أحمد الجارالله يكتب : الأزمة طاحنة … مَنْ يُداوي الجراح؟
لا يُمكن النظر إلى انتخابات رئاسة مجلس الأمة، وما جرى فيها، على أنها مسألة عادية، كما لا يُمكن التهاون مع ما سيكون عليه سلوك المعارضة المُتمثلة حالياً بنحو 28 نائباً، فهي كالأسد الجريح، وهذا لا شكَّ يجب أخذه بحسبان كلِّ من يهمه الأمر، كما أن هناك أربعة نواب، يمكن القول: إن قلوبهم كانت مع بدر الحميدي، بينما سيوفهم مع مرزوق الغانم، وهؤلاء يتأرجحون في المواقف وفق مصالحهم الخاصة، أي أن المجموع 32 نائباً، وبالتالي فإن الرئاسة لن تكون بوضع مريح، والتشكيل الوزاري المُهادن، بل يمكن تسميته الضعيف، ليس بمقدوره المواجهة والحسم.
كنا قد ألمحنا في مناسبة سابقة إلى أن المشهد الحالي لا يختلف كثيراً عما كان عليه مجلس العام 1964، وإذا لم تركن المعارضة الحالية إلى لغة العقل، أو إذا اختارت الحكومة لغة الصفقات، فلن تختلف صورته عن مجلس العام 1986، وبالحالتين الكويت تتجه إلى أزمة، خصوصاً أن مطلع القصيدة كان ما يُسمى العفو الشامل، وهو الكفر بعينه؛ لأنه يدل على هدر دم قوانين تحتاجها البلاد في المرحلة المقبلة، اقتصادياً ومعيشياً، ووقف استنزاف القطاع الخاص وإفقاره، وهنا الطامة الكبرى.
قال الإمام الشافعي: “ما جادلتُ عالماً إلا وغلبتُهُ، وما جادلني جاهلٌ إلا غلبني”، وفي الوضع الحالي فإنَّ الأمر يحتاج إلى مقاربة عاقلة، لما ستكون عليه المرحلة المقبلة، فالخصومة كبيرة، والتعاون يبدو، حتى اليوم، مفقوداً بين الموالاة والمعارضة النيابيتين، ولو كانت هناك رؤية واضحة لما تحتاجه البلاد، ربما كان الأجدر أن تستخدم الحكومة أدواتها الدستورية بحسم، وتحلُّ المجلس وتدفع إلى انتخابات جديدة، كما هي الحال في دول عدة، منها الأردن وفرنسا وغيرهما.
أما إذا عجزت عن ذلك فعليها قراءة الوضع بتمعُّن شديد، لتدرك أنَّ المواجهة لن تكون سهلة، مع هذا الكم من النواب المعارضين، الذين سيستشرسون بالمواجهة، وبالتالي تضع الأولويات التي يحتاجها الكويتي، كي لا ينطبق قول الإمام الشافعي على العلاقة بين الحكومة والمجلس في المستقبل القريب، ويؤدي إلى حوار طرشان يوقع البلاد بعبث لا طائل منه.
لا شك أن قانون العفو الشامل يمكن تأجيله، أما جعله أولوية نيابية فهو من باب مداواة الجرح الذي أصيبت به المعارضة، وليس لأنه ضرورة تحتمها الظروف الحالية، فيما مطالب الكويتيين واضحة ولا تقبل التأويل، تبدأ من معالجة أزمة القروض، ورفع منع السفر عن 80 ألف مواطن جراء دعاوى لا ترتقي الى حكم تقييد الحركة، إضافة الى إعادة النظر الجذرية بقانون التحفيز المالي الذي يمكن اعتباره صرف كلام قصد فيه انقاذ غريق، لكن زاده اختناقاً.
منذ بدأت الحياة النيابية في الكويت، كانت أخطاء مجلس الأمة تُحمَّل للحكومة، باعتبارها السلطة التنفيذية الواجب ألا تنصاع لإملاءات النواب الذين تمادوا في المراحل الماضية إلى حد مصادرة صلاحياتها، ولا شك أنهم اليوم أكثر تعنتاً في مواقفهم كي يحموا أنفسهم مما يتهمهم به الكويتيون من تخاذل ونكران لتعهداتهم المعلنة، ولذا فإن لا حل إلا بأن تشرب الحكومة حليب سباع المواجهة، وهو صعب في ظلِّ التشكيلة الوزارية الحالية، وتركيبة مجلس الأمة، ما يعني أننا أمام حلقة مفرغة وهدر للوقت، وكأنَّ الكويت مجرد ميدان صراع للترفيه وليست دولة بحاجة إلى الخروج من أزمة طاحنة.