غلاء مواد البناء.. يثقل كاهل العقار ويسبب تراجع للمشاريع
يمر سوق البناء بحالة عدم الاستقرار والتذبذب في اسعار المواد الانشائية، بشكل ينعكس سلبا على الشركات العاملة في هذا المجال التي تقاوم بدورها استكمال مشاريعها من جهة، وتحمل خسائر زيادة الاسعار من جهة اخرى، الى جانب التعايش مع الواقع الاليم المتمثل في اختفاء المشاريع الحكومية في الوقت الراهن نتيجة لتداعيات ازمة كورونا. ويقر مسؤولون في شركات المقاولات ان الازمة الراهنة وتراجع المشاريع الحكومية والخاصة كذلك وغلاء اسعار بعض مواد البناء، ادى الى انكماش الطلب بشكل كبير. واجمعوا على ان دخول مناطق سكنية جديدة يزيد الطلب على مواد البناء وبالتالي تزيد الاسعار. القبس استطلعت اراء خبراء حول ابرز التحديات والحلول الممكنة لعودة اداء سوق المواد الانشائية الى طبيعته خلال عام 2021. قال رئيس مجلس ادارة شركة المهلب للمقاولات والتجارة خالد العبدالغني، انه لا يوجد غلاء في اسعار المواد الانشائية بل ان الاسعار تعتبر ثابتة ومعقولة مقارنة باسعار المواد عالميا، لكن تبقى المادة الاهم والاغلى هي الحديد وسعره محكوم بالبورصة العالمية، لافتا الى ان الاسمنت والحديد والطابوق بشتى انواعه من المواد الاعلى طلبا حاليا. واشار العبد الغني الى ان المشكلة في الوقت الراهن تكمن في عدم وجود مشاريع حكومية جديدة والحالي منها ما هو الا استكمال لمشاريع سابقة، بالاضافة الى انه لا توجد مناطق جديدة وبالتالي علينا انتظار توزيع منطقة المطلاع وهذا مرتبط بالقدرة المالية للدولة وطرح مشاريع جديدة. وشدد العبد الغني على ضرورة محاربة الاغراق في اي قطاع وذلك حفاظا على المنتجات الوطنية واقتصاد الدولة ككل، لافتا الى ان جائحة كوفيد 19 تركت اثرا واضحا على قطاع المقاولات اذ توقفت معظم المشاريع ما نتج عنه تراكم الالتزامات مع توقف الايرادات، ناهيك عن هجرة نسبة كبيرة جدا من العمالة، الامر الذي احدث زيادة اجور العمالة العادية والفنية. وتابع: ان تداعيات الجائحة لها اثر خطير على قطاع المقاولات فتوقف طرح مناقصات حكومية جديدة يؤثر بشكل كبير كون ان قطاع المقاولات يعتمد اعتمادا كليا على العقود الحكومية. اختلاف الأسعار اما المدير العام لمجموعة بوخمسين العالمية للمقاولات محمد الخشتي، فقال ان أسعار مواد البناء تختلف في طبيعة الحال من شركة لاخرى، وكذلك قيمة التوصيل، فبعض الشركات تكون مسؤولة عن توصيل المواد إلى المواقع لذلك تحتسب مبلغ إضافي، وهناك اخرى غير مسؤولة عن التوصيل وعلى هذا يقوم العميل بنقل المواد بمعرفته. وتابع: لوحظت في الآونة الأخيرة زيادة في أسعار بعض مواد البناء في السوق، حيث ارتفعت أسعار بعض الأصناف؛ مثل الأسمنت الذي تعتبر زيادة سعره معقولة، مقارنةً بحديد التسليح الذي زاد متوسط سعره أكثر من %12، وهو يعتبر من أهم المواد المستخدمة في البناء، وأكثرها طلباً في أسواق البناء والمشاريع، علما بأن اختلاف سعره، ولو بنسب طفيفة، يؤثر في المشاريع الإنشائية. وبيّن أن أسعار المواد الإنشائية اختلفت في الآونة الأخيرة، وحدثت زيادات متفاوتة، ما أدى إلى تأثر جميع الشركات العاملة في مجال الإنشاءات في الوقت الحالي؛ وذلك لأن المشاريع المُسندة إلى تلك الشركات قد تم تسعيرها طبقاً لأسعار معينة، لكن بعد التذبذب الحادث في الاسعار اضطرت شركات إلى الشراء بالأسعار الجديدة لإنهاء المشروعات المُسندة لها، ومن هنا تأتي الخسارة للشركات، لافتا الى ان الزيادة في الأسعار أثرت سلبا في جميع المشاريع نتيجة للخسائر التي تكبّدتها الشركات، لمجرد الحفاظ على سمعتها بسوق الإنشاءات. وأوضح أنَّ لزيادة الأسعار تأثيراً سلبياً كبيراً في جميع المشاريع بمختلف القطاعات، سواء الحكومية أو الخاصة، لافتا الى ان جميع الشركات لم تتوقع ارتفاع الأسعار بتلك النسب الكبيرة نسبياً، قبل البدء في الأعمال المسندة اليها؛ لذا نلاحظ أن أغلب الشركات قد أصيبت بخسارة كبيرة، لا يمكن تعويضها نتيجة فروق الأسعار. وشدد على ضرورة محاربة الإغراق وقيام الحكومة بفرض ضرائب على المنتجات الواردة من دول أخرى، حماية للمنتجات الوطنية والأيدي العاملة الوطنية والشركات الوطنية التي تقوم بإنتاج منتجات محلية ذات جودة مماثلة للمستوردة من الخارج. وأكد الخشتي أن سوق مواد البناء المحلي تأثر نتيجة تداعيات الجائحة التي كانت لها آثار سلبية في عائدات النفط، ما أدى إلى عجز في الموازنة العامة، وبالتالي انخفاض عقود المشاريع الحكومية والخاصة، وتوقف أعمال الاستيراد والتصدير للمواد الأساسية والخاصة بأعمال صناعة البناء، مبينا ان الكثير من شركات المقاولات الخاصة بالكويت تضررت بسبب زيادة المنافسة على العطاءات بين مقدّمي العروض لتأمين المشاريع الجديدة، بغض النظر عن إمكانية الربح أو الخسارة للمشروع؛ وذلك بهدف كسب بعض الوقت الإضافي للاحتفاظ بالإستمرارية، ولتظل الشركات تعمل بغض النظر عن المكسب والخسارة. وأضاف الخشتي انه لتعزيز قطاع مواد البناء والمشاريع الإنشائية، على الحكومة التدخل عن طريق إعادة فتح أسواق الاستيراد، مع أخذ كل التدابير الطبية اللازمة لمكافحة ظاهرة انتشار الفيروس، وكذلك فتح أسواق جديدة للمنتجات المستوردة، مع الأخذ في الاعتبار جميع القرارات المفروضة على المنتجات الواردة، وذلك لفتح باب المنافسة بين المنتجات المحلية والمنتجات المستوردة، بغرض خدمة الشركات المختلفة، بالاضافة الى العمل على طرح أكبر عدد من المشاريع الحكومية ودخول الحكومة في شراكات مع كبرى شركات المقاولات، ولو بنسب بسيطة. العرض والطلب من جهته، قال الرئيس التنفيذي في شركة اكسبر للاستشارات وإدارة الأعمال المهندس نايف بستكي: إن أسعار بيع المواد الإنشائية في السوق المحلي مختلفة، وتتأثر بقوى العرض والطلب، فكلما زاد العرض من المواد وقل الطلب انخفض سعر بيع تلك المواد، والعكس صحيح، لافتا إلى أنه كلما شحَّت تلك المواد عن السوق لأسباب مختلفة وزاد الطلب عليها، خصوصا من قبل المقدمين على عمليات البناء، ارتفع سعر البيع بشكل طبيعي. وعن الاسعار، قال بستكي: ان المتابع لأسعار مواد البناء والمصنعية يجد ان هناك ارتباطا مباشرا بينها وبين نشاط القطاع العقاري، موضحا انه بتداول مناطق سكنية حكومية جديدة ونزولها الى السوق يصاحبها نشاط لقطاع المواد الانشائية، وبالتالي ارتفاع الأسعار. وتابع: فعلى سبيل المثال كان سعر الطن الواحد للحديد المستخدم قبل خمس سنوات تقريباً حوالي 240 دينارا، واليوم يتداول بأسعار قريبة من 175 دينارا. كما تعتمد تلك العملية الاقتصادية على يومية العمالة فإن سعر المتر المربع لعملية المساح كانت في حدود دينارين وانخفضت اليوم بمقدار %50. ولذلك فإن أسعار تداول المواد الانشائية مرتبط بنشاط السوق، والذي يعكس الاستقرار النسبي لذلك وهو مؤشر إيجابي، خصوصاً اذا ما تمت الرقابة الفاعلة من قبل وزارة التجارة والصناعة على السوق. وزاد تشير البيانات الى أن اثر غلاء أسعار مواد البناء في المشاريع بأنها تساهم في رفع القيمة الايجارية بالنسبة للقطاع التجاري والاستثماري، الى جانب السكن الخاص. كما ان ارتفاع الأسعار يصاحبه ارتفاع لقيمة العقار بشكل عام، ولعل للتأخر في تنفيذ المشاريع الانشائية على المستوى الحكومي اثره في تأجيل أو إلغاء التنفيذ، وذلك بسبب تغير الأسعار عن الميزانية التي تم رصدها للمشروع مسبقاً. وزاد: نرى بأن يترك السوق ليعادل نفسه من خلال عملية العرض والطلب، والتي بطبيعتها ستوازن الكفة الأرجح، وان أي تدخل كبير ممكن ان يفسد تلك العملية التجارية. وحول تداعيات الجائحة على القطاع، قال إن الجائحة شلت العديد من قطاعات الاعمال المختلفة والتي منها قطاع المقاولات، وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الشركات الرائدة قد وجدت منها فرصة لتطوير قطاع الاعمال لديها وتحقيق رضا عملائها بشكل اشمل، وفي المقابل فإن الكثير من الشركات الأخرى التي لم تستطع مجاراة الازمة فإنها اضطرت للخروج من السوق، خصوصاً ان قطاع المقاولات يعتمد على المصاريف الثابتة من رواتب وايجارات بشكل كبير. ويرى بستكي ان جائحة كورونا كانت فرصة لإعادة موازين القوى وتوزيع الحصة في سوق المواد الانشائية بشكل كبير، وذلك من خلال تطوير هذا القطاع الجامد بإدخال التكنولوجيا الحديثة في إدارة هذا المرفد الحيوي. واضاف:عمليات الاندماج والاستحواذ بين الشركات قد تكون من الحلول الملائمة في المحافظة على بعض شركات القطاع من الإفلاس. أكثر المواد غلاءً بسؤال بستكي عن أكثر المواد غلاءً، قال: إن أعمال الخرسانة المسلحة والحديد تعد الأكثر استنزافاً للميزانية المرصودة، والتي تنبغي متابعة تغيير أسعارها بشكل دقيق إذا ما أردنا الحصول على أفضل الأسعار التنافسية. أما بخصوص المواد الأعلى طلباً فتعتبر تلك المواد الإنشائية الأساس، التي لا بد أن تتواجد بشكل صريح لقيام الهيكل المدني بشكل رصين، في حين إن السوق المحلي مليء بالكثير من المنتجات المنافسة الأخرى والبديلة، والتي يمكن من خلالها الحصول على أسعار تنافسية بجودة عالية. الأوضاع في 2021 غير مبشِّرة Volume 0% يقول العبد الغني: إن عودة القطاع إلى طبيعته في ظل الظروف الحالية صعبة؛ فالحكومة حاليا تعاني من عجز مالي في الميزانية، الامر الذي يتطلب حزمة اصلاحات تحتاج وقتاً لتطبيقها، خصوصا في ظل وجود التجاذب السياسي بين السلطتين، متوقعا ألا يكون عام 2021 مبشّراً؛ فالأوضاع ستبقى صعبة على الجميع، وأسعار المواد ستظل ثابتة، وإن حدث انخفاض فسيكون بسيطاً. 3 أسباب وراء تذبذُب الأسعار قال بستكي: إن «اكسبر للاستشارات وإدارة الأعمال» قامت بعمل دراسة سابقة عن التوقّعات لعام 2021، خلصت الى ان استقرار سوق العقار في الكويت مرتبط بتداول سعر برميل النفط الكويتي بقيمة 65 دولاراً؛ ولهذا من المتوقع استمرار تذبذب أسعار قطاع المواد الإنشائية بالكويت في عام 2021 بفضل ثلاث قوى مسيطرة، وهي: 1- سعر برميل النفط الذي تشير البيانات الى انه لن يتجاوز 55 دولاراً خلال العام الجديد، وذلك سيسهم في ركود القطاع الإنشائي. 2- استمرار الأزمة الصحية من شأنه عرقلة المزيد من الأعمال والمشاريع وإعادة الأولويات. 3- قدرة المؤسسات الحكومية على توزيع الوحدات السكنية في منطقة المطلاع، أثرها كبير في إعادة الروح إلى هذا القطاع، الذي على ما يبدو أنه ستجفّ منابعه، وستقوم بعض الشركات ــــ خصوصاً الصغيرة منها ــــ بالخروج من السوق خلال عام 2021؛ وذلك لعدم القدرة على التزام تحقيق الأعمال المرجوة. 4 انعكاسات لمحاربة الإغراق قال محمد الخشتي إنه قبل الحكم على سياسة محاربة الإغراق، علينا بحث بعض النقاط الرئيسة التي ستكون لها انعكاسات على السوق والاقتصاد، والمتمثلة في التالي: 1- إيقاف العمل بفرض الرسوم الجمركية لمكافحة إغراق السوق سيؤثّر بالسلب في المنتجات الوطنية. 2- القضايا والتعويضات التي ستطالب بها الجهات الحكومية المسؤولة عن عدم تطبيق القرارات الدولية. 3- الإساءة إلى سمعة الكويت أمام دول العالم. 4- إهدار للمال العام والرسوم المفروضة، التي من المفترض أن تَؤُول إلى خزينة الدول.