مشعل السعيد يكتب: «الحب الأول»
نقل فؤادك ما تشاء من الهوى ،، ما الحب إلا للحبيب الأول
الحب درجات متفاوتة، وأعلى هذه الدرجات الحب الأول، فكل شيء في هذه الدنيا الفسيحة قابل للنسيان إلا هذا الحب الفريد من نوعه، والذي لا يشبهه حب، فهو راسخ في الوجدان وغير قابل للنسيان، يظل عالقاً في الأذهان حتى يوارى صاحبه الثرى، وعندما يتذكره المرء يظل أرقاً قلقاً ولسان حاله يردد قول المتنبي:
أرق على أرق ومثلي يأرق
وجوى يزيد وعبرة تترقرق
جهد الصبابة أن تكون كما أرى
عين مسهدة وقلب يخفق
لا يمكن لكائن من كان أن ينسى أول من حرك مشاعره، وأول من خفق له قلبه، مهما مرت عليه الأيام والسنون، إنه حب لا يموت يسير معك أين ماسرت وإن شغلتك الدنيا عنه عاودك الحنين إليه، وقمة الأسى والشجن أن تسير سفن هذا الحب بما لا تشتهيه نفسك، ويحل فراق من أحببته رغماً عنك، فيتفرق الأحبة، وكأن لسان حالك يردد قول بلبل الغرام الحاجري:
جسد ناحل وقلب جريح
ودموع على الخدود تسيح
إن هذه المشاعر لا يمكن لها أن تنتهي، وقد تسأم كل شيء إلا الحب الأول فهو غير قابل للسآمة، ولا أبالغ إذا قلت إنه مثل النسيم للعليل والماء العذب يبرد به الغليل، فيه جمال الدنيا وعذوبة الحياة، تشتاق إليه النفس كاشتياق الطيور الى أعشاشها، يحن إليه القلب وتهش له النفس، وقد صدق أبو تمام وأحسن ما شاء، حيث يقول:
نقل فؤادك ما تشاء من الهوى
ما الحب إلا للحبيب الأول
كم منزل في القلب يألفه الفتى
وحنينه أبداً لأول منزل
إن من فارق حبيبه الأول رغما عنه ومر بتجارب عابرة يشعر بالفرق الكبير بين هذا وذاك، فأين الثرى من الثريا؟ فحي هلا بأيام الصبا، ولا حيا الله البين أين ما كان، وما أجمل قول عروة بن حزام:
وإني لتعروني لذكراك رعدة
لها بين جسمي والعظام دبيب
وما هو إلا أن أراها فجاءة
فأبهت حتى ما أكاد أجيب
اما الحب فليس بخطيئة، وإنما هو مشاعر زعزعت كيان المرء، وعذوبة ورقة لا يعرفها إلا من تذوق طعمها، ومن عذل المحب عذره حينما يعرفه، وليس ثمة شيء يفرح القلب مثل اجتماع المحبين، ولا خير فيمن لا يحب كقول قيس بن الملوح:
وما الناس إلا العاشقون ذوو الهوى
ولا خير فيمن لا يحب ويعشق
والسم الزعاف موت حبيبك الأول وانت على ظهر هذه الدنيا، وهو موضوع آخر يحتاج الى مساحة اكبر سأوافيكم به في القريب العاجل. وفيما ذكرته كفاية.