يخطئ من يظن أن القسر والاستبداد يؤديان إلى الوحدة الحقيقية بين الانسان والآخر سواء كان فردا أو جماعة. إن الاندماج الانساني يبدأ من خلال قبول الآخر، وفهم الذات لا يكتمل الا من خلال فهم الآخر، ومن هذا المنطلق نستطيع النهوض بحياتنا كما ينبغي، ولكي لا يكون الكلام حول الوحدة كلاما خياليا فإنه لابد ان نفهم ما تعنيه الوحدة وما لا تعنيه، فإنه مما لا يعول عليه الكلمات الفارغة من المعنى الواقعي وان زخرفت ألفاظها.
ولكن من أين وكيف تبدأ الوحدة، إن التاريخ الحديث يؤكد لنا أن العديد من الآيديولوجيات الفكرية والسياسية التي جعلت من الوحدة محورا لعملها ونشاطها قد مارست التوحيد القسري القائم على قهر الآخر وإلغاء كل أشكال التعدد الطبيعية والتاريخية والاجتماعية لذلك فقد استخدم هؤلاء كل ما في جعبتهم في سبيل طمس تلك التعدديات وإقصائها من الحياة العامة وعدم الاعتراف بوجودها مع أنها حقائق واقعية صارخة في فضاء الوجود.
ولقد باءت محاولات تذويب هذه الحقائق بالفشل والإخفاق بل تسبب الأمر في آثار عكسية في الواقع حيث ترسخت الكيانات المتشتتة وعملت على الانغلاق على هويتها الخاصة للحفاظ على عوامل وجودها وتميزها وتعدديتها.
وبهذا يبقى السؤال ملحا فمن أين تبدأ الوحدة بين شعوبنا لاسيما وأن الوحدة لا تعني ضرورة التطابق التام في الأفكار ومشروعات العمل أو أولوياته أو في برامج التخطيط؟ والجواب الصحيح هنا هو أن الوحدة تبدأ من احترام الحقائق التاريخية والطبيعية والاعتراف بالواقع الاجتماعي وفهمه وبناء المجتمعات على أساسه.
ان حقائق التاريخ والمجتمع هي دعائم بناء اي مجتمع إنساني مفتوح ينشد التطور والازدهار وهي متناغمة مع نواميس الوجود لأن التنوع والعدد سنة كونية لا يصح تجاهلها او نكرانها.
ان التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات العربية اليوم هو تحقيق معادلة اجتماعية إنسانية ترتكز على توليد منهاج للمواطنة الكاملة التي ترسخ في الوجدان الوعي بقيمة الانتماء للوطن والعمل من اجله لكي لا تزل قدم الدولة فتنزلق نحو تمييز فئوي أو إلى شرعنة للاقصاء مهما كانت المبررات.
ان احترام الرأي والرأي الآخر ونسبية الحقيقة كلها دعائم للتسامح الحقيقي ولاريب أن مثل هذه تخلق أمنا اجتماعيا يحتاجه كل مجتمع وفرد.
إن الوحدة الوطنية تتطلب من كل مواطن أن يبدأ هو بغرس حقائق الوحدة في ضميره حتى تنمو شجرة العطاء للوطن الذي إن اكلته الفتنة قضي علينا جميعا بلا استثناء.
