منذ يونيو ٢٠١٧ تلبدت سماء الخليج بغيوم الخلاف السياسي بين بعض دول مجلس التعاون، الذي أسس بفكرة كويتية في أوائل ثمانينات القرن الماضي نبعت من أمير القلوب رحمه الله، وانعكس هذا الاختلاف السياسي وبشدة على جوانب شتى، أولها الجانب الإقليمي الذي اختل توازن القوى فيه، ولم يكن هذا الاختلال لمصلحة التكتل الخليجي المتفكك بالطبع، وأيضاً انعكس على الجانب الاقتصادي بسبب إغلاق الحدود والحصار المفروض، وكان له بالغ الأثر على الجانب الدبلوماسي، إذ انقطعت العلاقات الدبلوماسية بين البلدان المختلفة، واقتصر التمثيل الدبلوماسي في الاجتماعات على وزراء الخارجية أو رؤساء الوزارات، إن لم يكن غياباً عن الحضور. ولم يسلم الجانب الاجتماعي الذي تأثر بالغ الأثر بكسر نفوس الشعوب، فانحرم الأزواج والأولاد والأنساب والأصدقاء من رؤية بعضهم بعضاً بسبب إغلاق الحدود، وتم التمادي في الانزلاق بالتراشق الإعلامي في وسائل التواصل الاجتماعي وتجييش حتى الإمكانات الفنية لري هذا الخلاف، وتفنن كل جانب بتحقيق الربح والانتصار له على حساب خسارة الجانب الآخر، ولكنني أرى أن الخاسر الأكبر هو الشعوب التي خسرت معنوياً الإحساس بالوحدة والمصير المشترك الذي كان يمنحه لنا التكتل الخليجي، لكن رحم الله الشيخ صباح الأحمد، الذي منذ بداية الأزمة، كانت حساباته قد تعدت مسألة الربح والخسارة، وآلمته الفرقة وشق وحدة الصف الخليجي وتواضع طموحات المستقبل الخليجي الواحد، إن لم يكن انعدامها، فقد كان عنصراً أساسياً في رأب الصدع ولمّ الشمل، ولم يأل جهداً في محاولة التقريب بين وجهات النظر، والانتقال بنفسه بين الدول المختلفة في محاولة لوقف رمال المقاطعة المتحركة، لأنه كان يقرأ ما بين سطور الخلاف الخليجي، الذي كان يهدف إلى تفتيت الكتلة الخليجية لأغراض سياسية دنيئة تخدم دولاً أكبر من دول الخليج. إن ما يحسب للشيخ صباح رحمه الله هو وقف التدهور في العلاقات الخليجية، وقف نمو تلك الخلافات وتداعياتها، ونجح في زراعة بذور المصالحة التي أثمرت بحمد لله، وترك حصاد الثمار لعضيده الشيخ نواف ولتلميذه وزير الخارجية الشباب النشيط، بالإعلان عن فتح الحدود وحضور القادة بأنفسهم لقمة العلا. رحمك الله يا شيخ صباح، ونستذكر بفخر دورك وإيمانك بأن الحل قادم لا محالة. ونختم به اللهم اجمع على الحق شملهم ووحد كلمتهم وأزل فرقتهم وألف بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم، ووفقهم لنصرة دينك ورفعة كتابك.
