أبناؤنا والبطالة – بقلم : عادل نايف المزعل
بقلم : عادل نايف المزعل
البطالة، وما أدراك ما البطالة، هي مشكلة كل بيت في الكويت، وهي تورث الحسرة والندم والهمّ والغمّ لأنها الفراغ المدمر، وقد تكون سببا للمعاصي والعياذ بالله، ولخطورتها على النشء تتسارع الأمم لاتقاء شرها وأثرها المدمر على النفس والمجتمع بإيجاد فرص عمل حقيقية لأبنائها الخريجين، وأقول فرص عمل حقيقية، لأن البطالة المقنعة لا تختلف عن البطالة في شيء فكلتاهما ضارة.
قد نفهم أن تحدث البطالة في بلد يئن من الديون أو كثرة عدد السكان، فتدفعهم البطالة إلى عبور البحر في مراكب خشبية مقدمين أرواحهم رخيصة من أجل فرصة عمل على الجانب الآخر من البحر وما أكثر من عبروا وماتوا في قاع البحر وهم يلهثون وراء وظيفة وسراب خادع حيث دفعتهم الحاجة إلى ركوب الموت، لكننا في الكويت بلد النفط والرفاه، فنعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى، إلا أننا نعاني أزمة نتائجها تضرب كل بيت كويتي ولا يعلم مداها إلا الله فكيف لأب أن يتصور أن يتخرج ابنه ويجلس حبيس البيت في انتظار خطاب ديوان الخدمة المدنية لكي يوزعه على وظيفة قد لا تتناسب معه، خطاب وظيفة يأتيه بعد مضي سنوات على تخرجه تبخرت فيها آماله وهو حبيس البيت حيث فترت همته وتسرب اليأس إلى قلبه وكسر فؤاده. إن العاطلين عن العمل قنبلة موقوتة داخل كل بيت فما هو الحل؟!
الحل يكمن في التخطيط، فهو العلاج الناجح لمشكلة البطالة في الكويت، فأعداد الخريجين ليست سرا حربيا وحاجات سوق العمل يمكن إحصاؤها ويمكن عمل خطة لاستخدام الخريجين فور تخرجهم دون أن يبقوا عاطلين في بيوتهم، فغياب التخطيط هو السبب لما نحن فيه في الكويت وهو الأساس في مشكلة البطالة، فلابد من خطط تنموية شاملة تتسع لتشمل كل أبنائنا وتحقق لهم الاستقرار النفسي وتزيح عنهم وتزيح عبئهم عن كاهل اسرهم حيث أثقل الغلاء ومصاريف التعليم كاهلهم.
إن معاناة الأسر الكويتية من بطالة أبنائها هي معاناة كارثية بمعنى الكلمة، فما معنى أن تظل الأسرة تنفق على أبنائها وتتطلع إلى يوم الخلاص يوم الفرحة يوم يتخرج أبناؤها، وما تلبث فرحتهم أن تتبدد وهم يرون فلذات أكبادهم وقد تحولوا إلى عاطلين يقضون نهارهم نائمين وليلهم يجوبون الشوارع مع أصدقاء السوء لا عمل لهم فيما قد ينفع ضعاف النفوس منهم إلى الانحراف وإدمان المخدرات، فالفراغ هو بداية الطريق إلى الضياع، فالشيطان موجود ويفتح ذراعيه لاستقبال العاطلين وما أكثرهم في ظل عدم وجود تخطيط مدروس يستوعب الخريجين.
عيَّن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه واليا، فأراد أن يمتحنه فقال له: ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو بناهب؟ قال: أقطع يده.
قال إذاً إن جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك. يا هذا إن الله قد استخلفنا على خلقه لنسد جوعتهم، ونستر عورتهم، ونوفر لهم حرفتهم، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها. إن هذه الأيدي خلقت لتعمل، فإذا لم تجد في الطاعة عملا التمستْ في المعصية أعمالا، فأشغلها بالطاعة، قبل أن تشغلك بالمعصية.
فمن هذه القصة نشعر بعظمة عمر بن الخطاب الذي رأى أن واجب الدولة الإسلامية أن توفر العمل لكل عاطل قبل أن تحاسبهم إدراكا لخطورة البطالة وأضرارها على المجتمع، فإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أدرك خطورة البطالة على فلذات أكبادنا فلنسع جاهدين إلى حل سريع وحازم لهذه المشكلة في زمن النفط وظل الأعداد القليلة لشعب الكويت، فنحن للأسف نعيش الارتجال والتخبط بأبشع صوره، فلو كان هناك تخطيط لعرفنا عدد خريجينا خلال السنوات القليلة القادمة واعددنا لهم وظائفهم فبمجرد تخرجهم يجدون وظائفهم بانتظارهم، فهذا هو التخطيط كما يفهمه العالم المتحضر والمتقدم، إن الدولة هي المسؤول الأول عن توفير العمل لكل كويتي كما ينص الدستور فاحرصوا على توفير العمل لأبنائنا.
اللهم احفظ بلدي الكويت وأميرها وشعبها والمخلصين عليها من كل مكروه، ونسأل الله أن ينصرف عنا هذا الوباء ويقينا شر الداء، اللهم آمين.