الحكومة والمجلس… كالمُستَجيرِ مِن الرَّمضاءِ بالنارِ ،،، بقلم / أحمد الجارالله
مجلس الأمة والحكومة ضدّان لن يجتمعا طالما بقي النَّهج لدى الطرفيْن على ما هو عليه، وإن اجتمعا فلن يتعدى الأمر المُهادنة إلى حين، هذا إذا استمر كلٌّ منهما على موقفه، فهذه المرة الأولى التي يضم فيها المجلس هذا العدد من المُكوِّنات السياسية والاجتماعية، التي جاءت بسبب عدم استماع الحكومة للنصائح التي أسديت إليها، وعدم قراءتها للواقع، وتغيّبها عن الحلول التي تلبي مطالب الشعب، أو بالأحرى شريحة كبيرة منه، بل إنها سايرت مجموعة قليلة من المُتنفذين.
الجميع يُدرك حالياً أن الأزمة بين الطرفين وصلت إلى طريق مليء بالألغام، وكلاهما يحذر التنازل للآخر، بينما الحكومة ضيقت مساحة خياراتها، بل خسرت رصيدها الشعبي، وأصبحت بموقع المتهم الذي عليه أن يدافع عن نفسه بإجراءات حقيقية تنقذ البلد.
ثمة تقارير عدة أكدت أن نحو 67 في المئة من الشركات والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وبعض الكبرى، تتجه إلى الإفلاس، وصحيح أن قانون الإفلاس الذي أقر أخيراً ربما يحمي بعضها، لكن ذلك لا يكفي، لأن الأزمة المالية ستزداد، وخير مثال ما يجري في سوق الأسهم الذي يخسر يومياً بدلاً من الاتجاه إلى الربح، كما هي الحال في أسواق المنطقة والعالم.
كلُّ هذا سببه خطة التحفيز التي لم تُلبِّ حاجات الشعب، بل لم تنفذ؛ لأن الشروط التي وُضعت غير واقعية، إضافة إلى أن السلطة التنفيذية عمدت إلى إجراءات شبه تعجيزية، فهي أقفلت الحدود، ومنعت دخول الناس، ولم تعمل على تعويض المُتضررين، بينما دول الإقليم اتخذت إجراءات أكثر جدية وواقعية، فهي دعمت اقتصادها وشعوبها، وعلى المستويات كافة.
في الإمارات، مثلاً، أسقطت الحكومة نحو سبعة مليارات درهم من قروض المواطنين، وقدَّمت حوافز مالية بنحو مئة مليار درهم، وفرضت على البنوك تأخير سداد ما تبقى من القروض لستة أشهر أخرى، فيما خفضت الفوائد، أما السعودية فقد خصصت 226 مليار ريال لدعم الأفراد والمنشآت والمستثمرين والقطاع الخاص، وعلى هذا النحو سارت بقية دول المجلس.
أما في الكويت، فكانت المعالجة لهذه الجائحة خجولة، بل إن عشرات ملايين الدنانير التي أنفقت على خطة مواجهة “كورونا” طالها الكثير من الهدر، وانعدام الرقابة، فيما بقي المواطن يتلظى على جمر الوعود التي أدت في نهاية المطاف إلى هذا المشهد المرعب من التراجع المالي، والتصنيف الائتماني نتيجة عدم جدية الحكومة، أو استخفافها بالمُطالبات الشعبية.
كلُّ هذه الوقائع تعني فشلاً في الإدارة، وثمة مثل عربي يقول: “إن الرجل الطيب والخلوق أزوجه ابنتي، لكنني لا أعتمد عليه في إدارة الشؤون العامة”، وهو ما ينطبق على سمو رئيس مجلس الوزراء، صاحب الكف النظيف، والسمعة الحسنة، لكن ذلك لا يكفي، إذ عليه أن يدير الملفات وفقاً للحقائق، ويقف على هموم الناس، وألا يكون هو في وادٍ والشعب في وادٍ آخر، وبينهما مجلس أمة يسعى كلُّ نوابه إلى تحقيق إنجازات شخصية، حتى لو كان ذلك على حساب الدولة والشعب.
حالياً يكثر الحديث عن أهون الشَّريْن بالنسبة إلى السلطة التنفيذية، وهي إما الاستقالة وإعادة تكليف سمو الشيخ صباح الخالد، وتأخير تشكيل الوزارة شهراً أو شهرين، أو تأجيل انعقاد المجلس لشهر، أو حله وإعادة الانتخابات، على النهج السائد حالياً، أي حل من هذه لن يُعالج المشكلة، بل كلها ستؤدي إلى مزيد من التعقيد في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بسبب تجاهل أصل العلة، وهي الاستياء الشعبي من إجراءات السُّلطة المعنية.
أضف إلى ذلك أن الحكومة جلبت العداء لنفسها، من وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ولم يعمل سمو الرئيس بالتعهد الذي قطعه على نفسه باللقاء مع رؤساء التحرير والمسؤولين في وسائل الإعلام شهرياً، وأن ينقلوا إليه هموم الناس ومطالبهم، لكن منذ ذلك اللقاء اليتيم “هذا وجه الضيف” كما يقول المثل الشعبي، بل ترك الساحة للنواب الذين يصولون ويجولون في زيادة النقمة الشعبية، وهذا أمر جدُّ خطير إذا لم تتداركه الحكومة.
ربما من المفيد النظر إلى العلاقة بين وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والحكم في دول الخليج العربية، فقد استطاعت الحكومات تسويق نفسها بكثير من المرونة، وتلبية مطالب الناس، فيما في الكويت لا يرون ولا يسمعون ولا يقرأون، بينما الديمقراطية التي يتغنى بها الكويتيون تعني إفساح المجال للناس للتعبير عن نفسها، وعدم فرض الرقابة على الإعلام أو المحاسبة على تغريدة هنا وأخرى هناك، لا تمسُّ الثوابت الدستورية.
لذا لا بد من وجود حل للأزمة، وهو من خارج الخيارات المطروحة، فإذا كان هناك تعليق للدستور وحل للمجلس، لا بد من أن يتبع ذلك تعديل للدستور، الذي أصبح بحاجة ماسة لهذه الخطوة، فهو ليس نصّاً منزلاً، فالولايات المتحدة عدَّلت دستورها نحو 30 مرة، وفرنسا 25 مرة، وغيرها وغيرها من الدول الأكثر ديمقراطية من الكويت وكان ذلك من أجل تطوير الدولة والمجتمع.
أما في ما يتعلق بالأزمة المعيشية والاقتصادية، معالجة القروض، بحيث تتكفل الحكومة بأصل الدَّيْن وتعيد جدولته، تسقط الفوائد عبر الاتفاق مع البنوك والمؤسسات المالية، وتعيد جدولة ما تبقى منها، وكذلك الاستعانة بصندوق الأجيال الذي يستثمر في دول العالم كافة، بينما في الكويت ليس له أي نشاط، ويمكن للحكومة أن تضخ بين مئة ومئتي مليار دولار من أمواله باستثمارات مُربحة في البلاد، وتكون عوائدها أكثر فائدة.
في القضية الإسكانية لدى الكويت أمثلة عدة، منها الخطة السعودية، أو كما هي الحال في المغرب، وكذلك سلطنة عمان ومملكة البحرين، حيث تقدم الدولة الأرض وتتكفل بضمان القروض وفوائده المخفضة جداً، وهناك بنوك إسكان معنية بالإقراض لهذا الشأن.
لا شكَّ أن أيَّ تجاهل لهذه القضايا، واللجوء إلى الحلول المُعتادة سيدفع إلى تسريع الانهيار المالي، وكذلك استفحال الأزمة السياسية، وعندها ستكون الحكومة والمجلس كالمُستَجيرِ مِن الرَّمضاءِ بالنارِ.