ما زلت أذكر ذلك المثال المختصر لكلمة «سياسية» من إحدى محاضرات مادة «مقدمة علوم سياسية» بجامعة الكويت، وهي: كمن يضع حجرا كبيرا ببطء وهدوء حتى يصل إلى قاع سطل مليء بالماء دون أن يخرج الماء إلى خارج السطل وبأقل درجات اهتزاز للماء فيه، فمن يريد الوصول لا بد أن يضع أولويات محددة لبلوغ هدفه، بصبر وثبات وبخطوات مدروسة لزيادة المكاسب وتقليل الخسائر.. لا برمي الحجر بشكل عشوائي وبقوة داخل السطل ليخرج الماء بالكامل من الداخل ويدمر ما حوله.
وفي العمل الجماعي لا بد أن تتوحد النوايا مع الأفعال بنفس الثبات على المبدأ المشترك الذي قد يجمع أشد الأعداء والخصوم حول مصالح مشتركة أو أهداف عليا كالمحافظة على الاستقرار والأمن الوطني، والعكس صحيح.. من الممكن أن يؤدي تصرف فردي واحد إلى سقوط مدو يصعب الوقوف بعده، ولو طبقنا هذا الكلام على المشهد السياسي في الكويت نخشى أن يكون عمر هذا المجلس أقصر مما نتمنى بعد أن سعدنا بنسبة التغيير الكبيرة فيه ووصول أسماء نظن فيها الخير لهذا الوطن، لاسيما أن البلد والمنطقة تمر بظروف استثنائية، وهناك أزمة مالية تلوح في الأفق تحتاج إلى تشريعات وحلول لا تقبل التأخير، يجب أن يضع النواب الأولويات التي تهم المواطن وتصب في مصلحة الوطن في نصب أعينهم، وينفذون مضمون رسالة الشعب الكويتي الواضحة من خلال الصناديق الانتخابية ومحاربة الفساد ورموزه بعيدا عن التأزيم والتمثيل على الشعب لكي لا يكون مصيرهم التغيير كما حصل لغيرهم، كما لا بد من تجاوز موضوع رئاسة المجلس، وفتح صفحة جديدة بأولويات واضحة كون أن الشعب ينتظر ويراقب أداء ممثليه.
في المقابل، لا بد أن تبادل الحكومة المجلس بنفس النوايا الإصلاحية، ولعل أول هذه المبادرات إبعاد وزراء التأزيم من خلال تغيير ولو طفيف في التشكيل الحكومي، وتحديدا أنس الصالح الذي أصبح وجوده عبئا كبيرا على الحكومة ولن يكتفي النواب بالاستجوابين اللذين تقدموا بهما له في نهاية الفصل التشريعي السابق، وسيتكرر تقديم الاستجوابات له في كل منصب وزاري ينتقل إليه، بل سيكون سببا رئيسيا لاستجواب كل رئيس وزراء يضمه في تشكيله الوزاري، وهو أمر ليس من عندي بل هو معلن وقد صرح به عدد من النواب، كما أن الموقف المؤيد لعدم طرح الثقة فيه كان أحد أسباب سقوط عدد من النواب السابقين، حيث أكد ذلك النائب السابق عبدالوهاب البابطين في لقاء تلفزيوني عرض قبل أيام أنه كان من المؤيدين لتجديد الثقة بالصالح بعد أن قدم لهم تعهدات، وتبين لاحقا أنه لم يوف بها!، كما يجب على الحكومة قبل التفكير بالاستقالة أن تجلس على طاولة مفاوضات مع الكتل النيابية من أجل الوصول إلى حلول توافقية تحفظ الاستقرار السياسي للبلد، حيث إن كل شيء في البلد مرتبط بالاستقرار السياسي.. ولا تنمية ولا إصلاح من دون إصلاحات سياسية.
