ملامح سياسة #بايدن تجاه أهم قضايا المنطقة ،،، بقلم / نورة صالح المجيم
تصوّر ملامح وأفق لمسار محدد للسياسة الخارجية للدول أمر غاية في الصعوبة، فالسياسة لا تحكمها إلا المصالح المتغيرة باستمرار. لكن يمكن تلمّس ملامح سياسة بايدن تجاه أهم قضايا المنطقة الحيوية استناداً إلى عاملين رئيسيين، الأول والرئيسي: التغيّر شبه الجذري في التوجهات الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة، وهي التي تصنعها دوائر الدولة العميقة الأميركية، لاسيما البنتاغون. والثاني: خلفية بايدن السياسية، ودوره كنائب للرئيس أوباما في تصميم وتوجيه السياسة الأميركية تجاه المنطقة. بناء على هذين العاملين، خاصة الأول، يمكن الجزم بأن سياسة بايدن تجاه أهم قضايا المنطقة الحيوية ستكون على نحو كبير استمراراً لسياسة أوباما، كما ستعكس على نحو كبير أيضاً أنها استمرار لسياسة ترامب في بعض القضايا. يجمع معظم المراقبين تقريباً على أن ثمة تحولاً شبه جذري في التوجهات الاستراتيجية العامة الأميركية بعد حرب العراق. وأبرز ملامح هذا التحول هو تقليص التركيز الاستراتيجي لأميركا في المنطقة لأسباب شتى، أهمها تراجع أهمية نفط المنطقة، وتكثيف التركيز الشامل على الباسفيك لمواجهة التهديد الصيني. فمن هذا المنطلق، يمكننا أن نتفهم بسهولة لماذا كانت سياسات ترامب استمراراً لسياسة أوباما تجاه بعض القضايا الساخنة في المنطقة، كالأزمة السورية والليبية واليمنية، التي لا تهم واشنطن تماماً. ومن هذا المنطلق أيضاً، فإن من المرجح على نحو كبير أن سياسة بايدن تجاه تلك القضايا ستكون استمراراً لأسلافه. على صعيد آخر، فمن المؤكد، على غرار أسلافه أيضاً، أن يسعى بايدن إلى تقليص الوجود العسكري الأميركي في المنطقة إلى أبعد حد ممكن. وهذا ما تعهد به بقوله «إنهاء الحرب الأبدية في المنطقة». ومن شأن هذا التعهد أيضاً تلمّس ملامح سياسة بايدن تجاه محاربة الإرهاب، التي على غرار أسلافه أيضاً، لن تحظى بالتركيز الكافي، إلا في حالات الضرورة القصوى وبأقل قدر من الانخراط العسكري والتكلفة التشاركية. الولايات المتحدة يعنيها في المنطقة ثلاث قضايا رئيسية: الملف النووي الإيراني، والصراع العربي – الإسرائيلي، ومبيعات الأسلحة. الأخيرة تدفعنا إلى القول إن كل ما بدر من بايدن بشأن ملف حقوق الإنسان والحريات مجرّد فزاعات لابتزاز دول المنطقة لأجل شراء المزيد من الأسلحة الأميركية. فمن غير المتصور أن تكون حقوق الإنسان أولوية في أجندة بايدن مثلما لم تكن أولوية لأوباما أيضاً الذي صوت ضد قرار الكونغرس بمنع صفقات التسليح للسعودية. الولايات المتحدة يعنيها حقاً منع إيران من امتلاك السلاح النووي، لكن فكرة الانخراط في حرب كبرى مع إيران غير واردة على الإطلاق. فضل ترامب رفع سياسة العقوبات إلى أقصى حد ضد إيران، بايدن في المقابل لم يخف رغبته في العودة للاتفاق النووي، وكلتا السياستين وجهان لعملة واحدة. امتدح بايدن اتفاقيات السلام التي أبرمها ترامب بين إسرائيل وبعض الدول العربية، واصفاً إياها بالخطوة التاريخية. تلك الاتفاقيات ينظر إليها على انها اعتراف عربي بتراجع الدور الأميركي في المنطقة على نحو عام، وتراجع الدور الأميركي التقليدي في الصراع خاصة، الذي سيتعمق بشكل أكيد خلال إدارة بايدن. يلعب الرئيسي الأميركي دوراً مهماً في السياسة الخارجية الأميركية، لكنه دور ليس مطلقاً، فهو مقيد نسبياً بالتوجهات الاستراتيجية العامة.