ولو كنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ،،، بقلم : مشعل السعيد
هذا التمني اقرب ما يكون من قول القائل: عشم إبليس في الجنة، فالله جلت قدرته لم يخلق الخلق عبثا، فلن يترك العبد كائنا من كان إلا ويسأل عن عمره فيم أفناه وعن جسده فيم أبلاه وعن علمه ماذا عمل فيه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، قول أشرف الخلق والمرسلين محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والتسليم، لذا قال هذا الشاعر بعد ذلك:
ولكنا إذا متنا بعثنا
ونسأل بعدها عن كل شي
روی ابن الجوزي في صيد الخاطر بسنده أن دلف بن أبي دلف قال: رأيت كأن أتیا أتاني بعد موت أبي فقال لي: أجب الأمير، فقمت معه فأدخلني دارا موحشة وعرة سوداء الحيطان، مقلعة السقوف والأبواب، ثم أصعدني درجا فيها وأدخلني غرفة فإذا على حيطانها أثر النيران وفي أرضها أثر الرماد، فنظرت وإذا أبي عريانا واضعا رأسه بين ركبتيه، فقال لي كالمستفهم: دلف؟ قلت نعم أصلح الله الأمير، فانشأ يقول:
أبلغن أهلنا ولا تخف عنهم
ما لقينا في البرزخ الخناق
قد سئلنا عن كل ما قد فعلنا
فارحموا وحشتي وما قد ألاقي
ثم قال لي: أفهمت؟ قلت نعم، فأنشأ يقول:
فلو كنا إذا متنا تركنا
لكان الموت غاية كل حي
ولكنا إذا متنا بعثنا
ونسأل بعدها عن كل شي
وأبو دلف هذا هو الأمير عیسی بن إدريس بن معقل بن عمير العجلي البكري الوائلي من كبار القادة العسكريين في خلافة عبدالله المأمون ومحمد المعتصم وهو أيضا شاعر وادیب وكان كریما سريا جوادا ممدحا على جانب عظيم من الفروسية والشجاعة له وقائع مشهورة وصنائع مأثورة، وله كتب ذات قيمة منها سياسة الملوك والنزه والسلاح وفيه يقول علي بن جبلة:
إنما الدنيا أبي دلف
بين مغزاه ومحتضره
فاذا ولى أبو دلف
ولت الدنيا على أثره
كل من في الأرض من عرب
بين باديه الى حضره
مستعير منك مكرمة
يكتسبها يوم مفتخره
لست أدري ما أقول له
غير أن الأرض في خفره
وكانت وفاة أبو دلف في بغداد سنة ست وعشرين ومئتين في خلافة محمد المعتصم بالله بن هارون الرشید (1827م) وأكتفي بهذا القدر.