في راحتيك حضارة – بقلم : فاطمة المزيعل
من أعظم نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان بعد نعمة الدين هي نعمة الوطن، ذلك المكان الدافئ، الذي نتنفس هواءه فتنتعش به أرواحنا، وهو الحضن الذي يغمرنا ويشعرنا بالأمان كلما ضاقت بنا حياتنا، فمن خلاله يأمن الناس على أنفسهم وأرواحهم وحقوقهم وحقوق أبنائهم، ويأمنون أيضا على بلدهم وشعوبهم، فهو الذي في رحابه وظله وبوجود عدله يعم الرضا وتعم الثقة والراحة وتنتشر الطمأنينة في روح كل مواطن من مواطنيه.
أما إذا انقلب هذا المكان الدافئ إلى كومة من الزعزعة والفشل والعجز والفساد، سينتشر الانحراف والانحلال وتداعياته وستعم الفوضى والعشوائية والإهمال. وهنا فقط واجب علينا جميعا ودون استثناء أن نتكاتف للحفاظ والحرص عليه، ونسعى لمحاربة هذا الفساد وتلك الفوضى وكل ما تعكسه من سلبيات حادة بسببها قد تدمر البلاد.
كما علينا أيضا أن نخطو خطوة جريئة وصارمة، كي يسترجع وطننا أمنه وامانه، ولتسود الراحة والرضا والطمأنينة لأبناء شعبه المخلصين، فقط المخلصين! لا للمراوغين المتملصين بمواقفهم الزئبقية الذين يزايدون على الوطن من خلال هروبهم وتسويفهم بالحيلة والخداع.
فوحدها المحاربة والتي لا يثبتها إلا واقع ملموس، ذات الجذور العميقة ستقضي على تفشي هذا الفساد وستستأصله لتعود بلادنا لصلابة اساسها، وكي يعرف الجميع أن الفساد ظاهرة دخيلة علينا يرفضها المجتمع بأكمله ولا يقبل بها.
فأصبحنا نصعق ويملأنا الاستغراب، حين نسمع ببعض القرارات والقوانين الفاشلة المتخبطة، والتي صارت تشعرنا بأننا تعدينا مرحلة الإقرار والاعتراف بأن الفساد لدينا استشرى ووصل إلى حد الخطورة القصوى! وهذا فعلا مالا نتمناه، وممن؟! من قبل حفنة من الشرذمة الباغية للأسف والتي لا ضمير لها.
فنحن كشعب لم نتصور يوما، بأن يكون هناك بعض من أبناء جلدتنا يصبح ولاؤهم لغير بلدهم، ولكن في المقابل تجد ولاءهم وحرصهم فقط لمصالحهم الذاتية ولمصالح فاسديهم ومفسديهم.
وكثيرا ما تراهم يتهاونون بجميع المساوئ والمثالب والمناقص تجاه بلدهم، وفي الوقت ذاته تسمعهم يزعمون لرفعته، ولكنهم في الحقيقة هم يهدمونه بأفعالهم وكذبهم.
فمتى ستهتمون بالإصلاح إذاً؟ وكيف ستعمرون البلاد لما فيه الخير والصلاح؟! ام انتم مغيبون تفترشون الارض وتلتحفون السماء؟! فمن واجبكم الوطني هو ان تتفاعلوا مع وطنكم وأبناء شعبكم، وتتلاحموا مع قادتكم، وتتعلموا من المصلحين والناصحين لكم، كي تصلوا للفكر الرشيد والرأي السديد والحكمة، ذلك لسلك الطرق الشرعية، والبعيدة كل البعد عن الغلو والتجاوز والإفساد، ليهنأ المواطن براحة البال.
فخراب العقول، التبعية، المجاملات، المحسوبية وبعض من تلك الرؤوس الكبيرة، والتي أوهمت غيرها من رخاص النفوس، بأن المادة والمصلحة الذاتية فوق كل اعتبار هي من جعلتنا نتقهقر ولا نجني سوى الدمار.
فليتنا نتجنب كل تلك الأمور لنلتزم بوطنيتنا، ونلتفت للقرارات التي من شأنها نشر النفع العام للوطن والمواطن، وحفظ قيمة البلاد في هذا السبيل العظيم والمصلحة الكبرى، فللوطن مبادئ جمة، وليست شعارات رنانة ترفع فقط لا يعرف معناها!
يقول الشاعر أحمد سالم باعطب:
الناس حساد المكان العالي
يرمونه بدسائس الأعمال
ولأنت يا وطني العظيم منارة
في راحتيك حضارة الأجيال