هذا بيت حكمة مأخوذ من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول راوي الحديث أبوهريرة: فطرة الله التي فطر الناس عليها «الروم-30» والحديث رواه البخاري ومسلم، إذا صلاح الابن بيد ولي أمره وكذلك فساده فلنحرص على تربية أبنائنا التربية الصالحة حتى يكون لهم دور إيجابي في خدمة وطنهم، إذاً فالتريية هي الأساس ولنا في التاريخ دلائل كثيرة فهذا النبي إبراهيم لم يستطع أن يهدي ابنه وهذا نوح عليه السلام لم يستطع أن يهدي ابنه، والبيت للشاعر أبي العلاء المعري: وهو ضمن أبيات يقول في بعضها:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا
على ما كان عليه أبوه
وما دان الفتي بحجي ولكن
يعلمه التدين أقربوه
وطفل الفارسي له ولاة
بأفعال التمجس دربوه
لعل الموت خير للبرايا
وإن خافوا الردى وتهيبوه
أطاعوا ذا الخداع فصدقوه
وكم نصح النصيح فكذبوه
وجاءتنا شرائع كل قوم
على آثار شيء رتبوه
والأبيات كلها حكم كما ترون وقد وصف ابو العلاء المعري بأنه حكيم الشعراء وشاعر الحكماء وهذا ما يظهر جليا في أشعاره كما كان مفرط الذكاء ولم يتكسب في شعره مثل غيره من الشعراء ولم يمدح أحدا إلا أنه كان شديد الإعجاب بشعر المتنبي، وقد أصيب بالجدري في سنته الثالثة ولا يذكر من الألوان الا الأحمر لأنه ألبس عندما أصيب بالجدري ثوبا أحمر، وقد ذهب بصره فقال بعد ذلك: أحمد الله على العمى كما يحصده غيري على البصر وهو من بيت علم ورياسة نبغ عن أسرته علماء وشعراء، وقد قال الشعر وعمره إحدى عشرة سنة، والمعرة المنسوب إليها معرة النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه وهي مدينة سورية تقع جنوب محافظة إدلب، وكان قد رحل الى بغداد وأقام بها سنة وسبعة أشهر ثم عاد الى بلدته وسمى نفسه رهين المحبسين أي رهين بيته ورهين العمى، وقد اتهم بالزندقة ولا يصح ذلك.
وقد أورد ابن خلكان ترجمة وافية له وذكر نسبه فقال: هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد القضاعي التنوخي، ولد في ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمئة، ومن أشهر مؤلفاته ديوان شعر اللزوميات ورسالة الغفران وسقط الزند واختصر ديوان أبي تمام وشرحه وسماه ذكرى حبيب واختصر ديوان البحتري وشرحه وسماه عبث الوليد وديوان المتنبي.
وساه معجز أحمد وهو القائل:
هذا جناه أبي علي
وما جنيت على أحد
وأيضا له البيت السائر:
وإني وإن كنت الأخير زمانه
لأت بما لم يستطعه الأوائل
وقد توفي يوم الجمعة في شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وأربعمئة للهجرة وأوصى أن يكتب على قيره:
هذا جناه أبي علي
وما جنيت على أحد
وفي هذا القدر كفاية.
