من خايب إلى مزعج.. إيقاعات #المجلس ومداخلاته ،،، بقلم / عبدالله بشارة
نأمل أن نرى الكويت المتجددة بعد أن طوت صفحات مجلس الأمة السابق الذي كان بائساً في حصيلته، وصاخباً في ضجته، ومتعباً في صدماته، تلاشت معه احتمالات الانطلاق في تعاون ثنائي تنموي يرفع مقام الكويت بسبب غياب التوافق على خطة شاملة تحشد الجهود لأجل تنفيذها بالرعاية والمتابعة والقناعة المشتركة بضرورات نجاحها.. كانت أربع سنوات تعاظم فيها حماس النواب لبعثرة أموال الدولة من دون مبررات سوى ترضيات انتخابية، ولكي لا نضيع في التفاصيل سأبرز بعض الملفات التي غابت عن اهتمامات المجلس السابق رغم أولويتها، ولا أتصور أنها ستكون من أولويات مجلس اليوم.. – ملف التوتر والاضطراب الإقليمي وانعكاساته على أمن الكويت وعلى استقرارها وسيادتها، وسط بيئة فيها أنظمة لها ميليشياتها ولها أيديولوجيات توسعية وتملك خبرة في التخريب والإرهاب، اتسعت جغرافيتها ممتدة جنوباً في اليمن وفي الشام والعراق وإيران، تمكنت من عظام لبنان فطوعته لأهدافها مع تصعيد الميوعة الأمنية في البحر الأحمر واحتضان النهج الحوثي. كانت هموم الدولة الأولى استتباب الأمن والحفاظ عليه، ولم يعط المجلس السابق لا في متابعته ولا في تفهم حساسية الوضع الإقليمي وإسقاطاته على الكويت، كانت اهتماماته تجاهل القانون والإبحار في التوسطات.. وهنا نقف مذكرين مكتب الرئاسة في البرلمان الحالي، بأن الوضع الأمني الإقليمي يأتي في المقدمة في تلاقي حيوية المجلس الأمنية مع إدارة الدولة، وتتشكل منها وحدة الانسجام في الهم الأمني. – الملف الثاني، الحذر من التصادمات التي طغت على برلمان الأمس، عبر شهية بعض نوابه في محاصرة الوزراء باستجوابات بلا مبرر، والإصرار على ملاحقتها مع إفرازات مؤذية لحبال التعاون، وتكدير المزاج الشعبي ونفوره من غلاظة التعامل مع الوزراء بدلاً من إظهار التفهم لأوضاعهم المعقدة. وأخطر ما يمكن أن تتعرض له الممارسة النيابية هو فقدان ثقة الشعب بها والضجر من استمرارها.. فقدت الكويت وزراء واعدين وخسرت الدولة مواهبهم في العطاء والقيادة، كما خسرت في تقاسيم الهيبة.. كان دور مكتب الرئاسة متواضعاً في تطويق التوترات البرلمانية، ولم يتمكن من تلمس حجم الضجر الشعبي مما يدور داخل القاعة، ويعود هذا الإخفاق إلى فقدان الانسجام في مكتب الرئاسة وترك المسؤولية لاجتهادات الرئيس وحده، في تجمع يضم خصوماً للرئيس نفسه.. وفي المجلس الحالي يأتي نائب باستجواب رئيس الوزراء قبل أن يبدأ العمل وقبل أن نتعرف على المآخذ وحجمها، وقبل أن يطوي الأعضاء الصفحة الأولى من جدول الأعمال، وإذا كانت هذه مؤشرات البداية، فماذا ستكون عند وصول الأعماق في العمل.. والثالث، ملف تدخلات النواب في إدارة الدولة عبر الهجمات الجماعية على مختلف الوزراء وإزعاجهم بطلبات لا تتفق والقانون، وتهدم الانضباطية الوظيفية، وتفجر غضب ضحايا هذه التوسطات، ويتعالى الاستخفاف بسطوة القانون، وتتحول قاعدة التغني به إلى رواية مضحكة. نتحدث عن حق المواهب في الارتفاع، فلا يوجد في ذهن النواب هذا الحق الذي يعتبره النواب سفسطة أكاديمية، ومن هذا الارتباك الإداري والتزاحم على خرق القانون، تعرض جهاز الدولة الإداري إلى اضطرابات وتسيبات مع تفكك روح الحماس للإنتاج، واتسعت الفوضوية الإدارية، كما تسللت فنون الرشاوى لتمرير معاملات جائرة وظالمة، فلا محاسبة ولا إجراءات عقابية. ومن هذا الوضع المزري ساد المجتمع، في ظاهرة ما نسميه «التخاذلية الجماعية» التي تستصغر حرص المجتمع على احترام العدالة، وتستنكر حجة الاعتماد على القانون، ومن دون شك من حوض التخاذلية الجماعية تعاظم الفساد وتزايدت أعداد جماهيره.. ويأخذنا هذا التخاذل إلى ملف الفساد، ونستذكر مواقف المرحوم الشيخ ناصر صباح الأحمد، كابتن الكتائب التي صنعت الثغرة في الجدار المغطي لحجم الفساد، ومن إيجابيات إنجازاته استحالة إعادة ترميم جدار التغطية، فلم يعد هناك مهرب من التعامل القوي والمباشر مع هذا الملف، ليس من الجانب الحكومي فقط، وإنما يجب أن يكون من أولويات المجلس.. في مشهد الفساد العالمي، تحمل الكويت رقم سبعين في ترتيبات الدول التي تكافح الفساد، فالصف الأول دائماً للدول الاسكندنافية (فنلندا في المقدمة).. لا بد من حشد جماعي لمعارك الفساد، حكومة ومجلساً ومنظمات وهيئات النفع والرأي العام، ووضع الفاسدين في خانة التشهير كآلية للاغتيال الجماعي والأدبي، فلا يتلاشى الفساد مع أنصاف الحلول وإنما بالحزم والشدة.. وآخر الدروس التي استخلصتها الكويت من البرلمان السابق، هو اهتمام النواب الكبير بما يسمى بـ«الشعبويات»، ومعناها القرارات التي تستنزف أموال الدولة التي تعاني من عجز في الميزانية في حدود المليارات ولأهداف توصف بالترضيات التي تساعد النائب في تأمين عودته إلى البرلمان. هناك تساؤلات كثيرة عن وظيفة مكتب الرئيس، الذي يتشكل من الرئيس ومساعديه، ونعتقد أن له دوراً في إبعاد المقترحات التي لا تتفق مع بنود الدستور، كما أن له صلاحية في وقف المقترحات التي تتجاوز تلك البنود وتلامس اختصاصات مسند الإمارة والسيادة.. وتبقى الكويت أهم من كل الاعتبارات، وسلامتها فوق كل المؤسسات، ويتقدم ملف الأمن والاستقرار جميع الاعتبارات في ضرورات توفير الآليات التي تؤمن تواجده في حياة الكويت من دون تردد.. هناك ثلاث ملاحظات أضعها في نهاية المقال: أولاً: في الكويت لا توجد قاعدة للمعارضة، فلا تدوير في الحكم ولا إحلال، ولا الصوت الصاعق في البرلمان يناسب الفضاء السياسي الكويتي، الذي يوفر للإصلاح مناخاً بلا قيود، لأن حاجة الكويت للناصحين والمصلحين ليس لها سقف، والتراث والدستور يستوعبان صوت الناصح مهما كانت طموحاته، فلا توجد لا تقاليد ولا تقبل لما يسمى المعارضة كما نشاهدها في أوروبا، وفي الكويت، في القرن الماضي، كان الدكتور أحمد الخطيب ومؤيدوه من الناصحين المصلحين، ولم يكن الدكتور عاصفاً في أحاديثه وإنما كان متفهماً ومصلحاً، يستوحي العقلانية والمنطق، وأسس مفهوماً مقبولاً لنموذج المعارضة. والثاني: ان الرعاية الجماعية التي تريدها الكويت، شعباً وحكومة ونظاماً، هي ترسيخ أمن واستقرار الكويت، وتأمين سيادتها وسلامة أراضيها، وهي كوكب الحياة، فلنتذكر حقائق الكويت فوق كل شيء، الدستور والبرلمان وجميع ما نسميه مظاهر الحياة البرلمانية.. منذ سنوات صرخ رئيس وزراء بريطانيا السيد كاميرون في البرلمان لا شيء أهم من بريطانيا عندما اشتد الانقسام السياسي حول عضوية أوروبا.. والثالثة: ان الدستور يوفر للمقام الرفيع اللجوء إلى الاجراءات التي تصون مسار الكويت السياسي والسيادي والاجتماعي، في انتخابات تسمح باستئناف المسيرة في مناخ السكينة والعطاء.. ونجدد الأمل بأن يبدأ المجلس مداولاته في ما يهم وطن من دون طوفان المبالغات.
عبدالله بشارة