انتشر خلال نوفمبر الماضي وبين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في العراق فيديو يتحدث عن سرقة جسر المسيب الشهير بمدينة المسيب الواقعة شمالي بغداد، وانتشر الفيديو انتشار النار في الهشيم حتى أن برامج تلفزيونية تناولته في فقراتها السياسية وأحد الأئمة في أحد مساجد بغداد تناول حادثة السرقة الغريبة تلك في خطبة الجمعة، وضج فضاء «تويتر» العراقي بتلك السرقة الغريبة والتي يقول خبرها إن لصوصا فككوا الجسر ليلاً ليفاجئ أهالي المسيب الذين ظهروا في الفيديو يتحدثون عن السرقة.
***
لم يتوقف أحد ليتحقق من الواقعة لا سياسيين ولا إعلاميين، بل طاروا بتغريداتهم نحو رمي التهم تارة على الحشد الشعبي وتارة على إيران التي اتهمها البعض بأنها نقلت الجسر إلى أراضيها، والحقيقة أن فيديو سرقة الجسر تم تصويره قبل عامين وهدفه خلق كذبة تتناسب مع الأول من أبريل في العام 2019 قام بها صحافي عراقي لصالح إحدى المحطات المحلية هناك وتم بثه في وقتها وانتهت حكايته، ولكن ولسبب ما تم اجتزاء الفيديو وتم نشره قبل شهرين ومن ثم التعامل معه كأنه حقيقة واقعة.
***
لم يُسرق الجسر ولم يُنقل، ولكن استغرق الناس هناك في العراق أكثر من 72 ساعة قبل أن تنجلي الحقيقة، خلالها بنيت نظريات مؤامرة وتبادل اتهامات وتراشق طائفي وشيء من الاحتقان السياسي، إعلاميا كما قرأت ما حصل أن الأمر ليس بحاجة سوى إلى كذبة متقنة ومنصة لإطلاقها ثم تدور بين الناس ويستغرق الأمر لكشفها بين 48 و72 ساعة، ولكن الكثير من الأذى قد يحصل خلال الـ 72 ساعة قبل كشف أن الأمر ليس سوى كذبة.
***
العقلية العربية واحدة، ويمكن أن نتعرض في الكويت لمثل هذا النوع من الإشاعات التي قد تسبب اضطرابات ما بين محدودة ومتوسطة بين جمهور ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وقد تحدث ضررا غير محمود، وقد مررنا بتجارب من هذا النوع عبر بث فيديوهات مجتزأة لشخصيات سياسية وإعلامية ومن ثم اتهامهم بما ليس فيهم، بعضها مر وانتهى وبعضها لا يزال مثار شك.
***
خلال بحثي عن قصة جسر المسيب المزيفة عرجت بي مسارات البحث إلى أغنية الراحل ناظم الغزالي الشهيرة «على جسر المسيب سيبوني» لأخرج بحقيقة ربما لا يعرفها كثيرون وهي أن «ميحانه» التي يكررها المطرب في المطلع الأول هو اسم لفتاة، وأن الأغنية مستوحاة من التراث العراقي عن قصة حب بين شاب اسمه عبدالله وفتاة اسمها وشلة، وعندما كان عبدالله غرقا في الفرات غنت وشلة لصديقتها «ميحانه» تلك القصيدة التي أصبحت إحدى أشهر الأغاني العربية.
***
توضيح الواضح: على طاري جسر المسيب الذي لم يسرق، يا ترى جم جسر تمت سرقته عندنا؟!
