى لو كانت هناك علاقات بين الرياض وتل أبيب.