النوخذة أحمد صالح السبيعي – بقلم : يوسف عبدالرحمن
من أخيار الكويت ورجال البحر المعروفين بالهمة والجسارة والبركة!
عزف سيرته العطرة على أنغام أمواج الخليج العربي والمحيط الهندي، هو العم المرحوم، بإذن الله، النوخذة أحمد صالح السبيعي، أحد نواخذة الكويت والذي عرف بالسفر بالسفن الشراعية أيام شظف العيش قبل ظهور النفط في الديرة والجزيرة والخليج.
قالها موجها حديثه للشباب من أهل الكويت النشامى ناصحا ومعاتبا وموجّها: «الشباب الآن لا يرغب في الاستماع الى معاناتنا في البحر! فليعلموا أننا رأينا من الصعاب الكثير ونحن في (غبة) البحر ولولا لطف الله فينا لهلكنا».
إن البلدان المجاورة كانت تعاني الفقر والجوع ونحن في الكويت تأتينا تلك السفن الخشبية الشراعية من بلاد الله الواسعة بالخير والرزق، حتى البصرة في ذلك الوقت تغبطنا على رزقنا وحركتنا التجارية!
استمتعت في نهاية هذا الأسبوع بقراءة كتاب النوخذة أحمد صالح السبيعي، رحمه الله، والذي أعدته الأستاذة خالدة أحمد السبيعي في عام 2010 لتوثق للأجيال الكويتية هذه السيرة المحمودة لأحد رجال الكويت الذين نفتخر بهم على هامات الزمن لأنهم رجال صارعوا البحر وانتزعوا لقمة العيش وخاضوا أهوال البحر في رحلات الغوص على اللؤلؤ والسفر.
فمن هو هذا النوخذة الذي وثّقت سيرته ابنته خالدة السبيعي؟
ولها مني جزيل الشكر والتقدير وللأستاذ د.عبدالله يوسف الغنيم وللإعلامي محمد حبيب مقدم البرنامج الإذاعي «ذكريات من الماضي» في البرنامج الثاني لإذاعة الكويت، والشكر موصول لأستاذي العزيز د.يعقوب يوسف الحجي والذين بجهودهم المباركة خرج هذا المؤلف القيم ليخدم المكتبة الكويتية البحرية.
تقول الأستاذة خالدة السبيعي في مقدمة الكتاب: كانت فكرة إعداد مادة الكتاب في بداية صيف 1995، حيث شحذت الهمة وكسرت الحاجز النفسي لتجمع تاريخ والدها، رحمه الله، وشعرت بسعادة عجيبة وهي تجمع حقائق عن بطل من أبطال البحر الكويتيين الذين ركبوا البحر من سواحل الخليج العربي إلى ساحل عمان وبحر العرب والمحيط الهندي.
النوخذة أحمد صالح السبيعي، ظل ثلاثة وعشرين عاما قضاها على ظهر السفن متنقلا مع أمواج المحيط الهندي الهادرة وأمواج الخليج العربي الدافئة يتعلم من ربابنة السفن الشراعية علوم البحر حتى صقلت شخصيته خبرة خلال هذه الرحلات البحرية الخطرة.
بعد ظهور النفط توقفت هذه القلاع الخشبية فتحول هذا النوخذة من نوخذة سفر في السفن الخشبية الى موظف في دائرة وزارة الكهرباء والماء عام 1952م.
ترك عشقه وأشرعة سفنه ليحسّن من أحوال معيشته حال جيله الذين رافقوه، تركوا البحر من التعب والشقى الى الوظيفة الحكومية لكنهم أبدا لم ينقطعوا عن البحر، وفاءً وارتباطاً.
والنوخذة العم أحمد السبيعي له مقولة: «اليوم اللي ما أشوف فيه البحر ما أعده من حياتي».
٭ ومضة: ولد النوخذة أحمد صالح السبيعي في منطقة القبلة وقد ذكر في أحد اللقاءات الإذاعية أنه من مواليد عام 1919 بينما تشير الأوراق الرسمية الى أنه من مواليد 1917 ويرجع الاختلاف الى أن الأعمار في السابق كانت تحدد بشكل تقريبي أو بحسب مطابقة الميلاد مع الأحداث!
نشأ النوخذة أحمد السبيعي في بيت محافظ، فكان والده يعمل في الغوص غيصا وله أخ وحيد هو إبراهيم، وهو الأكبر منه سنا، وكان يعمل مثله في مجال البحر، ولما تزوجت والدته بسعود السبيعي – صار الأخوان (أحمد وإبراهيم) تحت رعاية عمهما زوج أُمهما، ولازلت أذكر (بيت) العم إبراهيم السبيعي – طيب الله ثراه ومثواه، في القادسية قطعة 4 ونجله الزميل سالم السبيعي يكتب عندنا في «الأنباء» مقالا في زاويته القيمة «لمن يهمه الأمر».
٭ آخر الكلام: كان النوخذة أحمد السبيعي في صباه وشبابه نشطا سريع الحركة والبديهة، وكانت الجدة أمه تحكي لعيال أحمد عن شقاوته فتقول: «كنت أخشى على أبيكم فهو في طفولته سريع الحركة، ففي إحدى المرات سقط في جليب (بئر موجود في داخل المنزل) لكن عناية الله لطفت به وكان خفيف الظل، ويحكى أنه عندما كان صغيرا أتى والدته يشتكي بعد أن سمع صوت الأذان ينادي (حي على الفلاح) وهو يقول: لماذا يا أمي يقول هذا المؤذن كل يوم (حي على الفلاح)؟ ولا يقول: حي على السبيعي؟ نحن في فريج واحد!
٭ زبدة الحچي: أعجب به شيخ النواخذة العم عبدالوهاب العيسى، رحمه الله، فأخذه معه في رحلات السفر ودربه، والعيسى من النواخذة الذين لهم خبرة ودراية بأمور الغوص والسفر، وكان عمره حينذاك في الثانية عشرة من عمره.
دخل أحمد السبيعي المدرسة المباركية وعمره عشر سنوات، ثم التحق بمدرسة السعادة التي أسسها السيد شملان بن علي في منطقة شرق، ثم انتقل الى مدرسة أحمد الخميس بمنطقة القبلة قرب بيت البدر، وقضى في هذه المدرسة ثلاث سنوات تمكن فيها من إجادة الكتابة والقراءة، ومن زملائه في الدراسة عبدالله الحمد الخالد وأبناء من عائلات المضف والرومي والشملان والناهض، ومن زملائه أيضا محمد الحمد وحمد أحمد الحمد ويعقوب الحمد وعلي البحر وعلي الرشيد وآخر،ن من منطقة قبلة.
وكانت أول سفرة للنوخذة أحمد السبيعي في سنة 1930 مع ابن عمته النوخذة عبدالوهاب العثمان، ومن أشهر البحارة الذين رافقوه في سنوات عمره علي العماني وملا غنام الديكان وأحمد النشمي وفهد بن صالح الطراروة ومبارك المفتاح وعبدالرحمن ولد ملا غنام.
لقد تدرج العم أحمد السبيعي فكان معلما ثم نوخذة فنوخذة معلم، وكان عمره 27 – 30 في محمل بوم العثمان اسمه فتح الكريم وهو أصغر من بوم تيسير، وقد رشحه النوخذة عبدالوهاب العثمان لهذه المهمة لما وجد فيه الفطانة والقدرة على اتخاذ القرارات البحرية السليمة.
وهكذا طوينا سيرة عطرة لهذا النوخذة الفذ وعندما سُئل د.يعقوب يوسف الحجي عنه قال: من البحارة الكويتيين الرجال الشجعان الذين يعتمد عليهم لأنهم لا يخافون البحر، وعلى قدر كبير من المسؤولية، وكانوا يتحلون بالشجاعة والحرص على حياة بحارتهم وتجارتهم.
من الرجال الكويتيين الذين عملوا مع النوخذة أحمد السبيعي في وزارة الكهرباء والماء (جاسم النجادة – فهد عبدالله النجادة – خالد الزمامي – عبدالرزاق الهاشم – أحمد السيد الطبطبائي – عبدالرحمن الطبطبائي – عبدالله فهد الرشيد – يوسف خالد العدساني).
شهد النوخذة أحمد السبيعي الاحتلال العراقي 1990 وظل في بيته يتابع الاخبار حزينا وفي حالة قلق، ولم يفرح إلا عندما بدأت عاصفة الصحراء وانتهت بتحرير دولة الكويت.
وهكذا عشنا معا حياة واحد من عظماء رجالات الكويت الأخيار، شخصية محبوبة حلو المعشر سمح الطباع يحب التندر دون تكلف، وله من المواقف والذكريات ما سطرته ابنته (خالدة) في كتابها القيم والذي يضم تاريخه المجيد.
له من الأبناء تسعة، ثلاثة من الأولاد (صلاح – سليمان – خالد) وست بنات كان لهم مثال الأب والقدوة.
توفي العم أحمد صالح السبيعي فجر يوم 1995/6/12 وهكذا رحل أبو صلاح ليجتاح الحزن كل من عرفه عن قرب.
وختاما: يا وزارة التربية وجامعة الكويت، ويا التعليم التطبيقي، أليست هذه النماذج تصلح أن تدخل مناهجنا ومقرراتنا؟
اللهم ارحم واغفر للعم النوخذة أحمد صالح السبيعي وكل نواخذة وبحارة الكويت الأماجد الحكماء الأوفياء المخلصين الذين غادرونا الواحد منهم تلو الآخر وخلت الكويت منهم سوى نسلهم الكرام.
شكرا كبيرة لابنة الكويت الأستاذة خالدة أحمد السبيعي، على هذا المؤلف القيم، والسلام موصول للأخ الزميل الحبيب سالم إبراهيم السبيعي، وهكذا هم «سبيع الغلبا» رجال في الصحراء والبحر.