إلغاء تجريم تعاطي الحشيش – بقلم : عبدالحميد البلالي
يطرح البعض في الآونة الأخيرة في وسائل التواصل الاجتماعي دعوة خطيرة، ستؤدي في حال تطبيقها الى كارثة اجتماعية وأمنية كبيرة، هذه الدعوة الجريئة تأتي في سياق سلسلة من الدعوات المشابهة، بدأت منذ منع الخمر في الكويت في مطلع الستينيات، قد تتوقف مثل هذه الدعوات بعض الفترات، ولكنها لا تلبث ان تطفو للسطح تارة أخرى، ولكن المختلف في هذه الدعوة عن سابقتها، هي الجرأة في الدعوة الى «إلغاء تجريم تعاطي الحشيشة والميرغوانا» بحجج واهية، منها انها مخدرات آمنة، مثلها مثل بعض الأدوية المهدئة، وأن بعض الدول الغربية والولايات المتحدة ألغت تجريم تعاطيها. ولابد من تسليط الضوء، ومناقشة هذا الطرح من خلال 4 محاور:
المحور الأول: تاريخيا: لم يعرف العالم الإسلامي مخدر الحشيش إلا في نهاية القرن السادس الهجري، مع دخول المغول وهجومهم على العالم الإسلامي، وقد ذكر العالم ابن البيطار في كتبه «ولم أرى القنب الا في مصر، ويزرع في البساتين، ويسمى الحشيشة عندهم، وهو يسكر جدا، وإذا تناول منه إنسان يسيرا قدر درهم أو درهمين، حتى ان من أكثر منه يخرجه الى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فأضل عقولهم… إلخ».
المحور الثاني: شرعيا: لم يكن المسلمون في العالم الإسلامي قبل القرن السادس الهجري يعرفون شيئا عن الحشيش، ولكنه عندما وصل إليهم، ورأوا آثاره السلبية الكثيرة، أفتى البعض في تحريمه، وتوقف البعض الآخر، ولكنه مع مرور الوقت، وثبوت آثاره المدمرة أفتى حتى من امتنع بتحريمه بالتحريم، وعلى رأس العلماء الذين قادوا محاربة هذا المخدر شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي قال فيما قاله: «قليل الحشيشة المسكرة، حرام عند جماهير العلماء، كسائر القليل من المسكرات، للقاعدة، «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام».
إن النظرة الشرعية التي يعتمدها الشرع في تحريم المأكول والمشروب، هي:
أولا: عدم الإضرار بالضروريات الخمس التي جاء الإسلام بحفظها وهي: «الدين، النفس، النسل، المال، العقل»، فعندما يثبت علميا بأن طعاما او مشروبا له أثر على العقل (تنشيطا، او تهبيطا، أو تفتيرا) فيدخل في دائرة الحرام.
ثانيا: ان القاعدة التي ذكرها ابن تيمية بالتحريم هي حديث النبي صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: «كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» والمسكر هو ما يؤثر على أداء العقل فيخمره اي يغطيه ويؤثر على أدائه، وكل سائل او مطعوم يؤثر على أداء العقل فيدخل بالحرام.
المحور الثالث: علميا: الحشيش او الميرغوانا، من نبات القنب الهندي (Caninabis) ويصنف انه من المهلوسات، وقد يستخدم في بعض الأحيان في تسكين الألم وتهدئة الأعصاب لتأثيره على قشرة الدماغ، إلا ان أضراره تفوق منافعه كثيرا، حيث يبدأ تأثيره بالشعور بالاسترخاء ثم النشوة، ثم النشاط الفكري، ثم تعقب ذلك الهلوسات والنوم العميق، ثم تحدث نوبات عصبية أحيانا، وتباطؤ التنفس، وازدياد التعرق، ثم يضعف التركيز، وقد يكون مستعدا للقيام بأعمال متهورة، وقد يرتكب بعض الأحيان للجرائم. ومن آثاره السلبية انه يسبب خللا في تقدير الزمان والمسافات، حيث يبدو عنده الزمن طويلا جدا، كما يسبب هلوسات سمعية وبصرية، وهذيان، وبشكل عام، فإن أخطر تأثيراته السلبية، تتركز على الجهاز التنفسي، والعقلي، وجهاز المناعة، ويزيد من البلادة والكسل.
مراحل التعاطي: ولابد من التعرف على مراحل التعاطي عند المدمن، والتي تتكون من 3 مراحل هي: التعود والتحمل والتسمم.
وما يهمنا في هذا النقاش هو المرحلة الثانية وهي مرحلة التحمل (Tolerance) أي أن المدمن عندما يتعاطى للمرة الأولى ويشعر بالنشوة ثم يكرر التعاطي للحصول على تلك النشوة، لا يجدها، أي يتشبع الجسم من ذلك المخدر، مما يجعله يزيد من الجرعة او يخلط مع المخدر مخدرا آخر، او انه ينتقل الى مخدر أقوى حتى يصل الى النشوة التي شعر بها في المرات الأولى. لذلك فمن النادر ان يبقى متعاطي الحشيش على الحشيش وحده، مما يجعله قطعا غير آمن.
المحور الرابع: ميدانيا: من واقع خبرتنا في الميدان في جمعية بشائر الخير، منذ ما يقرب من 25 عاما، نلتقي بآلاف المدمنين، ونرى ونعيش تفاصيل حياتهم منذ البداية حتى التعافي او السجن او الوفاة، وكل يوم نستقبل حالات جديدة من جميع الأعمال والعوائل، والمستويات الاجتماعية، كويتيين وغيرهم، فنرى انهيار الأسر، وتفكك العلاقات الزوجية، والكثير الكثير من الجرائم لمتعاطي الحشيش والميرغوانا، ونرى قصصا كثيرة من الفشل الاجتماعي، بسبب هذا التعاطي.
إن الدعوة لرفع تجريم تعاطي الحشيش دعوة خطيرة، حيث ان معظم متعاطي الحشيش ـ لا يثبتون على الحشيش، إنما هو جسر لبعض المخدرات الخطيرة، فالدعوة لرفع التجريم سيفتح الباب واسعا لزيادة أعداد المتعاطين، وتجار المخدرات، وارتفاع معدل الجريمة، وانهيار الأسرة الكويتية، فهل يعلم المنادون بذلك نتيجة ما يدعون له؟
وأخيرا نقول ان حجة إباحة بعض الدول الغربية للحشيش ليس مبررا لإباحته عندنا، فكثير من الأمور المنافية لمبادئنا وديننا وتقاليدنا أباحها الغرب، فهل نحن ملزمون بتقليدهم فيما أباحوا؟!
اللهم احفظ الكويت ومن عليها من كل مكروه، ومن كل من أراد بها شرا، وهو يعلم أو لا يعلم.