تحوّل فناني العرب إلى طباخين.. ظاهرة أم موهبة؟
في مختلف الأعمال الفنية العالمية لا نجد اي قصة او رواية لفنان تحوّل من مهنته الفنية الى اي مهنة اخرى، فطيلة العقود والسنوات وعلى مر العصور ومختلف القارات لم يستطع اي مؤمن بفنه الموت على غير مهنته، فمن المعلوم لأصحاب المواهب الفنية الحقيقية انهم لا يجيدون عملا آخر كمن ترك تعليمه او تخصصه من اجل التمثيل ومن مات مستورا ومن تعذب في الفقر ومن عانى ومن بقي وحيدا او مريضا مثل الفنانين اسماعيل يس وزينات صدقي ويونس شلبي وعبدالسلام النابلسي وتحية كاريوكا وياسر البصري ورياض القصبجي وعبدالقادر مطاع وفاطمة رشدي وعائشة ماماه واماليا ابي صالح ونجاح حفيظ ونعيمة عاكف وشادية وعماد حمدي.
الا أنه في الآونة الأخيرة، خاصة بعد تعطيل الفن السينمائي والدرامي والمسرحي الفترة الماضية بسبب جائحة كورونا، اتجه كثير من الفنانين العرب لأعمال أخرى خارج إطار الفن، مثل اتجاههم لعرض الأزياء أو عمل الإعلانات، وافتتاح المطاعم ولكن بالاخص اتخاذ مهنة الطبخ كأكثر حل بديل مربح مسموح به اكثر من غيره كأن يقوم الفنان ببيع المأكولات من عمل يده مستغلا في ذلك جمهوره العريض ومتابعيه كفنان مشهور، سواء في الغناء او التمثيل والدلائل كثيرة على ذلك من خلال ما نتابعه في حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
فهل نظرا لتعطل الفن، كان هذا هو السبب في تغيير نشاطهم من الفن للمطاعم او غيرها من الاحتمالات، أيكون هذا هو الحل الأنسب لهم؟
وكيف تأتي الفرص لنجاح الشباب غير المشهور او الراغب في عالم تلك المطاعم؟، خاصة إن كان المشاهير يستخدمون شهرتهم كوسيلة لجذب الانتباه للمكان والتسويق والإعلان عنه.
فبشكل عام لنا أن نسأل إن كان هذا هو القرار الصائب، فهل من الصائب أن يغير الشخص مجاله في حال التوقف عن العمل فيه لبعض الوقت لأي ظرف كان؟ وإن حدث، أيحق له أن يستخدم شهرته ومعرفة الناس به في نشاط آخر؟
وبشكل خاص، أيفيد هذا الفعل الفن بأي شكل من الأشكال؟ أم أنه يتسبب في إخلاء المكان على ساحة الفن وامتلاء المراكز في المهن والأعمال الأخرى وإن كان بغير استحقاق؟ والأمر هنا لا يتعلق بفكرة امتهان مهنتين بقدر ما يتعلق بطرح فكرة ترك المهنة الأساسية لوجود محنة عابرة، فعلى سبيل المثال يوجد فنان مشهور بطبخه الى جانب غنائه والجمهور يعرفه منذ بدايته بالموهبتين معا منذ صغره ولهذا لم يصدر الجمهور اي استغراب منه وانما بإعلان متجدد لعدد من الفنانين الذين لم تكن لهم مهنة اخرى غير الفن، فهل اختيار مهن او مشاريع بدون معرفة كيفية إتقان العمل فيها أو وجود خبرة سابقة في مجالها، واستخدام الشهرة فقط او النجاح في المهنة الأولى ليخدم المهنة الثانية حل مناسب للازمة دون اي اعتبارات اخرى؟ وهل معرفة الفنان او اجادته لطبخ بعض الاكلات جديرا بامتهانه الطبخ؟
وهل يعتبر هذا من ضمن أسباب نجاح العديد من المشروعات غير المتقنة او غير الجديرة بالمكانة العالية من النجاح لسبب لا يمت لأصل المشروع بل فقط بشهرة صاحب المشروع؟
وبحسب ما سمعته فالآراء هنا تنقسم، ما بين معارضين ومؤيدين، فهناك من يرفض الفكرة باعتبار أن أحد أسباب الخلل المهني أن يغير كل شخص عمله دون وجود خبرة للعمل الثاني ويترك موهبته ومكانته الأولى، وهناك من يؤيد ويتعاطف معهم برأي أنه تصرف شديد الذكاء، يدل على المثابرة وعدم الاستسلام لصعاب الحياة، فهؤلاء فقط اختاروا خطة بديلة لنجاحهم وكسبهم للمال غير الخطة الأساسية والأولى، والمهنة الأولى.
والتساؤل الأهم الآن، هل ستختفي مهنة الطبخ لدى مدعيها من الفنانين والمشاهير بعودة الحياة الطبيعية ليعودوا لمهنتهم الفنية الاولى ام ان هذه الازمة كشفت حقيقة ان التمثيل والفن مجرد مهنة او «رزقة» يمكن لأي شخص امتهانها إذا لم يجد فرصة اخرى، ام سيحافظ ممتهنو الطبخ على الوظيفتين معا كأي موظف بدوامين تحسبا لظروف الحياة القاسية؟