نُشر مؤخرا في احدى الصحف ما نسب إليه بأنه برنامج عمل الحكومة حتى عام 2024، والذي يوضح أولويات الحكومة والاصلاحات التي تقترحها من مالية واقتصادية وتنموية. الا أن تنفيذ بعض هذه الاصلاحات يتطلب تقبلا شعبيا وسياسيا وتشريع قوانين من مجلس الأمة لاقرارها. ان بعض الأولويات والاصلاحات التي تضمنها برنامج عمل الحكومة يتفق مع الاختلالات التي تطرقت اليها «قبل فوات الأوان» والتي نشرها 29 أكاديميًا (منهم كاتبة هذه السطور) من كلية العلوم الادارية في جامعة الكويت. على سبيل المثال تطرق برنامج عمل الحكومة الى الاختلال في سوق العمل واختلال التركيبة السكانية واختلال المالية العامة وضعف النظام التعليمي. كما أن بعض الاصلاحات التي تضمنها برنامج عمل الحكومة يتفق مع الاصلاحات المالية التي نصت عليها رؤية قبل فوات الأوان، مثلا ضرائب انتقائية على السلع المضرة بالصحة والبيئة، وﻣﺮاﺟﻌﺔ رﺳﻮم اﻻﻧﺘﻔﺎع ﺑـﺄﻣـﻼك اﻟـﺪوﻟـﺔ ورﺳـﻮم اﻟﺨـﺪﻣـﺎت اﻟـﻌﺎﻣـﺔ، وترشيد الدعوم الاجتماعية والاستهلاكية. لقد شددت رؤية «قبل فوات الأوان» على أن يكون نهج الإصلاح الاقتصادي شموليًا من دون انتقائية وقائمًا على 4 ركائز أساسية: 1- اقتصاد مستدام. 2- الشفافية ومكافحة الفساد. 3- العدالة الاجتماعية. 4- الاسترشاد بالدليل العلمي. ولضيق مساحة المقال نود التركيز على ركيزتي الشفافية والدليل العلمي، فالشفافية مهمة لكسب الثقة الشعبية، والدليل العلمي مهم في عملية تصميم برنامج الاصلاح وقياس مدى ملاءمته لدولة الكويت كما يفيد في عملية المتابعة والقياس. إفصاحات المالية العامة لقد تضمنت خطة عمل الحكومة الجديدة «اقرار قانون الدين العام»، ومن المهم أن تسبق الدين العام جهود جادة في مكافحة الفساد، ومهم أن يصاحب هذا الدين- إذا كان بالفعل هو الحل الذي تدعمه الدلائل العلمية لمشكلة شح السيولة – ضوابط وشروط لأوجه صرفه وسداده، ويجب أن يصدر بمنتهى الشفافية، وقد أوردنا في الرؤية سبل رفع الشفافية في المالية العامة من خلال تطوير ﻗـﻮاﻋـﺪ إﻋـﺪاد اﻟـﻤﻮازﻧـﺔ اﻟـﻌﺎﻣـﺔ واﻟـﺤﺴﺎب اﻟﺨﺘﺎﻣﻲ، إذ يخلوان بشكليهما الحالي من بيانات الدين العام كحجم الدين القائم، وأوجه صرفه والمصادر المالية التي ستستخدم لتسديده، فعلى سبيل المقارنة تتضمن أنظمة إفصاحات المالية العامة في مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان بيانات عن الدين العام الى جانب الايرادات والنفقات والعجز المالي، ولا تكتفي سلطنة عمان ومملكة البحرين بالافصاح فقط عن الدين، لكنهما تفصحان أيضا عن ما اذا كان الدين داخليًا أو خارجيًا والمبالغ المطلوب تسديدها سنويا، لذا فإن تعزيز الشفافية في الإفصاح عن المالية العامة- بما فيها بيانات الدين العام- خطوة مستحقة، كما لا يقل أهمية أيضا تحديد، الكيان المسؤول عن اصدار وادارة الدين. يقوم حاليا البنك المركزي باصدار الدين المحلي وتقوم ادارة الدين العام في وزارة المالية باصدار الدين الخارجي، ان نموذج الكيانات المتجزئة يصعب عملية التنسيق والاشراف والمحاسبة ورسم الاستراتيجيات والسياسات الوطنية طويلة المدى. والأولى وضع كيان مركزي لادارة الدين كالمعمول به في المملكة العربية السعودية- وهو المركز الوطني لادارة الدين. إن إجراءات كهذه من شأنها بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين وممثليهم في البرلمان. لقد وضعت خطة عمل الحكومة سقف الانفاق عند 19 مليار دينار اقل من الانفاق الحالي والمعتمد عند 21 مليارا، وهو اجراء تقشفي واجب للسيطرة على العجز ولكبح جموح الدين او تسييل أصول احتياطي الأجيال القادمة. الا أن برامج التقشف ممكن أن يكون لها آثار سلبية ومن الواجب تصميمها بحذر، ومن الواجب مراقبتها وتقييمها أولا بأول لتجري السيطرة على أي آثار غير متوقعة، وهنا تكمن ضرورة تصميم برامج الاصلاح بناء على الدليل العلمي من خلال وضع آليات لجمع البيانات وتحديثها ونشرها لتمكن من ﺘﻘﻴﻴﻢ ﺟﺪوى برامج الاصلاح واﻟﺘﺸــﺮﻳــﻌﺎت واﻟﺴــﻴﺎﺳــﺎت اﻟﻌﺎﻣــﺔ واﻟﻤﺸﺎرﻳــﻊ اﻟــﺘﻨﻤﻮﻳــﺔ وﻣــﺪى ﺗــﺤﻘﻴﻘﻬﺎ لأهدافها، إذ لم يعد مقبولا أن ﻳﺴــﺘﻤﺮ اﻟﺘﺸــﺮﻳــﻊ ورﺳــﻢ اﻟﺴــﻴﺎﺳــﺎت في الكويت بناء على الآراء الشخصية والانطباعات العامة والمزاج السياسي، بل يجب أن يكون قائما على أساس علمي وعلى بيانات محدثة. الشفافية.. وشكوك الإصلاح إن استمرار نهج التشريع وصنع السياسات الاقتصادية بالحد الأدنى من الشفافية من شأنه أن يعمق حالة التوجس وعدم الثقة تجاه نوايا وجدوى الإصلاح الاقتصادي، كما قد تُحدِث تلك السياسات،إذا جاءت بمعزل عن الدليل العلمي وآليات تقييمها، آثارًا سلبية تعجل من وقوع الكارثة الاقتصادية التي حذرنا منها في الرؤية، لذا أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية فرصة ثمينة لإعادة بناء الثقة بهما من خلال التعامل مع ملف الدين العام، عليهما استغلالها قبل فوات الأوان. د. حصة العجيان قسم التمويل جامعة الكويت
