«إن أزمة الإنسانية الآن، وفي كل زمان، هي أنها تتقدم في وسائل قدرتها، أسرع مما تتقدم في وسائل حكمتها» – توفيق الحكيم أحد الأصدقاء كان مسافرا إلى إحدى الدول الشقيقة برفقة زميل له في مهمة تتعلق بعمله، قبل سفره من الكويت عمل الإجراءات اللازمة لظروف كوفيد 19، ومن ثم اتجه للدولة الشقيقة برفقة زميله كما ذكرت في السطر السابق، وعندما وصل البلد الشقيق كان عليه أيضا الامتثال لإجراءات مماثلة تتعلق بكوفيد 19، وقضى الليلة الأولى في العاصمة، في اليوم التالي كانت وجهته إلى مقر عمله الذي يبعد ما يقارب ستمئة كيلومتر على طريق بري. وهنا تبدأ الحكاية المضحكة – المبكية، إذ كانا (أقصد الصديق وزميله) يلبسان أشبه بساعة يد كمنبه وقيد احترازي تسلماهما من الجهة المختصة، وبعد تجاوز مسافة لا بأس بها من الطريق، وأثناء السير مرت بجانبهما شاحنة كبيرة، بعد تجاوزهما الشاحنة بثوان اشتغل الصوت العالي بالمنبه الذي في اليد، منبها بأن من في جوارك يحمل الفيروس القاتل «كورونا»! هنا كان وقع المفاجأة المرعبة، انزوى كل منهما إلى زاوية المقعد وأصبحا يتوجسان خيفة من بعضهما، وعلى طريقة «سيب، وأنا أسيب» مضى وقت الطريق الذي لبس لباس الرعب، وكل منهما يحذر الآخر من الاقتراب، لأن الاقتراب يعني نقل الفيروس، ومن ثم ستكون الزائرة المكروهة عند باب الحال! وصلا منطقة العمل بعد رحلة اتسمت بالتباعد الجسدي الإجباري بفعل التنبيه عن حالة الحذر، وهناك بعد دقائق من وصولهما، وصلت كلا منهما رسالة نصية من الجهات المختصة بأنهما اجتازا مسحة «كورونا»، وبأن المسحة سلبية (كانا قد أخذا المسحة الاختبارية يوم الوصول في المطار)! تنفسا الصعداء، لكن قفز سؤال مهم: ما هو سبب التنبيه الذي وصلهما بالوقت نفسه؟ تبين أخيرا أن سائق الشاحنة الذي مر بجانبهما بسرعة، هو الذي كان يحمل الفيروس، لذلك التقطه جهاز التنبيه، ويا لها من رحلة لا تنسى! ما جرى مع الشخصين سالفي الذكر هو اختصار يلخص مجريات عام مضى، عام استثنائي، عام لن ينسى، عام بدأ بالزئبق من مدينة «ووهان»، واختتم بالزئبق الذي ما زال منتشرا ولم يبق ولم يذر، وكسر كل المحرمات، ودخل في المسموح والممنوع، عام لم يترك للكيمياء نظرية، ولا للفيزياء معادلات، ولم يستوعبه أهل التاريخ، وتباينت حوله آراء أهل السياسة. يوسف عوض العازمي @alzmi1969
