أحمد الجارالله يكتب : سياسة الريش المنفوش … طهران وأنقرة نموذجاً
«الجنون هو أن تفعل الأمر نفسه مرتين بالأسلوب ذاته وتتوقع نتائج مختلفة». هذا القول ينطبق على سياسات الريش المنفوش لكل من إيران وتركيا في المنطقة، فهما تكرران الأسلوب نفسه في التوسع والهيمنة، بينما كان بمقدورهما تحقيق علاقات متينة مع دول الإقليم والعالم من خلال ديبلوماسية حسن الجوار والتزام المواثيق والقوانين الدولية.
فبعد 41 سنة على قيام نظام الملالي، و17 سنة على حكم حزب «العدالة والتنمية» التركي فلا هذه ولا تلك حققت سوى العزلة والفوضى والخسائر الاقتصادية، ففي الأولى كان هناك نظام بقيادة ملك مستنير (محمد رضا بهلوي)، استطاع في غضون سنوات قليلة بناء نواة منظومة صناعية واقتصادية كان يمكن لو استمرت في التطور أن تحول إيران قطباً اقتصادياً إقليمياً كبيراً، إلا أن ذلك سقط مع وصول الخميني الى الحكم من خلال ثورة بشعارات براقة، استحوذت على أذهان الإيرانيين الذين ساروا خلفه فأسقطوا الشاه، على أمل أن يكون هناك حكم إسلامي عادل.
لكن سرعان ما تحول هذا الحكم مصدر قلق للشعب، قبل الجيران والمحيط، إذ بدلاً من الانفتاح على العالم عموماً، والمنطقة خصوصاً وينعم شعبها بالمن والسلوى، أدت سياسة إرهاب الدولة التي اتبعها الملالي الى عزل إيران، ومع إثارة النعرات الطائفية اشتعل فتيل الحروب المذهبية في الإقليم، إضافة الى شبكات تهريب المخدرات برعاية الحرس الثوري التي تعمل على تسميم الشباب في مختلف دول العالم.
كان يمكن لنظام الملالي اذا عمل وفق المنهج الإسلامي الصحيح، أن يقيم أفضل العلاقات مع العالم من خلال احترام سيادة الدول، وليس التدخل في شؤونها، وبدلاً من السعي الى التوسع وفق سياسة طائفية فتنوية، كانت لديه الفرصة أن يجعل من بلاده يابان الشرق الأوسط.
في الجهة الأخرى كانت تركيا وحتى العام 2003 واحدة من أكثر الدول قوة، اقتصادياً وصناعياً، ولم تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة مجاورة، لكنها عندما وقعت في براثن حزب «العدالة والتنمية»(«الاخوان» الاتراك) تخلت عن تلك السياسة، فتدخلت في سورية، وبعدها العراق واليمن وليبيا وزرعت قواعد عسكرية في الصومال وبعض دول الخليج، في وقت تعالت فيه نبرة الخطاب الاردوغاني العثمانية عن الامبراطورية التي حكمت مساحات شاسعة من العالم.
تركيا اليوم، تعاني من إقفال الأسواق الخليجية بوجه منتجاتها، وكذلك العقوبات الأميركية التي تثقل كاهل اقتصادها، وتخفض القدرة الشرائية لليرتها، فيما ارتفعت نسبة البطالة الى نحو 15 في المئة، وبلغت ديونها الخارجية 431 مليار دولار.
لم يعمل حزب «العدالة والتنمية» وفقاً لاسمه، بل ضرب العدالة بمقتل حين بدأ يفبرك الملفات للمعارضين، أما التنمية فقد حولها حروباً في الخارج، مستعينا بالتنظيم الأم(الاخوان المسلمين) الذي استن منذ ثمانية عقود سياسة الاغتيال والتفجير والقتل، وإثارة النعرات الطائفية والدينية، وهو بذلك شريك أساسي لنظام الملالي منذ العام 1979.
اليوم وفي ظل المتغيرات الدولية التي يشهدها العالم، أصبحت كل من ايران وتركيا منبوذتين فيما يعاني شعباهما من أزمات معيشية خانقة، ورغم ذلك تستمران في اتباع السياسات الجنونية نفسها التي لم تحقق للأولى الحلم بإمبراطورية فارسية، ولا السلطنة العثمانية للثانية، بل إن النظامين يحتضران فيما تزداد النقمة الشعبية الداخلية عليهما.