«تويتر المتنمِّر».. و #ترامب المظلوم ،،، بقلم / داهم القحطاني
حين صدر ـــ ذات مرة ـــ قرار احتجاز الكاتب حامد بويابس، بشكوى رفعها رئيس تحرير جريدة الرأي العام، آنذاك، جاسم بودي، أصدرنا في نقابة الصحافيين والمراسلين، بياناً يرفض احتجاز الكاتب بويابس؛ لأن في ذلك مساساً بحرية التعبير، رغم قناعتنا بأن حامد بويابس تجاوز حرية التعبير، ولكنه كان موقفاً مبدئياً، حتى لا يستغل أحد لاحقاً هذا القرار، فيتم احتجاز الكُتّاب والصحافيين. حينها كنتُ نائباً لنقيب الصحافيين، وكان الزميل زايد الزيد النقيب، وكنت في الوقت نفسه صحافياً في جريدة الرأي العام، وكان الأخ زايد وقتها من كُتّاب الجريدة، ولكن كل ذلك لم يمنعنا من إصدار هذا البيان، والأجمل أن الأستاذ جاسم بودي لم يبدِ أي اعتراض، ولم ينتقم كما يفعل صغار القوم هذه الأيام، مع الأسف! في مسألة قيام شركة تويتر بوقف حساب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على ضوء تخوّفها من قيامه بتشجيع أعمال عنف مشابهة لما قام أنصاره به حين اقتحموا مبنى الكونغرس، في مشهد لم يتكرر منذ الحرب الأهلية في عهد لينكولن.. لا أقول إن الرئيس ترامب يستحق التعاطف، فهو شخص «شوفيني» ومتعجرف، وطالما استغل وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في الإساءة إلى خصومه، ولأناس عاديين، ولكنّ هناك سؤالاً كبيراً جدّاً: من الذي يعطي شركة خاصة، كـ«تويتر» تدير منصة وسائل اجتماعية، أن توقف حساب أي شخص، سواء كان ترامب أو موظفاً بسيطاً، وتمنعه من ممارسة حقه في التعبير بشكلٍ مطلق؟! «تويتر» وغيرها من الشركات الخاصة لها الحق أن تشطب المحتوى إذا كان يخرج عن القواعد التي وضعتها، وقد حصل ذلك مراراً مع ترامب وغيره، ولكن أن تتجاوز ذلك إلى وقف الحساب أو إلغائه بشكل نهائي أو حتى بشكل مؤقت، فهذه خطيئة كبرى تنتهك حرية التعبير، ولا يجب الصمت عليها؛ لأنها قد تصبح سابقة تطبّق في كل دول العالم من قبل الحكومات، ومنها حكومتنا. وحدها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل كان لها موقف حازم من هذا الانتهاك لحرية التعبير؛ إذ رفضت ــــ وبشكل قاطع ــــ أن تتحكّم شركة خاصة في مسألة تتعلق بحرية التعبير، ورأت أن الأمر لا بد أن يخضع لتشريع قانوني يتبعه الجميع، وليس مجرد قواعد تضعها شركة خاصة. ميركل علاقتها بترامب، كما هو معروف، متوتّرة، وهي ليست على وفاق معه، لكنها كانت في هذا الموقف تدافع عن حق كل إنسان في حرية التعبير، ولم تكن تدافع عن ترامب ذاته. الغريب أن الرئيس التنفيذي لـ«تويتر»، جاك دورسي، وإن كان يُصرّ على أن وقف حساب ترامب، كان قرارا صحيحا، يعترف بأن قرار شركته «يشكّل إخفاقا ويُرسي سابقة خطرة بالنسبة إلى مقدار السلطات التي تتمتّع بها كبريات شركات الإنترنت». إذاً، هناك ضبابية تستلزم تشريع قانون أممي يلزم الشركات الخاصة التي تقدم خدمات تتعلق بالإنترنت؛ بأن تخضع للقواعد التي تضعها التشريعات، وليس لقواعدها الخاصة. في الكويت نواجه مشكلة حقيقية في النظرة لحرية التعبير، فنحن أسرى لصراع أزلي بين من يُحرِّم كل شيء، وبين من يُحلِّل كل شيء، وهو صراع يمتد لقضايا أخرى. الكويت لديها تراث عريق في مسألة الحريات العامة، والدستور الكويتي نص في مواده على حماية هذه الحريات، بل واعتبر ممارستها ضمانة للاستقرار ومنعاً للقلاقل، لكن القوانين ــــ وللأسف ــــ عبثت مراراً بهذه الحقوق، بسبب رغبة الحكومات المتعاقبة وبعض مجالس الأمة، ومنها مجلس 2012 (المبطل الثاني) ومجلس 2016 في تقييد الحريات العامة لهدف آنٍ، وهو منع الرأي العام المعارض والغاضب من تغيير الحكومة، وبشكل منفرد، للنظام الانتخابي، الذي أتى بتشكيلة نيابية من خارج الإطار الشعبي الحقيقي. حضرت مع زملاء آخرين؛ منهم الصحافي بشار الصايغ، والمحامي الفذ حسين العبدالله، ذات مرة، اجتماع اللجنة التعليمية في مجلس 2013، بناء على طلبها؛ لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لدى مناقشة اللجنة لمقترح قانون الإعلام الإلكتروني. ويذكر رئيس اللجنة، حينها، دكتور عودة الرويعي كيف تصديت شخصياً للمستشار القانوني للجنة، وهو من جنسية عربية، حين رد على رفضنا المادة التي تطلب تجديد الترخيص للصحف الإلكترونية، لتكون مرة كل خمس سنوات، بالقول إن سماح الحكومة لجعل تراخيص الصحف دائمة جاء ذلك لأن الصحف التي صدرت في الكويت في الستينيات كانت حكومية. قلت لهذا المستشار حينها إنك تجهل أبسط معلومة، وهي أن الصحف في الكويت كانت، وما زالت، خاصة، فصمت بعدها طوال الاجتماع. في مثل هذه الأجواء كانت تشرع قوانين تقييد الحريات في الكويت؛ فالمشرّعون يستهدفون التقييد لأهداف آنية، والمستشارون يجهلون الإرث الكويتي العظيم في مجال الحريات العامة. خلاصة الكلام الحر أنه لا يحق لا للحكومات، ولا للشركات الخاصة لا في الولايات المتحدة الأميركية، ولا في الكويت، ولا حتى في جزر «الواق واق»، منع أي إنسان من التعبير تحت أي ذريعة، فحرية التعبير مقدّسة، وأي تشريع لها يجب أن يتركز على التنظيم، لا التقييد، مع أهمية التأكيد على أن الشتم والسب ومسّ الأديان والذات الإلهية لا تدخل ضمن حرية التعبير.