رعب «القيامة» في تربيتنا! – بقلم : يوسف عبدالرحمن
منذ نعومة أظفارنا وأهلنا يشعروننا برعب يوم القيامة!
في الحياة هناك ترغيب وترهيب، الجنة في مفهومنا ترغيب، والقيامة ترهيب ووعيد!
هكذا أغلب جيلنا تعلّم ان القيامة لها أوصاف ومشاهد عظيمة، فكل جيلنا المخضرم تربى على أن الجنة وعيد ونذير، وكبرنا، صحيح أنها مطلبنا لكنها مرتبطة بـ (صورة ذهنية) في ذاكرتنا بالوعيد والتهديد!
مساحة اليوم عزيزي القارئ هدفها ان تكون الجنة هي الحصاد والرغبة في الجائزة بعد الممات، وليتنا نتعلم ونعلّم عيالنا وأبناءنا ان الإنسان يزرع في حياته ليحصد في مماته، ودعوني أذكر لكم مشهدا جرى بين المازني والإمام الشافعي، رحمهما الله.
دخل المازني على الإمام الشافعي في مرضه الذي توفي فيه، فقال له: كيف أصبحت يا أبا عبدالله؟ فقال: أصبحت من الدنيا راحلا وللإخوان مفارقا ولسوء عملي ملاقيا ولكأس المنية شاربا، وعلى الله تعالى واردا ولا أدري أروحي تصير الى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ثم أنشأ يقول:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت الرجا مني لعفوك سُلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
الله، الله، الله، هكذا هو الاستعداد للموت بتفاؤل المؤمن الموحد المستعد للقاء القدير، وأنت مودّع هذه الدنيا وكلك ثقة بالله عز وجل بأنه رحيم بك.
عزيزي القارئ الكريم، منذ صغرك اعلم واعمل الخير وحافظ على فروضك والسنن تكن أهدأ الناس في حالة الاحتضار استعدادا للموت، فما تزرعه من عمل وعبادة وخير محفوظ لك في الرصيد الرباني وهو أرحم الراحمين بك وبخلقه.
علينا منذ هذه اللحظة التي تقرأ فيها هذا الكلام ان يكون تصورك ليوم القيامة يوما رائعا لأن في انتظارك الملائكة، مصداقا لقوله تعالى: (وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون).
ستكون إن شاء الله مستعدا من فرحك وأنت تطلقها صرخة في العالمين من اليقين بكرم الله عز وجل: (هاؤم اقرأوا كتابيه).
وستكون سعيدا أكثر عندما تنظر خلفك وترى عيالك وذريتك تتبعك لمشاركتك فرحتك بالفوز بالجنة: (..ألحقنا بهم ذريتهم).
في ذاك اليوم العظيم سنحصل على شفاعة سيد الخلق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى: (يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم).
إذا كنت في حياتك موحدا مؤمنا فسيكون يوم القيامة يوم الاحتفالية بفوزك بالجنة (ضيفا مكرما) أنت وأهلك وتسمع نداء خالصا لك ادخل: (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون).
سيكون هناك من الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا).
إنها احتفالية تكريم لكل من عمل في الدنيا خيرا، فاطلب دائما طمأنينة القلب بيقين صادق أن مكانك الجنة.
إنني اليوم أخاطب شباب هذه الأمة: عش حياتك بشرط أن يكون زرعك هو حصادك يوم القيامة، فلا تهمل فرضا وأقم السنن، وحسّن أخلاقك قدر ما تستطيع، واخدم الناس وكف الأذى، خذ من بهجة الدنيا ما يعينك على الآخرة وأهوال القبر ونيل الرضا من الرب القدير إله هذا الكون بالتقرب إليه، وأن تجعل التقوى دائما منهاجا في حياتك تسعد بآخرتك!
٭ ومضة: نحن الآن في ظروف جائحة كورونا (كوفيد – 19) في سنة 1442هـ الموافق 2020م والناس (ملّت) ناس تلقوا التطعيم وآخرون في الانتظار وتعبت من انتظار انصراف الوباء، الاقتصاد في انحدار والتعليم يلفظ أنفاسه والناس بالفعل في ضائقة لا يعلمها إلا الله عز وجل، وعسى الله تبارك وتعالى أن يصرفها عاجلا غير آجل!
فمن أجل آخرة مضمونة لنعمل ما يرضي الله، وليكن لهذا الجيل دوره في تقوية أمة الإسلام، ولنبدأ بتقوية مجتمعاتنا وأوطاننا، فلا ننهزم أمام الفتن والشدائد، وهذا يتطلب ان نربي أبناءنا وأحفادنا على نصرة الدين ضد كل التيارات التي تحارب العقيدة الإسلامية خاصة الإلحادية وأصحاب النوايا السوداء السيئة التي تنوي لنا الشر وتريد لأمة الإسلام الهوان وعندهم كل البشر ما داموا متدينين مؤمنين حزبيين!
٭ آخر الكلام: إن المؤمن الموحد لا يخاف الآخرة ويستعد لها من الدنيا قولا وعملا وسلوكا وعفة وشرفا ونورا وحكمة وصلاحا وتقوى، وهذا كله يوصلك الى نيل الجنة بإذن الله، فلن تكون أرحم أبدا من الله عز وجل خالق الخلق.
٭ زبدة الحچي: نظرة في تاريخنا الإسلامي المجيد نجد ان الصحابة رضوان الله عليهم عندما جاءهم النهي عن شرب الخمر امتنعوا، كسروا القلال لما سمعوا نداء التحريم، لقد قالوا: انتهينا يا رب عن شرب الخمر دون تردد ولا إحجام، قال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) الأحقاف 13.
في الآخرة ما لا عين رأت، فاستعدوا لها بمزيد من التقوى والورع بعيدا عن التكبر والصلف والغرور، نشكر الله على كل نعمه الكثيرة التي لا تعد ولا تحصى، نشكر الله عز وجل ونرد إليه الأمر وحده والله ذو الفضل العظيم، فما أعظم الجائزة التي تنتظرك انها جنات عدن والفردوس، فأقبل يرحمك الله، فعش الدنيا واربح الآخرة!
..في أمان الله.