قبل أيام مرت علينا ذكرى حرب تحرير الكويت، وكان ذلك يوم 17 يناير 1991 وهو الموعد الذي حدده مجلس الأمن لانسحاب كامل للقوات العراقية المحتلة من كامل التراب الكويتي.
إنني ما زلت أتذكر تلك الأيام، حيث كنت من المرابطين داخل الكويت، وكان الرئيس ميتران قد قال لسمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد عند لقائه في باريس: أنت يجب أن ترفع رأسك بصمود ثلاثمائة ألف كويتي داخل الكويت وكلهم رفضوا التعاون مع صدام وتمسكوا بشرعيتهم، بينما عندما احتل الألمان باريس وجدو ألف من يتعاون معهم.
وقام المغفور له بإذن الله، سمو الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله بواسع رحمته، بجولة لبعض دول العالم شارحا الأوضاع داخل الكويت أثناء الاحتلال، وكان ضمن جولاته أيضا الولايات المتحدة الأميركية، حيث التقى الرئيس الأميركي الراحل جورج بوش الذي أكد للشيخ جابر أن الكويت ستعود حرة.
كذلك استذكرت تصريح الرئيس المصري الراحل حسني مبارك للإعلامية المبدعة فجر السعيد فقد أجاب عن سؤال طرحته عليه حول الأوضاع بعد احتلال العراق للكويت فقال «إن غزو الكويت ألقى بظلاله على تردي أوضاع المنطقة إلى يومنا هذا.. فالعالم العربي انقسم كما لم ينقسم من قبل.. والتدخلات والأطماع الخارجية وجدتها فرصة لتحقيق مصالحها».
كان صدام يباهي بقوته وأنه القوة الضاربة في المنطقة، لكن كما شاهدنا فإن العراق دمر بفعل مغامرات صدام الجنونية، وانكسر جيشه القوي، أما عن الأوضاع العربية فقد أشار الرئيس الراحل حسني مبارك الى تردي الأوضاع وانقسام العالم العربي كما لم ينقسم من قبل، وها هي الأحداث في العالم العربي مازالت في ترد وحروب وخلافات، فسقطت كل الشعارات التي رفعها صدام وهزم هزيمة كبيرة، وها هو العراق بسبب عنتريات صدام أصبح من الدول الفقيرة وهو من الدول الغنية لما يملكه من نفط وغاز، وللأسف الشديد أصبحت دولة العراق مستعمرة إيرانية.
نعود إلى يوم بدأت الحرب الجوية التي بدأت بطلعات جوية على المنشآت العسكرية العراقية، فقد كنا نحن المرابطين داخل الكويت ننتظر بلهفة شديدة بدء المعارك التحريرية لطرد الجيش العراقي من الكويت.
وراهن صدام على الموقف الدولي لتأييد احتلاله بادعاءات كاذبة لعدم قبول المجتمع الدولي.. وأتذكر هنا خطاب ملك المغرب المرحوم الحسن الثاني، الذي قال لصدام: هل تريد أن نلغي الكويت من الخريطة بشخطة قلم، وهي دولة عضو في الأمم المتحدة، وهناك تمثيل ديبلوماسي بين الكويت ودول العالم بما فيها العراق؟!
ومن سيناريوهات صدام كان تشكيل جيش تحرير القدس، لكن لم يقبل أي أحد في العالم ذلك لأنهم شاهدوا أن صدام أرسل جيش القدس إلى الكويت ليحتلها!
وهنا أيضا أستذكر خطاب الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي قال لصدام إن كنت حقا تريد تحرير القدس فتقدم نحو القدس ونحن خلفك جنودا، إن تحرير القدس طريقه من عندنا وليس من الكويت.
ولابد هنا أن نستذكر مواقف وصمود سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الذي قاد مسيرة تحرير الكويت، التي لم تتوقف، حيث ذهب إلى مجلس الأمن وألقى خطابا شرح خلاله الأوضاع داخل الكويت، وهنا وقفت كل وفود العالم لتصفق للشيخ جابر لمدة ربع ساعة، وهذا ما يؤكد على قناعة العالم بالحق الكويتي، وهذا مما شجع في النهاية إلى إصدار مجلس الأمن قراره رقم 600 الذي تضمن انسحاب الجيش العراقي من الكويت وتحرير كامل التراب الكويتي وحاول صدام بعناده التعدي على قرارات مجلس الأمن، لكنه فشل فشلا ذريعا، وعاد مهزوما ثم حاول الهروب فتمت ملاحقته حتى وقع أسيرا وتمكن الشعب العراقي من تقديمه للعدالة ليحاكم على جرائمه ضد الشعب العراقي والدول المجاورة للعراق.
٭ من أقوال الأمير الراحل سمو الشيخ جابر الأحمد: «إن ما وصلت إليه الكويت من مكانة وسمعة دولية مرموقة إنما يرجع الفضل فيه إلى تكاتف أبناء هذا البلد وتماسكهم وتعاضدهم، وعلينا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن نحافظ على هذه الصفات الأصيلة لأسرتنا الكويتية الواحدة وأن نرعاها ونزيدها وثوقا على مر الأيام». والله الموفق.
