«الدين لله والسلام للجميع» – بقلم : الشيخة حصة الحمود السالم
في شتاء عام 1949 وبالتحديد في ديسمبر من نفس العام اقترح المحفل المركزي البهائي في الولايات المتحدة الأميركية والتابع للجامعة البهائية العالمية، أن يتم تنظيم مؤتمرات ومحفل يجتمع فيه أتباع كل الأديان للتحاور وإبراز الجوانب الروحانية لكل الأديان، باعتبار أن كل الأديان مقصدها الحفاظ على وحدة المجتمعات البشرية والتكامل فيما بينها وأن الأديان وحدها هي من تمنح القوة الروحانية للعطاء وبذل الجهد لتتحقق سعادة الجنس البشري.
وقد لاقت هذه الدعوة حينها استحسانا كبيرا من أتباع الأديان المختلفة حتى قرروا الاجتماع في يوم الأحد الموافق الخامس عشر من يناير 1950 لترسيخ مفهوم التكامل والتكافل والتعاون لبناء مجتمع قوي ينهض بالوطن ويحقق التنمية المستدامة والتطوير في شتى المجالات وفي مقدمتها محاربة الفقر ونبذ التعصب الطائفي والديني وتحسين وضع المرأة وتربية وتعليم الأطفال والقضاء على تعاطي المخدرات ونشر ثقافة حقوق الإنسان.
وقد اعتبرت منظمة الأمم المتحدة الأحد الثالث من يناير كل عام هو اليوم العالمي للأديان تخليدا لهذا الاجتماع الأول الناجح، وقد قامت سريلانكا عام 1985 بإصدار طابع بريد في ذكرى اليوم العالمي للأديان، وفعلت ذلك أيضا سنغافورة عام 1997 وكذلك الكونغو عام 2007.
والحقيقة أننا في أشد الاحتياج لإحياء ذكرى وتخليد هذه المناسبات العظيمة التي تسعى للارتقاء بالجنس البشري حفاظاً على الأمن والسلام والحرية وهم ركائز المجتمعات السعيدة بنضجها وفكرها وتطورها وتقدمها نحن لا نملك إلا أن نكتب لنسد الذرائع على دعاة الفتنة في كل مكان، وإن كانوا يعتقدون أنهم أصحاب عزيمة في نشر ثقافة التعصب والكراهية، فنحن أطول منهم نفسا متسلحين بقول الله عز وجل في محكم التنزيل (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) الحجرات (13)، فالحق والصدق والعدل والإحسان أحق بالإتباع، ونشر القيم الأخلاقية التي ترنو إلى سمو المبادئ الإنسانية هي أعظم رسالة يؤديها الإنسان في حياته.
التسامح والرقي في الكلمة والفعل هي من تكتب النجاة، وأقرب الناس منزلة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم يوم القيامة هم أحاسن الناس أخلاقا، وهم أهل الأدب مع حكمة الله في خلقه وتنوعهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم، اليوم العالمي للأديان هو يوم المحبة والتسامح والتكامل بين أبناء الوطن الواحد لتحقيق التنمية البشرية والتي بدورها تؤدي إلى التنمية المستدامة في كل المجالات، هو يوم نقف فيه في وجه الشيطان وأعوانه المفسدين في الأرض أصحاب الأجندات السياسية الرخيصة والفتن الطائفية الحقيرة سماسرة إفقار الشعوب والسيطرة على المستضعفين في الأرض تحت شعارات زائفة تختبئ خلفها وجوه تبغضها الإنسانية جمعاء.
ولقد فطنت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لهذه الفتن المائجة التي تبثها حناجر المتطرفين وقررت بناء «البيت الإبراهيمي» وهو مكان يحتوي على ثلاثة دور للعبادة (معبد وكنيسة ومسجد)، تمثل الديانات السماوية الثلاث كرمز للتسامح وبهدف نشر ثقافة المحبة والإخوة الإنسانية وإن اختلفت المعتقدات، وهو ليس كما يروج بعض مثيري الفتن بأنه توحيد للديانات الثلاث في دين واحد وهي شائعات لا تنسلك في ذهن محترم ولا يقبلها العقل والمنطق لأتباع الديانات الثلاث.
فالشعب الإماراتي المسلم شعب راق متسامح متحضر لا يتدخل في عقائد الناس ولا يملك مفاتيح الجنة والنار كما يتوهم بعض المتعصبين ممن نصبوا أنفسهم وكلاء السماء على الأرض، وفي ذلك يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) النساء (123-124).
نحتفي بهذا اليوم لنثبت أن لله في خلقه شؤون وحكمة بالغة وأن نترك الخلق لخالقهم، فإن لم يكن الإنسان أخاً لك في الدين فهو نظير لك في الخلق، كما قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو كمال يقول المفكر الدكتور علي شريعتي «خير لك أن تقضي وقتك لإدخال نفسك الجنة، بدل السعي لإثبات أن غيرك سيدخل النار»، فراقبوا أنفسكم وتقربوا لله بحب إخوانكم في الإنسانية من المسالمين، واملأوا الأرض بابتهالات المحبة وتراتيل السلام، هدانا الله وإياكم إلى طريق الخير والمحبة والوئام.