أحمد الجارالله يكتب : مافيا أم ميليشيا؟ ما هكذا تورد الإبل في الديمقراطيات
بعد ستة عُقود على بدء العمل بالدستور ودولة المؤسسات، هل باستطاعتنا القول إن لدينا ديمقراطية حقيقية، أم أنها مجرد ديكور تُخفي خلفه بشاعة التغني بشعار من هذا النوع؟
لا شكَّ أنَّ كلَّ مراقب لما حصل في الآونة الأخيرة يطرح هذا السؤال، وسط خوف من تحوُّل البلطجة وأعمال الشغب التي صاحبت انتخابات رئاسة المجلس، وما تلاها، إلى نوع مُستتر من العمل الميليشياوي، ولا أظن أن أحداً تخفى عليه العواقب الوخيمة لهذا الانزلاق وخروج جماعة على الدستور والقانون واللائحة الداخلية للمجلس، فإلى أين يمكن أن تصل الأمور إذا استمرت على هذا النحو؟
هل العناوين الكبيرة التي يطرحها تجمُّعٌ نيابيٌّ هي فعلاً مطالب شعبية كويتية، وأولوية، أم أن الصفقات التي عقدت في ليل يمكن أن تنهض في البلاد؟ وهل التجمع المقابل يسعى إلى تحقيق المصلحة الوطنية، أم أن الاثنين وجهان لعملة الفساد الواحدة؟
في الديمقراطيات الحقيقية لا يمكن لخلاف نيابي أن يأخذ منحى العداء والكيدية، بل يكون محفزاً على التعاون من أجل إيجاد صيغة مشتركة تخدم مصلحة البلاد، وينظر النواب والوزراء الى عملهم على أنه خدمة وطنية مسؤولة، فلا يضعون مصالحهم فوق مصالح الشعب، ولا يُصنفون أنفسهم الأنقياء الأتقياء الناصحين والمصلحين، بل يسعون إلى تحقيق مطالب الناس، وللأسف هذا لم يحصل، بل إن عنوان الكتاب يدل على فحوى مختلف تماماً عن ذلك.
ما ينشده الكويتيون أيها السادة النواب الأفاضل، ليس العفو الشامل، ولا استعراضات السعي إلى مزيد من حرية الرأي، عبر تعديل قانون الجرائم الإلكترونية، فيما أنتم ذاتكم تمارسون عنفاً وقمعاً قميئاً، لا يدل على رقي أبداً.
مطالب الكويتيين أيها السادة، تبدأ بمعالجة مشكلات كثيرة تسبب بها من سبقكم، وبعضكم كان مشاركاً في تلك الجريمة، حين استفرد “الإخوان” والتيارات الإسلامية والطائفيون بمجلس الأمة، فأقروا قوانين جعلت الكويت نسخة عن “تورا بورا” الطالبانية.
واليوم في الوقت الذي تنتفض فيه المملكة العربية السعودية على الإرث الرديء الذي تركه “الإخوان المسلمون” في قوانينها وأنظمتها حين استتب لهم أمر الإدارة، تنغلق الكويت لتصبح طاردة لكل بادرة جميلة مُفرحة، فالكويتيون يهربون إلى دول الجوار وبقية العالم كي يفرحوا، خوفاً من قوى ضغط اجتماعية متخلفة تريد حجرهم في شرنقة أفكارها الظلامية.
مطالب الشعب أيها السادة، هي خطط سكنية تنهي معاناة آلاف الأسر التي تنتظر 14 و20 عاماً للحصول على مسكن، فيما تنفق على الإيجارات مبالغ طائلة، وليس قانون عفو عن شلة هربت من تنفيذ أحكام نافذة، لأنها سعت إلى الفوضى، أو خلية إرهابية كان القضاء رحيماً معها الى أبعد الحدود في الأحكام التي أُنزلت على أفرادها، فيما لو هم في دولة أخرى، أكثر ديمقراطية بعشرات المرات من الكويت، لكان أخف الأحكام المؤبد.
انظروا إلى المغرب وعُمان والبحرين والسعودية كيف عالجت قضية السكن، وبخطط عصرية لم تتحمل فيها الدولة إلا الفوائد، وحسمت الأمر إلى الأبد، فيما عندنا لا نسمع إلا الكلام المعسول، والتصريحات التي تصور بنيتنا التحتية وكأنها من أرقى الخدمات في العالم، فيما الحفر تملأ الطرقات، وبرك المياه فيها تكاد تصبح بحيرات وتملأ النفايات شوارعها، وكأننا لبنان آخر، نتغنى بتكويت الوظائف، فيما جميعنا نعرف أن التكويت صورة مزركشة تخفي خلفها معاناة العمالة الحقيقية، التي هي ليست من المواطنين.
أعلنتم التكويت في مختلف الوزارات ماذا تغير؟ لا شيء.. الوافدون العاملون في الإمارات والسعودية وقطر يعتبرون قيمة مضافة، وتمنح لهم التسهيلات فيما الكويت تطردهم بعنصرية وتخسرهم، وتزيد من أزمتها الاقتصادية.
مطالب الكويتيين أيها النواب، هي إنصاف المتعثرين بالقروض، ومعالجة أزمتهم وإنهاء معاناة 80 ألف أسرة ممنوع على أربابها السفر لدَين بسيط، أو زج بهم في السجن لشيك من دون رصيد، بينما في الدول الأخرى يعامل الشيك معاملة السند، ولا يتحول الى جناية يسجن بها من أصدره، حتى في الإسلام من يفرط بماله يتحمل مسؤولية ذلك، وليس الغارم الذي وقع في فخ الإغراء، وحل هذه الأزمة بسيط جداً، وهو أن تتحمل الدولة فوائد تلك القروض ويعاد جدولتها على عشر أو عشرين وحتى ثلاثين سنة.
حتى قانون الإفلاس الذي حين ينفذ يمكن أن يحمي بعض الناس من الملاحقات، لكنه سيكشف عن نسبة كبيرة من المتعثرين الذين ينتظرون تنفيذه على أحر من الجمر.
ما يريده الشعب قرار واضح وجازم في وضع خطط لتنويع مصادر الدخل التي يجري الحديث عنها منذ ستة عقود، بينما لا تزال حبراً على ورق، بل الفضيحة الكبرى أن يعلن وزير المالية في الحكومة السابقة عجزها عن دفع رواتب الموظفين، وكأن الدولة أفلست.
قضية “البدون” كذلك مطلب شعبي مستعجل، ولا بد من حسمها، فلا تبقى سبة ملتصقة بجبين الكويت، ومصدراً لتشويه سمعتها في التقارير الدولية، كذلك الكويتية المتزوجة من أجنبي، من حقها إعطاء جنسيتها لأولادها، تماماً كما هو معمول به في غالبية الدول التي تحترم حقوق الإنسان.
مطالب الكويتيين – أيها المتنافسون على المناصب والمصالح الشخصية، بشراء الأصوات هنا وهناك – دولة قانون، وليس واسطات، وأن يكون الفرد فيها متمتعاً بحماية القانون، وليس في مهب ريح نزوات ورغبات أفراد يسعون الى تحقيق مآربهم حتى لو بالعنف والبلطجة، وكأنهم ميليشيا سياسية أو مافيا يقودها بعض المتمصلحين.