في كتابه الصغير ولكن القيّم «الجائحة – كوفيد يهزّ العالم» تساءل أحد أشهر فلاسفة الثقافة، سلافوي جيجك قائلا: «ما هو الخلل الحقيقي في نظامنا العالمي الذي تسبب في تعرضنا لهذه الضربة الكارثية المفاجئة؟»، لن يعود العالم كما كان أبداً. فقد هزّنا «كورونا» بقوة أفقدتنا غرورنا وثقتنا المفرطة بأنفسنا. كنا نعتقد أننا صرنا أكثر ذكاء وسيطرة على أعدائنا الإرهابيين والهاكرز المحترفين، فإذا العدو الحقيقي أشد فتكاً، ولا يرى بالعين المجردة. لقد فرض علينا هذا العدو سياسات وسلوكيات لن تختفي بسهولة حتى بعد علاجه. سنظل نتقدم علمياً بطريقة تجعلنا مستقلين عن الطبيعة، لكن ستظل الطبيعة تؤرق شعورنا بالتفوق والزهو. سنظل نتطور اقتصادياً ونقتحم مواطن لم يسبق أحد لاقتحامها، ولكن في كل مرة نفعل، نعرّض أنفسنا لخطر أكبر. ففي هذه المواطن الجديدة تكمن الفيروسات المتحولة. سنحقق تقدماً طبياً لحياة عمرية أطول، ولكن سنتعوّد في حال عدم كفاية الرعاية الصحية، على ممارسة الموت الرحيم لأصحاب الأمراض المزمنة، ومن جاوز الثمانين. وسيظهر نوع جديد من الرأسمالية، تضّحي بالمسنّين والضعفاء، وفق منطق «البقاء للأصلح». وستستمر سيطرة الشاشة الرقمية على حياتنا، في التعليم والمعاملات الحكومية، من دون الحاجة للتواصل مع الآخرين. ستصبح الفضاءات الافتراضية هي المكان الوحيد الذي سنشعر فيه بالأمان. وسيستمر الاستهلاك، تعويضاً عن حالة العزلة والحجر المنزلي، ولكن سنتعلم التحرر من أسر الضغوط اليومية، ونتعوّد على سلوك التأمل والتفكير بتؤدة. سيظل العالم قرية واحدة، ولكن سنبتكر وسائل أخرى غير السفر للترفيه وإشباع الفضول. ستظل المدرسة مؤسسة مهمة، ولكن الوالدين سيتعلمان كيف يكونان أكثر اهتماماً وفاعلية، كمعلمين ومربين. ستزداد سطوة الدولة باسم الحظر والمصلحة العامة، ولكن سينتقل النقد من الميادين العامة إلى المنصات الافتراضية. سيتقاعد كبار السن مبكراً، ولكن سيكون متوقعاً من لم يتقاعد أن يكون محترفاً تكنولوجياً أمام الشاشة. علّمنا «كورونا» درساً قاسياً: أن التاريخ لن يعيد نفسه.
