في مقالي الأسبوع الماضي ذكرت أن المشهد السياسي في الكويت بعد جلسة الافتتاح لمجلس الأمة لم يكن كما هو بعده، وأن أشياء كثيرة ستتغير، وقد صدق ما ذهبت إليه في مقالتي، وتغيرت بوصلة المشهد السياسي بشكل جذري، بعد أن كانت المعارضة تعتقد أنها تمتلك كل الحلول السحرية للتغيير، واتضح أنها فقط لم تتعامل بواقعية مع المعطيات السياسية، فكانت أولى نتائج تعاملها الخاطئ هو تقلص عدد المعارضة إلى ما دون الـ 19 صوتا، وإذا استمرت المعارضة في التعامل مع الأحداث على أسس غير واقعية فستخسر المزيد من المكتسبات التي حصلت عليها بعد الخامس من ديسمبر.
***
لم يمر أسبوعان على نتائج الانتخابات إلا والمعارضة قد منيت بخسائر سياسية لا تخطئها عين، فقط لأنها لم تمارس السياسة بواقعية، بل مارستها من باب ما يفترض أن يكون عليه الوضع لا ما هو كائن.
وللأسف أن المعارضة وضعت بيض معارضتها كله في سلة واحدة هي انتخابات الرئاسة والتي لا تزال تعاني من آثار خسارتها. مرة ثانية وثالثة المعارضة لدينا مشكلتها أنها لا تتعامل بواقعية، والواقع يقول إن الحكومة لن تتركها تفعل ما تشاء، فسياسيا كلاهما خصم للآخر، والمعارضة بشيء من التغافل أو لنقل بشيء من الأمنيات افترضت بالحكومة الحيادية وهذا ما لم يحصل ولن يحصل، حتى في مشاريع القوانين التي تتبناها المعارضة وستطرحها في جلسة الغد، الحكومة لن تقف على الحياد ولن تلعب دور المتفرج بل ستلعب سياسة كما يفترض أن يكون دورها، لا يوجد شيء اسمه حياد حكومي، وليس على المعارضة العمل وفق معطى حيادية الحكومة، وهذا خطأ فادح ارتكبته المعارضة الأسبوع الماضي، وإذا ما استمرت في ارتكاب ذات الخطأ فلن تحقق شيئا.
***
الحكومة سياسيا لم تخطئ، أما من وجهة النظر الشعبية فقط أخطأت، ولكن في النهاية هي حكومة ومنطقيا، وفي ألف باء السياسة هي تمثل التيار المضاد للمعارضة، أو التيار الذي تسير عكسه المعارضة، ومجرد افتراض المعارضة حيادية الحكومة فقط خسرت معــركتها، وستخسر معارك الـــقوانين القادمة وستخسر مــعارك الاستجوابات المحتملة، فقــط لأنها لا تتــعامل بواقعية.
***
الأمر الأكثر خطورة أن المعارضة تأخذ قوتها من قوة ضغط الرأي العام، وهو ما لا يكفي لتحقيق نتائج تحت قبة عبدالله السالم، قوة الضغط الشعبية قد تدفع نائبا لتغيير موقفه من قضية ما إعلاميا فقط، أما عند التصويت سريا كـــان أو علنيا في أي قضية كـــانت فقوة الضغط الشعبية لا تأثـــير لها، إذ إن قوة الضغط الشعبية تعتمد على المزاج العام اللحظي ولا تعتمد على حـــالة دائمة، والناس تنسى بسرعة وتسامح و…«محشوم» هي سلاح من يغير قناعاته.
***
المعارضة إذا أرادت أن تلعب سياسية فأولا عليها التخلص من الحمل الزائد من «المعترضين» الطارئين وأن تبدأ بمكاشفة نفسها من أن عددهم في الواقع ليس كما يعلنون في اجتماعاتهم، والأهم أن المعارضة يجب أن تعلن عن نفسها ككتلة سياسية في قاعة عبدالله السالم وتعمل على هذا الأساس، فالاجتماعات في الدواوين لا تؤدي عملا سياسيا ولا تحمل ثقلا سياسيا لمواجهة الحكومة في البرلمان.
***
ثانيا: على المعارضة أن تعلن برنامج عملها الذي يستند الى أولويات مبنية على مصلحة المواطن والتحرك على هذا الأساس، أما الدخول في معارك سياسية وإعادة إنتاج ذات الأزمات السياسية فلن يذهب بنا الى أي مكان وسنظل في أماكننا التي تركناها مع مجلسي 2013 و2016.
