قوة عذاري الناعمة – بقلم : بدر سعيد الفيلكاوي

لكل شخصية في العالم سواء كانت حقيقة أو معنوية «قوة ناعمة»، والقصد بالقوى الناعمة هنا هو القدرة على جذب وضم الآخرين ليكون في صفهم دون إكراه أو تهديد، هكذا عرف جوزيف ناي الذي ابتكر هذا المصطلح وشرحه في كتابه الذي يحمل نفس العنوان، الصادر عام 1990، ومنذ ذلك التاريخ أخذ المصطلح والمعنى في التوسع والانتشار، الفكرة كانت موجودة عن البشر منذ القدم لكن تسليط الضوء عليها واستخدامها بهذا التوسع بدأ بالعصر الحديث.

كل الحكومات كشخصيات معنوية لديها قوة ناعمة داخل البلد وخارج البلد، الحكومات في الدول الديموقراطية تصل لسدة الحكم، عن طريق هذه القوة بإقناع الناخبين بأفكارها ورغبتها في التغيير والتطوير، وبما أن الحالة الكويتية مختلفة، فإن القوة الناعمة الداخلية التي تتحلى بها الحكومات التي تأتي عن طريق صناديق الاقتراع، أقل من الموجودة لدى الحكومة الكويتية، ولكن هذا لا يعني أنه لا وجود لهذه القوة لديها، بل هي أفضل من غيرها في إمكانيات هذه القوة، والسبب أن لديها ميزانية ضخمة، وتعداد سكاني بسيط، ووسائل إعلام محتكرة، ومناهج مدرسية تتحكم في محتواها وتسويق لفكرها، كل هذه المميزات تكاد تكون محدودة لدى غيرها من الحكومات التي وصلت عن طريق الصناديق.

المتتبع للمشهد السياسي في داخل الكويت يلاحظ أن لدى الحكومة الكويتية في الآونة الأخيرة سوء إدارة كبير لهذه القوة الداخلية، بل وبدأت تستنزفها بشكل مخيف، وهناك تحول جذري تصادمي مع رغبات الشعب الذي جبل على التوافق وتقريب وجهات النظر، بين الحكومة والشعب، وهذا من المميزات التي تكاد تكون الكويت هي الحالة الفريدة التي تستخدم فيها السلطة القوة الناعمة في المنطقة، وهو كذلك من الأسباب الرئيسية التي ساهمت في البروز الكويتي في السبعينيات والثمانينيات، في مجالات الفنون والانفتاح الاقتصادي والأفكار التطورية التي كانت موجودة.

وفي الوقت نفسه المتتبع للمشهد السياسي الخارجي يلاحظ أن لدى الحكومة الكويتية إدارة ممتازة للقوة الناعمة الخارجية، فإنجازاتها بالأزمة الخليجية، وبالقضية الفلسطينية، ملفته للنظر، والتصريحات مدروسة، وبخطط واضحة، وكرم خارجي في إعطاء المنح والقروض، وهنا يتضح أن هناك عدم توازن بالاهتمام بين الداخل والخارج، فأصبحت مثل الأب الكريم للناس والبخيل لأبنائه أو كما يقول المثل الخليجي (عين عذاري تسقي البعيد وتترك القريب)، وبتفكير بسيط لا يحتاج لعقلية جهبذية، يعرف أن الدائم هو الأبناء، وللناس شؤونهم التي ستلهيهم عن الحكومة الكويتية.