قُلْتُ: إنه الجمال حين حلْ في رياض أنس نَــزَلْ قد كَسَـا الكون حللاً بــها الحزن قد رحلْ أتعبني جمالكِ العذري حين حَلَّ، فأزال بنات أفكاري، وأذهلها هذياناً، فتراقصت غير آبهة بجموع الحاضرين، وساقها ضجة في نفوس الراقبين والسامعين، وأوردها الأماني، كل الأماني، فكيف بالله أحيا دونه القمر وقد اكتمل، في ربيع مورق زاهر فنن، ونفس طيبة، وقلب آسر. كيف بالله أصحو ولا أجد بزوغ فجري يصافح وجهك في يوم لي فيه البقاء، ودنوت حتى نزع عني ثوب الكبرياء، وكساني ثوب الحياء. يا سابحاً في جو السماء قف تأمل، ثم أدرك هواك فيما مضى وقَدِم، فأقم له موائد حافلة بكل النعم، فهاك تباريح شوق غالب النفس فأوردها سابق الزمن، فتية تتلقب في شأنها كباسقة نخيل العراق، ومورقة بساتين سيف بن ذي يَزَن. زانها الحسن بهاء حتى أخفرها عن أعين لا ترى غير حسن وشجن. في دروب التيه نركب سوياً سفائننا، نبحر حيث نحن أتقياء، نُحَبِّرُ كل الأوراق، نسكبها الأحبار، وفي أواسط الموج نغدو ضعفاء، تتكسر أضلعنا لهفة في حميم الشوق وآهات الحنين، جبراً نعيد للحب زهوه ومناه. نُبْحِرُ حيث نحن وقد قطَّعنا السكون، ونُسلِم ذواتنا همس السجون، فيحلو النظر بعيون غارقة في بحر شوقِها، تُجَمِّلُ نفوسنا استدامة النظر. حتماً سارت بنا الركائب دونهم، فما لنا في اليد حيلة، ولا في نزولهم رغبة دون رهبة، فباعدها الله عنا من قربة، وأسكننا دياراً ليس لهم بها حيلة ولا دربة. سرنا معاً خطوة إثر خطوة وكأننا نهتف أن لا أحد يماثلنا شوقاً ولهفة، في رياض يغدو شدو الأطيار لحناً، وخرير ماء الجداول همساً، يحيل السكون سروراً وراحة ونزهة. حطَّت رواحلنا في واحة الأنسِ، حيث لا جن ولا أنس، في كنف المحبة بتنا، لا قرع نعال، ولا طبع حذاء، نحن البشر دوننا لا بشر. فأسعدنا ليل النجوم، ودنت منا الثريا، فهاتفها سهيل الجنوب، أن لا يبزغ القمر، ففي بدر المحبين وجه القمر، تلألأ حتى غدا ينير أكواننا وما حواليها، فيبثُ الأمن راحة بلا ضجر. يا عذراءُ كيف يغدو بكِ الخجل، أصنعتِ للخدين حمرة الخجل، أم زرعتِ للناظر حلو الخفر، فجمالكِ حياء غلَّف الأستار، وأبان من حولها جمال النظر. في معينٍ عذبٍ سَبَحَ إنسان العيون، وأحاطه بياض الدرر، لا يماثله النظير، ولا يغشاه الكَدر. د. سعود محمد العصفور
