قائد أم قيادي؟ – بقلم : عبدالرحمن عبدالله الجاسر
أؤمن بأن هناك فرقاً دلالياً بين مصطلحي «قائد» و«قيادي»، فالأول هو الذي يتمتع بمهارات وسمات فطرية ومكتسبة للتأثير في الآخرين نحو الهدف، أما الثاني فهو من تبوأ منصبا قياديا نتيجة عوامل مختلفة، كالأقدمية وسنوات الخدمة وفي كثير من الأحيان عن طريق الواسطة، لا يتمتع بمهارات التأثير، بل قد يفتقد كل السمات القيادية لكن الصدفة أو التملق هو ما قاده إلى منصبه.
ولو ألقينا نظرة فاحصة على المناصب في كثير من الوزارات لرأينا أنها تعج بالقيادات وتفتقر للقادة، ما أدى إلى مشاكل كثيرة: من غياب الرؤية وانعدام التخطيط، والتخبط والعشوائية، وعدم معرفة القرار الصحيح والعجز عن اتخاذه ومتابعته، ناهيك عن الفشل في التأثير بالآخرين وحشد المؤيدين وإقناعهم بالتوجهات والقرارات نتيجة سوء التسويق لها.
إننا بأمسّ الحاجة إلى قادة يتمتعون بمهارات من شأنها الارتقاء بالعمل وتطويره، من تخطيط استراتيجي صحيح والإيمان بفعاليته، أصحاب النظرة المستقبلية بعيدة المدى، الذين يضعون الخطط بناءً على دراسة للواقع واستشراف للمستقبل ووضع سيناريوهات بديلة في حال التعثر أو الأزمات، قادة واثقون يفوضون السلطات والصلاحيات ويدعمون العاملين معهم، يمنحونهم الثقة ويتيحون لهم الفرصة ويفسحون لهم المجال ثم يتحملون المسؤولية عنهم في حال الإخفاق، قادة قادرون على تمييز القرار الصائب من الخاطئ، والأهم أن تكون لديهم الشجاعة والجرأة على اتخاذه بناء على رؤية مؤسساتهم والمصلحة العامة، ثم متابعة تنفيذه بالشكل الصحيح، قادة يتخذون من العاملين معهم شركاء للنجاح، لا يجدون حرجا في استشارتهم عند التردد أو الحيرة، ويشركونهم في اتخاذ القرارات ليشعروهم بالانتماء للمؤسسة وأنهم جزء منها، ويحرصون على تقريب الأجدر والأكفأ وإن خالفهم الرأي أو التوجه، قادة يعتقدون بأهمية التطوير المستمر لقدراتهم ومهاراتهم وعدم التوقف عن التعلم والنمو، وضرورة الاطلاع على كل ما هو جديد في مجالهم، ومتابعة آخر المستجدات وعدم محاربة كل ما هو جديد وغير معتاد، قادة يجيدون وضع الأولويات، وإدارة الأزمات بدلا من اختلاقها، قادة قدوات في تصرفاتهم وأفعالهم، يعلمون أن أتباعهم يراقبونهم في كل الأوقات، ويدركون أهمية كونهم نموذجاً يحتذى به، قادة يؤمنون بأنه كلما علا بهم المنصب زاد عدد من يخدمون وليس العكس.
إن السمات والصفات السابقة هي الحد الأدنى المطلوب إن أردنا فعلا التقدم لمؤسساتنا الحكومية والتطور والازدهار لوطننا، ولن نصل إلى هذا الوضع ما لم تتغير آليات وشروط الترقي للمناصب القيادية، بالابتعاد عن الأسلوب النمطي القديم المرتكز على العمر والأقدمية وسنوات الخدمة والواسطة، ليكون المعيار الشخصية والكفاءة والإنجاز.