الفخر والحماسة بالأعياد الوطنية! – بقلم : يوسف عبدالرحمن
في مكالمة طويلة مع مَن أرجع إليه في مناقشة خواطري وتوجهاتي الفكرية وأعتد وآمن بحكمته وبُعد نظره وغزارة فكره في الأحداث والملمات، وتعجبني ثقافته الممتدة من البوادي والبلدان والشعوب ووطنيته، فبادرته يا عم: ما رأيك بالفخر والحماسة، خاصة في الأشعار والمناسبات؟
ضحك وصمت.. ثم قال: أعجبني ما طرحه أخي د.مرزوق الغنيم في مقال الأسبوع الماضي «الشعر ديوان العرب»، وقد أصاب في اختياراته الشعرية، وأراك اليوم تعرج عليَّ في قضية «الفخر والحماسة» وهذا امتداد لذاك الفكر المطروح!
ويواصل: بابان من أبواب الشعر، خاصة نحن العرب نميل إلى الأنفة والكرامة والذرى الشامخة، وكل هذا يا بومهند يجعل العربي متمسكا بأصله ونسبه والانتماء إلى قبيلة أو مذهب أو حزب، والدفاع عن هذه الانتماءات حسب قناعاته بالقول والفعل والممارسة والتضحية وخوض البطولات وبذل الكرامات!
قلت له مقاطعاً: يا عم أنا أقصد كيف نوظف مثلاً الفخر والحماسة في أعيادنا الوطنية القادمة، وخذ مثلا فبراير الآن على الأبواب؟
قال: الفخر والحماسة عندما يأتيان من شاعر، فهذا هو (عقله ولسانه حول آبائه وأجداده أو وطنه أو دينه وعقيدته)!
يا بني: الفخر والحماسة ياما أدخلانا الحروب وكلنا قرأنا في التاريخ عن حرب البسوس بين قبيلتي تغلب وبكر، وحرب داحس والغبراء وحرب الأوس والخزرج!
ولم يتوقف خيال الشعراء من قيود الواقع في سماء المغالاة مضخّما بالوقائع، وعشنا لحظات قراءتنا لهذه الأشعار ما بين قعقعة السلاح وصهيل الخيل وقرقعة طبول الحرب!
نظرة لأشعار الماضي نجدها أعمق، فلقد فاخروا بشجاعتهم وكرمهم وآبائهم ووقائعهم ومروءتهم.. فماذا عن اليوم؟
أشعار سطحية ركيكة المعاني مهلهلة القوافي، ونظرة لحياة الصحراء وما فيها من حياة الفطرة والصفاء والإباء والمقدرة والعجز والتأثر والاستقرار والرحيل والتنقل والارتحال، لكن الرصيد الشعري طيب ومليء بالمصداقية.
أما أهل البحر في سفنهم، فإنهم كذلك أمضوا في (نهمتهم) يتذكرون واقعهم المر الصعب مع أهوال البحر والهوام وركوب الأمواج والأهوال، وهذا ما أوحت به بيئتهم، فظل الحماس والفخر معهم، كل منهم حسب بيئته، لكنهم كلهم كانوا صادقين في حماستهم وفخرهم!
٭ ومضة: الأعياد الوطنية على الأبواب وأرشيفنا الإذاعي والتلفازي مليء بأشعار الشعراء الكويتيين وهم كثر يصعب عليَّ تسطير أسمائهم، كما أن الأرشيف التلفازي فيه كثير من «الأوبريتات» القديمة، خاصة أوبريتات المدارس التي علينا تروجيها في مجتمعنا لتشعل الحماسة والفخر في نفوس هؤلاء الجدد من عيالنا وأجيالنا!
٭ آخر الكلام: الأرشيف الكويتي الإذاعي والتلفازي والمكتوب والمسموع والمرئي فيه ملاحم شعرية عرضُها في احتفالات (هلا فبراير) أمر ضروري، خاصة على قنوات وزارة الإعلام المرئية، فمن يبادر؟
٭ زبدة الحچي: منذ السبعينيات وحتى الاحتلال العراقي الصدامي الغاشم وأرشيفنا مليء بالدرر التي سطرها أبناء الكويت من الشعراء والمطربين والمنشدين!
وأنا أقرأ التاريخ أتذكر وأذكّر مثلا بالشعب اليوناني الذي جعل إلياذة هوميروس وأوديسته في حروب الطرواديين، وكذلك الرومان في إلياذه فرجيليوس، والهنود في ملحمة الرامايانا وفيها تسطير لبطولات أبناء الهند القدامى، وملحمة الفرس في شاهنامتهم وسجل أكاسرتهم، كما للفرنسيين في ملحمة رولان التي دونت مجد فرنسا في الأعصر القديمة!
وهكذا عدّد لنا (صاحبي البدوي) المعتز بعروبته وأمجاده خاتما الحديث معي، وهو البعيد الآن في (الإمارات)، أن لكل أمة ملحمةً تُخلِّد مآثرها وتُدوِّن أمجادها، ويقول لي بلهجة العتب: أين الإعلام العربي بكل رجاله التاريخيين والمتخصصين من عمل فني قصصي موحّد يعرض أمة العرب؟
ويواصل واثقا قائلا: يا بومهند ما أحوجنا إلى صنع الملاحم التي تظل نبراسا للأجيال لكننا جميعا (لاهون) في أتون الحياة وحروبها عن صنع ملاحم وطنية عربية خاصة بأمة العرب وأخرى خاصة بكل وطن عربي!
الناس بحاجة إلى هذه الأعمال الفنية كما عرضنا عند الأمم الأخرى!
ثم بادرني بالقول: يا بومهند.. لو نظرنا إلى تاريخ العرب منذ فجر الإسلام مرورا بالفتوحات إلى حروبنا مع الأمم الأخرى لشكّلنا أروع الملاحم!
أنا معك في ضرورة إحياء أعيادنا الوطنية بدءا باعتزازنا بالقديم وإعادة عرضه على الأجيال، وهذه المناسبة قادمة ولا تحتاج إلا لقرار، مع اختيار من يقوم بالأمر بطريقة صحيحة ويحقق المرجو من فخر وحماسة مستحقة في هذا الزمن الكوروني.
أليس هذا الذي سطّرته أفضل من مسدسات الماء ورش الرذاذ الأبيض على خلق الله؟ ويبقى قول راكان بن حثلين، رحمه الله، شاهدا على ما نقول: «ما قل دل وزبدة الهرج نيشان والهرج يكفي صامله عن كثيره».
في أمان الله..